الشاحنات.. يوميات الكارثة ..!!

تحقيق : أسماء ميكائيل اسطنبول
تحمل اسمان منطقة الفتح المبين هو الاسم المعروف لدى الجهات الحكومية، أما الاسم الثاني فهو اسم الشاحنات وهو الاسم الذي اشتهرت به وأصبحت تعرف به شعبياً.
هذه المنطقة تقع في الجزء الجنوبي من السوق المحلي بالخرطوم وسلمت كتعويض لسكان مايو منذ عام 1998 ويقطن فيها أكثر من 16 ألف نسمة وبها 200 منزل تضم مربعين فقط ويشمل (32) منزلاً، فهي منطقة تقع في قلب العاصمة القومية وهي ليست بعيدة مثل منطقة الكلاكلات أو الحاج يوسف، الوصول إليها لا يكلف الشخص عناء، هذه المنطقة تحتضن كمية كبيرة جداً من المشاكل خاصة من الناحية البيئية لا تصلح تماماً للسكن.
رحلة معاناة
تحركت من المنزل نحو منطقة الشاحنات وكانت الساعة تشير إلى الثانية عشر بعد الظهيرة استقليت مواصلات الصحافة زلط وعند بداية الميناء البري نزلت من أجل ركوب مواصلات الشاحنات أو مواصلات الفتح المبين، وهنا بدأت رحلة المعاناة، حيث وجدت تجمعاً لا أول له ولا آخر من المواطنين طلاب وطالبات موظفين وعمال، الكل في انتظار المواصلات، ولكن هيهات تحركت بأرجلي حتى نهاية الميناء البري عسى ولعل أجد مواصلات، وجدت مجموعة من الشباب وقوفاً سألتهم هل مواصلات الشاحنات بتأتي؟ هنا قال أحدهما: نعم، ولكن من الأفضل أن تذهبي عند المحطة لأن مجيئها هنا صعب جداً، وإذا جاءت تكون ممتلئة فمن الأفضل الرجوع إلى بداية الميناء البري، رجعت مرة أخرى وجدت عدد المواطنين في ازدياد (حشد رهيب من الناس) فكرت الرجوع إلى المنزل، ولكن تذكرت وعدي لهؤلاء المواطنين وانتظارهم لي، وكانت كل عربة تأتي يكون حظ الراكب القوي يأكل الضعيف، وفجأة ظهرت (هايس) كانت تقف في اتجاه معاكس، وبدأ ينادي مايو الشاحنات الراكب ألفين جنيه، الكل أصبح يهرول وأنا خلفهم نحو تلك (الهايس) ولم يبالي الكل بالعربات التي كانت تعبر الزلط، اضطر سائقو العربات للوقف حتى يعبر الكل وتعطلت حركة المرور فكنت من المحظوظين، لأنني حظيت بمقعد، وبعدها تحركت الحافلة وأخذت طريق غير خط السير المألوف، بدأت أسأل السائق إلى أين أنت ذاهب هذا ليس الطريق؟ كان الرد جماعي من الركاب: ذاك الطريق غير جيد ومزدحم، فلذلك سلك هذا الطريق، وبعد أقل من عشر دقائق اتجهت العربة نحو زلط الشاحنات كانت المسافة قريبة جداً من السوق المحلي.
أطفال يسبحون
بعد المصانع شاهدت من الناحية الشرقية من الزلط مجموعة من رواكيب الوزن ومجموعة من الورش وعلى طوال امتداد الزلط لاحظت وجود مجموعات من أكوام الرملة الحمراء وأخرى بيضاء وعربات كبيرة (قلابات مازالت تسكب في الرمال) وبين كل مجموعة من الرمال تجمع مياه، وبداخلها أطفال يسبحون، سألت من كان بجواري عن أكوام هذه الرمال والمياه التي يسبح فيها الأطفال؟ قال: هذا المكان خصص لبيع الرمال رغم أن هذا المكان المنفذ الوحيد لسكان الشاحنات، وأما المياه هذه هي مياه الأمطار ويسبح فيها الأطفال، فظللت أنظر إلى تلك العربات الكبيرة على طول امتداد الزلط، أخرى تضع في الرملة وأخرى واقفة وأخرى خارجة إلى أن شارفت الوصف الذي قيل لي
قبل خمسة أيام
