سيرة المشاط.. من مشاطتي بنت فرعون وأم الملك إلى البوب والراب

الخرطوم: زواهر الصديق
فى زمان ليس بالبعيد صالت المشاطة وجالت، وكانت ذات سطوة ونفوذ كبيرين على المشهد التجميلي في الحياة الاجتماعية السودانية، وكانت شخصية محورية يعمل لها (ألف حساب)، لما تتمتع به من مكانة اجتماعية مرموقة ونفاذ يشبه نفاذ السلطة، حتى أن مشاط العروس (تسريحاتها) كان تضرب له مواعيد منذ وقت مبكر.
حتى أنه (مشاط العروس)، أضحى فعالية كاملة لها طقوسها وتجهيزاتها الخاصة جداً، بجانب ذلك كانت المشاطة تضطلع بمهمة بتجهيز العروس وتجميلها، كما كانت تقوم بتمشيط سيدات مجتمع ذلك الزمان، وكانت تتمتع صاحبة مزاج له طقوس محددة، ما لم توفر، لا تنعقد الجلسة.
وكانت جلسة (المشاط) عامرة بالسجائر خاصة البرنجي، والقهوة والشاي، بل كانت منتدىً حافلاً بكل أخبار الحي والأحياء المجاورة.
فصاحة لسان
أُشتهرت المشاطة بطول اللسان وفصاحتة، وطلاقته، وكانت لها حرية أن تتحدث كما تشاء وعن أي موضوع دون وجل أو خشية، فهي الشخص الوحيد المسموح له بالحديث دونما حواجز، تتحدث كما يحلو لها ويروق للآخرين، حتى أن المثل الشعبي أطلق على الشخص (الفصيح وشيال الحال) عبارة (فلان دا التقول مشاطة).
وللمشاطة أدواتها هي اللشفة والمسلة أو شوكة التمر الكبيرة وتضع جميع هذه الأودات في إناء خاص مع الدلكة المُذابة التي تساعدها في تمشيط الشعر والزيت الكركار الذي يستخدم لتنعيمه، وكانت جلسة (مشاط العروس) في ذلك الزمن محضورة من قبل كثيرات خاصة صديقاتها وفتيات الحي أو الحلة، اللاتي يغنين لها في الأثناء، بينما توكل مهمة إجلاسها لامرأة في الغالب مستقرة (وهيطة ) في زواجها، لم يسبق أن طلقها زوجها.
الآن ها هي المشاطة تجلس اخلف العروس بينما تتعبق الجلسة برائحة العطور والبخور والدلكة والخمرة، في الوقت الذي تبتدر (المشاطة) عملية تركيب (شعر الجُرسى ) الإصطناعي حتى يتدلى ويدنو إلى ما تحت القدمين، بهدف تحريكه والتبختر به أثناء (رقص العروس) لاحقاً.
مشاطة بنت فرعون
كلما استمرت الجلسة وقتا طويلاً، فإن في ذلك مؤشر على جمال العروس وكثافة شعرها وطوله، ولقد خلدت الثقافة الغنائية المشاطة بأغنية (دفع المية للمشاطة)، وأيضا في الأثر إذ يذكر أن هنالك مشاطة رائحتها الذكية أتت من جنة، وهي مشاطة بت فرعون التي حرقها فرعون وأبناءها عندما آمنت بالله.
النقوط
تجتمع النسوة، يضعن وسطهن إناء فارغ من أجل (جمع النقطة) من أقارب العروس، والنقطة هي مساهمة مالية كل بحسب إمكانياتها تضع في الإناء مبلغ من المال للإسهام في تغطية نفقات جلسة المشاط (شاي، قهوة، غداء، سجائر، وعطايا المشاطة).
تدفع من (النفطة) كل التكاليف ذات الصلة بجلسة المشاط وطقوسها، وما يتبقى يكون من نصيب (المشاطة) بجانب الحلوى والسكر والبخور التي تقدم لها كـ (فأل حسن) هدية من أم العروس، التي يدفع لها (العريس) أيضاً.
مشاطة أم المك
ومن الأمثال الشعبية في هذا الصدد، يقال (مشاطة أم المك)، والقصة تقول: إن أم أحد المكوك كانت تُعير بقصر شعرها، وكانت كلما تستدعي مشاطة، فتكمل مشاط شعرها في يوم واحد فقط، يقطع المك رقبتها حتى لا يقال (أم المك ما عندها شعر)، وذات مرة جيئ لها بمشاطة كانت ذكية جداً، فأخذت تمشط شعرتين فقط في كل يوم، إلى أن أكملت تمشيطها في مدة طويلة، وأصبحت بذلك مضرب مثل لكل من ينفق وقتاً طويلاً في أداء عمل ما، لا يستحق كل هذا الوقت، فيقال كـ (مشاطة أم المك).
صرعات وتقليعات جديدة
يبدو أن زمن المشاط بتلك الطقوس انتهى، وأن زمن المشاطة التقليدية بمسلتها وكركارها ودلكتها وسجائرها قد ولى، فدخل المشاط مضمار الصرعات والموضات، وفارق ساحات الحيشان والرواكيب ليدخل صالونات التجميل، ويتخذ اسماء أخرى، وأشكال وألوان وتقليعات مثل (مشاط البوب والراب والحبشي والأفريقي) وخلافهم

اليوم التالي

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..