أكذوبة البحث العلمي داخل أزقة التخلف …!!!

البحث عن آفاق أروع وأجمل وأرقى للحياة تتحقق نتائجه عن طريق البحث العلمي ، أقول هذا وقد عاصرت زمانا كان فيه المذياع الذي كان يومها مصدر الخبر والرفاهية والمعرفة الوحيد في حجم كبير ، بل ولا يوجد إلا في منصات المقاهي ومنازل أصحاب الثروات ، ويأتي المواطن العادي ليتعاطى الأخبار أو وصف مباريات كرة القدم من مذياع المقهى أو من مذياع جاره المقتدر …ثم استيقظ البحث العلمي ليشعل ثورة الترانزستور ليصير المذياع جسما أضعه علي وسادتي مجاورا لأذني يسقيني الأخبار وما أريد من شتى المحطات وأنا مستلقي علي فراشي الوثير ، البحث العلمي جعلني أتجول بين أهلي وأصحابي بل ومن هم خارج الوطن في أحاديث قد تطول وقد تقصر وأنا مستلقي على ذات السرير بواسطة جهاز هو علي الرغم من بالغ فعاليته ، محمول داخل جيبي ، ذلك بعد أن كانت بضع كلمات في دقائق معدودة تكلف مبالغ طائلة ، كل ذلك حدث في بضع سنوات ، وذلك يؤشر إلي أن العقل البشري إنما هو نعمة من نعم الله انتشرت آثارها لتعم الأرض علي اتساعها ، ولا تنطلق إلا من أماكن تحترم كينونة الإنسان ومقدراته ومنها المقدرة العقلية التي ينطلق من عقالها البحث العلمي …وعندما يأتي ذكر البحث العلمي ، يقفز إلي الذهن مباشرة اسم التعليم العالي ، والذي ارتبط اسمه بالبحث العلمي ، ذلك أن التعليم العالي مرتبط بالجامعات التي هي بالضرورة أماكن البحث العلمي ، وهو ينبلج من معاملها أو مكتباتها في دول بعينها ليعم بفائدته المحيط المحلي أو العالمي عندما تتعاطاه الشركات وتحول حصاد العقول إلي أدوات فاعلة في شتى المجالات ، وتتقاضى الجامعات الثمن لتسخره لصالح من فيها من الباحثين وفي إيجاد إمكانيات مادية لأبحاث علمية جديدة ، وبذلك تكون هذه الجامعات قد أكدت عمليا الهدف من وجودها باعتصارها جهد عقول أساتذتها بحثا واستقصاء يعود عليها وعليهم بالخير العميم ، ولكن كيف هو حال البحث العلمي عندما تقتطع الجامعة ما يساعدها علي الوجود من جيوب طلبتها ، بل وتزيد من أعبائهم كلما حاصرتها الحاجة واعتصرها الفلس ، بل كيف هو حال البحث العلمي لما تكون وزارة التعليم العالي هي مصدر تمويل الجامعات مقرات البحث العلمي في بلد يحكمه النظام الفدرالي في سلوك هو ضد تعريف البحث العلمي للنظام الفدرالي ، بل كيف هو حال البحث العلمي عندما يكون الحافز إليه ترقية إلي درجة أعلي تدر بضع جنيهات قد لا تصل إلي الألف جنية أو ما كنا نسميه قديما المليون لقاء أوراق إلتقطت معلوماتها من هنا وهناك تقف مبررا للترقية التي يقع صيدها المادي الذي اقتنصته بعد عناءٍ وتعب دون ما اختطفته دبورة لامعة في كتف عسكري ما كتب سطرا في سعيه وراءها . وعندما يصل بمخزون كتفه المتلألئ إلي درجة بعينها ،فإنه ينزل إلي التقاعد بكامل مخصصاته ، بينما البروفسير بعشرات أوراقه التي كتبها بمداد معرفته عندما يصل إلي سن التقاعد ، يستغني عنه وعن معرفته وخبرته بنفس منطق الإستغناء عن ميكانيكي أو نجار أو حداد أو حمال بعد أن وهنت قواهم لاتصال أعمالهم بقوتهم البدنية ، إذن فالبروفسير ما هو إلا حمال في سوق تساقطت في أرجائه قدرات البحث العلمي كما تساقط العجور والحطب من علي كتف الحمال لما زارته الشيخوخة، فأين منه في حضيضه المتدني آفاق اللواء أو الفريق…كذلك هو حال الباحث في كل مجال ، فهاهو وزير الصحة في ولاية الخرطوم يصرح بأن الإختصاصي في مجال الطب يتقاضى أقل من مرتب موظف النظام العام ، لذلك كيف نجد باحثا يبحث لإيجاد علاج لمرض الملاريا التي تفتك بالآلاف في كل يوم ويقاوم فيروسها العلاجات بضراوة ؟ بل أن مجال البحث في إيجاد مصل يحصن الناس من مرض الملاريا تقوم به جامعة في جنوب أفريقيا ، على الرغم من صلتنا نحن الوثيقة بداء الملاريا ،وعدد الجامعات لدينا يجبرنا أن نقول ما شاء الله …ومع وجود عشرات المستشفيات الخاصة التي تملك إمكانات مادية واسعة تحتلبها من جيوب مرضاها إلا أن طلبات العلاج بالخارج في ازدياد إلي مصر وإلي الأردن وإلي الهند أخيرا في بلد أفتتحت فيه مدرسة العلوم الطبية في عشرينات القرن الماضي ، وحينها لم تكن المملكة الأردنية قد تأسست بعد ، فهل تعيش مستشفياتنا الخاصة بكل ما تجنيه من مال وفير ، خارج حدود الكرة الأرضية ؟ وهل لا يملك أطباؤها من مقدرة إلا مقدرة جمع أكداس المال ؟هذا في مجال الطب ، هناك أيضا بحوث تخص الرياضة البدنية ، لدينا كلية جامعية تهتم بأمرها ،فهل لخريجيها أو لبروفسيراتها وأساتذتها دور في الساحة الرياضية ، وبالأخص كرة القدم ذات الهوس الجماهيري بلا حدود ؟ ولماذا يجلب المدربون من الخارج ؟ وهل دور قدامى اللاعبين الذين امتهنوا التدريب ، يتفوق علي من درسوا أسس التربية الرياضية في الجامعات وكتبوا فيها ما نالوا به الدرجات العلمية ؟ وفي مجال الموسيقى والغناء والدراما ، فبحمد الله لدينا معهد للموسيقى والمسرح تحول إلي كلية جامعية ، تخرج فيه موسيقيون ودراميون وفنانون أمثال أنس العاقب وعثمان مصطفى وآخرون ، بل أن بعضهم يعملون أساتذة فيه ، بينما تسود الساحة الغنائية أصوات ندى القاعة وإنصاف مدني وآخرين وأخريات ممن يتقاضون الملايين في ساعات معدودة ، وفي مجال الدراما ، ما نزال نجتر إبداعات المراحيم أعمالا خلفها عثمان حميدة والفاضل سعيد عليهما الرحمة وسنظل ….أيها السادة ، قوموا إلي تخلفكم يرحمكم الله…
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..