وعند بداية قسم الشرط اتصلت هاتفياً فكانت هنالك امرأة تنتظرني عند نهاية الشارع، وكانت مسافتها بعيدة من الزلط ومليئة بالمياه يصعب المشي، وكانت المرأة تصف لي عبر الهاتف قائلة توخي الحذر خذي يمينك ثم تقول خذي شمالك هذا الشارع خطر فيه حمامات سقطت وأخرى آيلة للسقوط، وشاهدت أسوار منازل كذلك حتى شارفت على الوصول لوحَّت لي بيدها وعندما وصلت قالت: الحمد لله على السلامة، تفضلت نحو المنزل ثم أخذت واجب الضيافة، قالت: سقوط الحمامات والأسوار نتيجة لمياه الأمطار التي جاءت قبل خمسة أيام- قطعت حديثها -ومازالت المياه موجودة فى الشوارع ؟ ردت: أنتِ لم تشاهدي شيئاً قد يكون هذا أفضل الشوارع، عندما نأخذ جولة فى الحي سوف تشاهدي للمأساة بعينك، وطلبت أن تعطيني حذاء آخر (سفنجة) رفضت وقلت: أستطيع المشي، ولكن كان شيئاً مؤسفاً وخاب ظني ولم أستطع المشي خاصة عندما اقتربت من شارع المدرسة. كل الطرق كانت ممتلئة بالمياه كأن منطقة الشاحنات هذه عبارة جزيرة في وسط بحر، سألتها مرة أخرى: هل هذه المياه قبل خمسة أيام منذ نزول المطرة الثانية ؟ هزت رأسها تأكيداً لسؤالي وتابعت قائلة: ياريت لو كان أتيتي من الصباح الباكر حتى تشاهدي منظر الطلاب، مدير المدرسة أعطاهم إجازة بسبب هذه الأمطار وهم يسبحون في مياه المطر رغم أن هذا اليوم الخامس ولا توجد طريقة للدراسة، إلا الأسبوع القادم، ثم قالت: نذهب إلى داخل المدرسة لكي تشاهدي منظر المياه، ومن أجل الوصول إلى داخل المدرسة اضطررت للنزول إلى داخل مياه الأمطار، (خضنا) في ميدان كبير جداً أشبه بالبحر، وكانت المياه حتى الركب إلى أن وصلت بالقرب من المدرسة، فكانت مليئة بالمياه من الداخل، قالت رفيقتي: هل تعلمي أن كل يوم اثنين وخميس من كل أسبوع يأخذوا من كل طفل (2) جنيه نثرية، كان ذلك في العام المنصرم، أما في هذا العام الله أعلم ربما تزيد ورغم ذلك لم يستطيعوا توفير أبسط الأشياء، وفي ذات الوقت أهمها وهي الحمامات. هل تعلمي بأن المعلمات يدخلن إلى منازل الجيران لقضاء الحاجة، لأن الحمامات منتهية تماماً ورغم خطورتها الأطفال يدخلون فيها وبمجرد نزول أول مطرة تصبح المدرسة كما شاهدتي.
التخلص من الحشائش
ثم تحركت نحو الاتجاه الغربي من المدرسة، كانت هناك كميات مهولة من الأوساخ والقاذورات، هذا الاتجاه من المدرسة أصبح كوشة، لأن معظم السكان يسكبون النفايات في هذه الاتجاه الغربي من المدرسة لعدم وصول عربات النفايات نهائياً إلى مدينة الفتح المبين، ولم تتوقف على النفايات فقط، وحتى الجهات الرسمية عندما تريد التخلص من الحشائش تقوم بحرقها في منطقة الشاحنات، ثم عبرت بشارع ضيِّق كان أكثر جفافاً وجدت مصرفاً صغيراً جداً وضعت عليه بعض العلب الصغيرة كممرات للمواطنين، قالت: هذه ممرات أقامها أطفال الحي من أجل المرور لعدم وجود ممرات، ثم أخذنا الاتجاه الشرقي من منطقة الشاحنات وبداخل الميدان شاهدت راكوبة كبيرة تسبح داخلها تلك المياه، والشيء الغريب رغم المياه تحيط بها من كل جانب، إلا أنها من الداخل لم تصلها ذرة مياه، استعجبت لهذا الموقف فسألت رفيقتي، قالت: هذا مسجد، وذاك الإمام، وكان جالساً للوضوء وعندما اقتربت منه ألقيت التحية، ثم قالت رفيقتي: أصبحت تصلي هنا؟ وكانت تقصد إمام محل تجاري صغير (دكان ) رد: الله غالب.
محبوسون داخل المنازل
وعندها شاهدت مبنى – داخل مياه تلك الأمطار – مطلياً بلون فاتح، وعندما سألتها ردت بأنه مركز صحي ومؤسس منذ عام 2012م، وحتى الآن لم يكن به أي طبيب متخصص، ويعتمد على التطعيم فقط، وحتى غيار الجروح لأطفال المدارس بقروش، وإذا ماعنده يطرد من المركز، ووجدت رياض أطفال ولكنها أغلقت بسبب الأمطار. قالت رفيقتي: حتى هذه اللحظة لم أستطع الذهاب إلى منزلي بسبب هذه المياه، ثم قالت: انظري وكانت امرأة داخل المياه (تخوض) قالت : هذه المرأة تريد عبور هذه المياه من أجل الذهاب إلى الدكان، فنحن ظللن محبوسين داخل منازلنا منذ اليوم الأول وحتى هذا اليوم لم نستطع الخروج إلى المحلات التجارية ولا الأسواق.
