الطابق المستور

حاطب ليل

الطابق المستور

عبد اللطيف البوني

مازلنا في الذكرى الحادية والعشرين لتلك الجمعة في الثلاثين من يونيو 1989، فقد قلنا بالأمس إنّ هذا التغيير قد فتح باباً لم يُغلق لأنه لم يكن إنقلاباً عسكرياً عادياً، وقلنا إنّ الناس يتفاوتون في النظر إليه، فمنهم من يعتبره أبيض يوم في تاريخ السودان، ومنهم من يعتبره أسود يوم في تاريخ السودان؛ هذا ساعة حدوثه. أما اليوم فهناك في تقديري إجماع على أنّ البلاد تواجه تحديات كبيرة ومطبات عظيمة لم تحدث لها من قبل، فنذر الشر تجمّعت فوقها بصورة لم يسبق لها مثيل (غايتو أكان البلد مرقت منها المرة دي تاني الجاري عليها ما يلحقها ). ولكن أيضاً هنا قد نختلف، هل يمكن أن نُرجع كل هذه الكوارث لما حدث في ذلك اليوم أم إنّ هناك تداعيات أخرى تسببت في ما نحن فيه من مأزق ؟ يبدو لي أنّ الأمر يحتاج إلى نظرة فاحصة وموضوعية، ولكن وجه الصعوبة في هذا الأمر هو أنّ الثلاثين من يونيو مازالت عناصره ماثلة أي لم تنقض تداعياته وبالتالي يصعب إخضاعه للدراسة المتأنية، فالنظر فيه كالسير على الرمال المتحركة. وبهذه المناسبة هناك طرفة منسوبة للزعيم الصيني ماو تسي تونغ تقول إنه كان مجتمعاً مع الرئيس الفرنسي شارل ديجول وأخذ هذا يتحدث عن الثورة الفرنسية التي غيّرت تاريخ البشرية فقال له ماو إنّ ثورتك الفرنسية هذه عمرها أقلّ من ثلاثمائة سنة ومازال الوقت مبكراً للحكم لها أوعليها لأن ما أفرزته من نظام ليبرالي رأسمالي مازال ماثلاً. عودة إلى ثلاثين يونيو.. هناك عنصر من عناصرها قد اكتمل تاريخه وهو استلامها للسلطة، فخلافات الجماعة الإسلامية وضعت كل شيء على الطاولة، من الذي اتخذ قرار الإنقلاب، ومن الذي خطط له، ومن الذي نفذه، وكيف تم التنفيذ، وكيف تم تقسيم الأدوار: (إذهب إلى القصر رئيساً وأذهب إلى السجن حبيساً). ويمكننا أن نحكم الآن بأنّ المشروع كله كان مشروع سلطة بحتة، أما حكاية الحضاري هذه فهي مجرد إسم للتمييز، وأظن أنّ الأيام أثبتت ذلك ما لم نستدع نظرية ماو تسي تونغ. على العموم في ما يتعلق بالعلمية الانقلابية لن نحتاج إلى لجنة تحقيق لكي تصدر تقريراً مثل تلك حققت في انقلاب 17 نوفمبر، ولن نحتاج لمحاكمات متلفزة كتلك التي أُقيمت لمدبري إنقلاب مايو، فالأمور كلها أصبحت مكشوفة. بيد أنّ كشف أسرار العملية الانقلابية لايعني أنّ هناك أسراراً أخرى محتاجة للكشف، فالعشرين سنة في الحكم مليئة بالأسرار في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فمليارات التعويضات التي تزامنت مع الانتخابات ماهي إلاّ نزر يسير، فهناك (الكومِّشنات) و(البيرسنتِتشات) – العجمة هنا مقصودة- والحاجات التانية حامياني كثيرٌ منها تداولته الأسافير وشمارات المدينة؛ فمن الصعوبة في هذا الزمان التكتم على شيء ولكن حتماً إنّ هناك أشياء مازالت في طي الكتمان ويكون جميلاً لو رفعت الإنقاذ شعار( لا للطوابق المستورة) وكشفت عن كل شيء، وفي النهاية (سجن سجن.. غرامة غرامة) لكي ترتاح في نفسها وتريح الآخرين من رهق الانتظار.

التيار

تعليق واحد

  1. أظن د مهمة الصحفي والصحافة الحرة بدل التطبيل ومسح الجوخ للإنظمة كما تفعل انت وزميلك عثمان ميرغني

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..