تحويل الرصيد أو.. الجهاز المصرفي الموازي!

قبل نحو عام من الآن كانت شركة الخدمات المصرفية الإلكترونية.. وهي ذراع بنك السودان المركزي في الإشراف على وتطبيق والترويج لاستخدام الموبايل في العمليات المصرفية.. تتلمس سبلها للتواصل مع وسائل الإعلام.. وعبرها مع الرأي العام لإقناعه بأنه بالإمكان تحويل جهاز الهاتف الجوال الذي يحمله في يده إلى مصرف متكامل يقوم بحفظ الأرصدة المالية واستقبالها وتحويلها.. بل والقيام بتغطية كافة الالتزامات المالية التي تنشأ لهذا العميل صاحب الموبايل من سداد رسوم الكهرباء والمياه والهاتف نفسه.. وسداد كافة الرسوم الحكومية وغيرها من سداد لرسوم المدارس والجامعات.. وتذاكر السفر وحجوزات الفنادق.. باختصار كانت الفكرة قائمة على إقناع المواطن بالتخلي عن التعاملات النقدية نهائيا.. حفظا لأمواله من الفقدان ومن السرقة ومن التلف.. بل وإعفائه حتى من عنت الذهاب إلى المصارف.. بعد تحويل هاتفه إلى مصرف حقيقي..!
ومن طرف خفي.. ودون الإفصاح المباشر.. كانت السلطات مجتمعة.. سواء أكانت المالية مثل وزارة المالية.. أو النقدية مثل بنك السودان المركزي وبقية المصارف.. أو الفنية مثل وزارة الاتصالات والهيئة القومية للاتصالات.. تهدف لإنهاء إمبراطورية نقدية اسمها تحويل الرصيد.. وإن كانت كل هذه المؤسسات تتحدث بأعلى الصوت عن أن الهدف هو.. جذب الكتلة النقدية الضخمة.. والتي تتجاوز حاجز المائة مليون جنيه سوداني.. وفقا لبعض المراقبين.. إلى داخل الجهاز المصرفي.. وربما وحده الذي امتلك الشجاعة وتحدث بالصوت العالي عن ضرورة إنهاء عمليات تحويل الرصيد.. كان هو السيد بدر الدين محمود وزير المالية السابق..!
الواقع أن كل تلك السلطات المالية والنقدية والفنية.. ثم لحقتها الأمنية.. كانت ترى أن الموبايل المصرفي يمثل الحل الأمثل والبديل الموضوعي بل والشرعي لعمليات تحويل الرصيد.. حيث أكد يومها أكثر من مصدر أن ما يسمى بالإير موني.. ولم أجد لها مقابلا حرفيا بالعربية.. وإن كان المقصود بها تلك الأموال التي تعتبر أرصدة في شبكات مختلف شركات الاتصالات.. قد بلغت أكثر من سبعين مليونا من الجنيهات.. وأنها تحلق في الهواء دون أي ضمانات أو حماية أو مسؤولية جهة ما.. ولعله ولسبب من هذا ظل مطلقو خدمة الموبايل المصرفي أو المروّجون لاستخدام الهواتف للعمليات المصرفية يؤكدون كل صباح أن تلك العلميات تعتبر عمليات مصرفية كاملة الدسم.. وأن بنك السودان المركزي يضمن أي قرش في تلك الأموال المتداولة عبر (الموبايل بانكنغ)!.
ثم تدخل الوسطاء.. وتحركت مراكز القوى.. من وكلاء تحويل الرصيد.. بل وبعض شركات الاتصالات نفسها لتتراجع وزيرة الاتصالات عن حماسها.. وتخفض الهيئة القومية للاتصالات من صوتها.. وأخيرا.. يذهب وزير المالية لحال سبيله.. وتبقى إمبراطورية تحويل الرصيد صامدة.. تمد لسانها للجميع.. وتجبر البنك المركزي للركوع تحت قدميها.. والاعتراف بدورها في عمليات إدارة النقد في البلاد ومنحها مشروعية ما كانت تحلم بها.. حين كان للبنك المركزي كيان وهيبة..!
هل رأيتم كيف أن البنك المركزي الذي تنحصر مهمته في ضبط ومراقبة عمليات النقد عبر المصارف والسعي ما استطاع لتكون الكتلة النقدية كافة داخل الجهاز المصرفي.. قد منح مشروعية غير مستحقة لإمبراطورية تحويل الرصيد.. وهو يعلن أن المسموح به فقط تحويل ألف جنيه في اليوم..؟
أليس هذا تقنينا لعمليات غير مشروعة وغير مضمونة وغير محمية؟ هل نسي البنك المركزي كل ما قيل عن الأموال العالقة في الهواء دون ضمانات.. وعن غسيل الأموال.. وعن تمويل الإرهاب..؟!
هل يعلم بنك السودان أن كل الذي حدث أن الذي كان يستخدم شريحة واحدة لتحويل خمسة آلاف جنيه في اليوم.. على سبيل المثال.. بات يستخدم خمس شرائح لتحويل ذات المبلغ في اليوم..؟!
دون أن يتأثر بقرار المركزي البائس.. (بتاع الألف جنيه)..!
ولئن كانت صحيفة إيلاف الاقتصادية.. ذائعة الصيت.. قد تحدثت قبل أيّام عن بنك مركزي موازٍ في إشارة لعائلة معروفة تؤثر في النقد الأجنبي.. فمن حقنا أن نعتبر تحويل الرصيد جهازا مصرفيا موازيا..!
اليوم التالى

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..