يوم الوقفة …غياب وفشل إداري
ثم توجهت نحو رئيس اللجنة الشعبية عمار هجو، قال: أولاً كنت رئيس للجنة الشعبية، ولكن قبل سبع شهور ودون إخطار ولا اجتماع تم تعيين أشخاص جدد هم يمثلون للجنة الشعبية وطلبت مننا الجهات المسؤولة أن نسلِّم الختم وهذه أول مشكلة، تحل لجنة وتحل محلها لجنة دون إخطارنا كلجان شعبية. ثانياً رغم أن منطقة الشاحنات قريبة جداً من العاصمة إلا أنها منطقة مهملة تماماً تحتضن كل المشاكل البيئية ابتداءً من مشكلة النفايات، وهنا سؤال أطرحه على محلية النصر متى جاءت عربات النفايات لمنطقة الشاحنات ؟ أكيد لا تتذكر محلية النصر حيث أصبح الجانب الغربي مقراً دائماً للنفايات، ففي البداية كان الجانب الشرقي ثم تحوِّل إلى الجانب الغربي، لأن الجانب الشرقي قامت المحلية بتأجيره لناس التشوين (هم الأشخاص الذين يقومون نتجميع التراب) وهم 41 موقعاً، وكل موقع أجَّرته المحلية بـ150 جنيهاً، وتم ذلك في عهدنا ودون إخطارنا كلجنة شعبية كنا موجودين في الجانب الشرقي من الكونكا وحوِّل إلى الجانب الغربي، وكان هذا المكان الذي حوِّل فيه أصحاب التشوين كان الغرض منه عمل تشجير على طول امتداد هذه المساحة وأشجار عطرية من أجل التصدي للرائحة الكريهة التي تأتي إلى الكونكا،غير ذلك هي مساحات تهوية للحي بالإضافة لأنها ميادين رياضية. ووعدنا رئيس الوحدة الإدارية بخطاب مكتوب ووافق عليه بأن تضم هذه المساحات (2 ) ميدان رياضية لشباب مربع 1 والثاني لشباب مربع 2، ولكن بعد الوعد المكتوب الذي أقر به رئيس الوحدة الإدارية تفأجانا بتمدد على هذه المساحات من أنقاض ورواكيب وزن وتشوين، فالأهداف التجارية التسويقية في منطقة الشاحنات مقدمة على تنمية البيئة تماماً، وأكبر مشكلة أصبحت تواجه مشكلة الشاحنات بعد المصانع انخفاض المنطقة، ولا يوجد مصرف نهائياً، فلذلك كما شاهدتي هذه الأمطار لها خمسة أيام وحتى الآن المواطنون لا يستطيعون الحركة، لا توجد حلول جذرية لمشكلة التصريف لمنطقة الشاحنات والحلول التي تقوم بها المحلية عبارة عن التنقل بالمشكلة من مكان إلى مكان وهي سياسة تخدير، فمياه الأمطار تنقل من الميدان إلى الاتجاه الغربي بذات المنطقة كأنهم لم يفعلوا، فهي مشكلة موسمية متكررة بالكربون ولا توجد عبارات كما شاهدتي، لأن العبارات التي خرجت باسم الشاحنات نهبت وكل مواطن بحاول يعمل مصرف صغير أمام منزله من أجل العبور، ولكن لم يصمد كثيراً أمام الأمطار، فموضوع الخريف برنامج ثابت بالنسبة للمحلية من أجل الحصول على مبالغ باسم الخريف. ففي منطقة الشاحنات هذه يوجد غياب وفشل إداري، كانت هنالك خطط وضعناها كلجان شعبية لحل مشكلة الخريف مثلاً أن يقام مصرف كبير يربط منطقة الشاحنات بالمجرى الكبير في شارع الهوى وعندما تقدمت بخطة إلى الجهات المسؤولة سخروا وقال: كيف تقدم خطة للخريف ونحن في فصل الشتاء؟ فالمحلية كل عام تقوم بعمل ارتجالي تعمل بنظام يوم الوقفة ويكون يوم الوقفة هذا إلا عندما تنزل المطرة وتغرق المنطقة ومبالغ لا تخرج من غير أن تصرف على المنطقة غير ذلك، هناك مواد تموينية تأتي باسم المواطنين المحتاجين سواءً كان لمواطنين سكان الشاحنات أو غيرهم، ولكن تظل موجودة داخل المخازن لا توزع حتى تنفد صلاحيتها ولا تصلح فتحرق بعد ذلك، وكذلك بطاطين الشتاء وجدت داخل المخازن حتى أصبحت تنقطع لوحدها في الأيادي، وهذا غير الجبايات التي تفرض على مواطن الشاحنات وتدفع للحكومة سنوياً، ولكن من غير تقديم أي خدمات للمواطن.
التيار