“قمة” البشير والترابي ..هل تطوي مسافات “الاحتقان” ؟؟!

وجبل الجليد الذي نصبته اقدار الخلافات في سكة الاسلاميين منذ اكثر من عقد ونيف من الزمان بدات اطرافه تتاكل وتتلاشي مكوناته وتتحول الي بحار سائلة وجسور ممتدة ..تلك هي الصورة السيريالية التي تجسدت عشية الجمعة ببيت الضيافة الموصوفة بقمة الوطني والشعبي وما كان للقاء البشير /الترابي ان يكون حقيقة وواقعا لولا ان اشتراطات الحزبين في سبيل البحث عن حوار وتلاقي بين شقي الاسلاميين طالتها تنازلت كبيرة في سقوفاتها العليا ولم يكن اللقاء نفسه فكرة اعتباطية ولكنه جاء تحت قوة ضغط وارهاق التجربة الاسلامية وفي ظل ظروف وتحولات مفصلية قاسية ليس علي الاسلاميين فحسب ولكنها ظروف تعاني منها الدولة السودانية بكل اطيافها ومكوناتها ..
ربما ليس مطلوبا من هذا اللقاء المفصلي بين الرجلين في هذه المرحلة سوي ان يكون مفتاحا واختراقا كبيرا في واقع الحركة السياسية الاسلامية بشقيها الحاكم والمعارض والعمل علي تزويب كل هذه الجبال الجليدية وتلطيف الاجواء وامتصاص الاحتقانات السياسية وضبط الخطاب الاعلامي بما يدفع في اتجاه تلبية مطلوبات هذه المرحلة وتهيئة المسرح الاسلامي تماما للعودة مجددا الي لحمته السابقة خصوصا ان كلا الحزبين الوطني والشعبي قد كثيرا من بريقهما ونفوذهما السياسي والجماهيري نتيجة لانشغال هذه القوي بخصوماتها .
ولكن ليس من المنطق ان يبني الاسلاميين رهانهم علي ان ما تم بالامس في بيت الضيافة ان يكون هو خاتمة احزان الاسلاميين فهناك كثير من الرهق والمسالب والاعطاب التي شوهت النموذج الاسلامي الذي جاءت به الانقاذ عشية 30 يونيو 1989 فالسودان بجغرافية منتقصة وبعلاقات متجازبة ومتوترة في كثير من الوجوه مع محيطها الاقليمي ودارفور نفسها كانت في احدي مراحلها وعزاباتها مسرحا لتصفية حسابات الاسلاميين وحتي الاقتصاد السوداني نال حظه تماما من حالة التشظي في الصف الاسلامي واسقاطاتها علي واقع حياة الناس بؤسا وفقرا وتراجعا في المنظومة التنموية والخدمية
صحيح ان قمة البشير والترابي طوت افلحت في ان تطوي مسافات الخلاف التي امتدت لسنوات عجاف جني منها المواطن السوداني وعدا وسرابا فاطلت الازمات السودانية باقبح وجوهها واشكالها الا ان القوي السياسية من غير الاسلاميين يبدو انها سخرت من اللقاء ووصفته بانه شان يخص الاسلاميين يبحثون عبره عن قوة ونفوذ وربما تحالف جديد يعيدهم الي مرحلة ما قبل انشقاق 1999 ولكنه في ظن وتقديرات الاخرين بانه لقاء اقرب لتلبية العواطف والاشواق القديمة .
من الاجدي لهذه الجماعة الاسلامية ان ارادت لهذه المبادرة دورا فاعلا في شان القضايا الراهنة ان تعيد النظر في برامجها السياسية والفكرية والاقتصادية عبر حوار سياسي مفتوح لا يستثني احدا وان تعيد كذلك رسم سياسات جديدة استنادا علي احقية كل سوداني للمشاركة في الحق العام وليس من المهم ان ترتكز كل عمليات الاصلاح والمراجعة علي البناء الهيكلي والدستوري للدولة السودانية في احزابها الحاكمة والمحكومة ولكن القضية التي يجب ان تحظي بالاهتمام والاولوية هي التعاطي الموجب مع حقوق المواطن ومكاسبه لانه وحده هو الذي صبر كثيرا علي اعطاب التجربة الاسلامية وتحمل عجزها وفشلها واثقالها وباعتراف اهل الانقاذ انفسهم .
واخطر ما في قمة البشير والترابي ان تختزل مبادرة الحوار الوطني بكل منطلقاتها وادبياتها وذخمها السياسي في هذا اللقاء التاريخي وتنشغل بغير مضامين ومحتويات اللقاء ومخرجاته العملية واذا ما حدث ذلك فان القوي السياسية المتوثبة لهذا الحوار سترتد مجددا الي مربع القطيعة والاحتقان حال وبالتالي تنتكس القضية ويتحول المسرح السياسي بكامله الي حلفين الحلف الاول علي قيادته المؤتمر الوطني والشعبي وليس بالضرورة ياخذ هذا الحلف “ديباجة” الاسلامية وقد لا تذهب مجموعة غازي صلاح الدين بعيدا عن اسوار هذا الحلف ان لم تندمج لاحقا في مكوناته السياسية والفكرية وقد تقترب ايضا حركة التغيير الوطني “الجديدة” الي هذا الحلف علما بان هذه الجماعة ورغم اسلاميتها حاولت البحث عن مسوغات او منفستو جديد تسوق به ذاتها في المسافة الفاصلة بين الحركة الاسلامية وجماهيرها .
اما الحلف الاخر هو القوي التي تسمي نفسها “بتحالف المعارضة” وتضم في مكوناتها كل الاحزاب العقائدية وقوي اليسار والتنظيمات والتيارات الاخري الحديثة بما فيها حزب الامة رغم انه لازال يعاني من تنازع المواقف والتوجهات . ولهذا فان البركة التي حرك سكونها لقاء الرجلين سترسي حتما بشكل جديد في طبيعة المشهد السياسي وبتمايز واضح في مواقف الاحزاب وتوجهاتها وحتي تحالفاتها وذلك بمقتضي المطلوبات التي تفرضها الاجواء الانتخابية القادمة اذا قدر الله لها تنعقد في ذات المدي المحدد العام المقبل
[email][email protected][/email]