قنابل السودان الموقوتة تنفجر


عثمان ميرغني

يبدو أن قدر السودان في ظل نظام البشير ألا ينعم بالسلام أبدا، فقبل أن يجف مداد التوقيع على انفصال الجنوب، الذي برر له النظام باعتباره الثمن الذي كان عليه دفعه من أجل إنهاء الحرب وتحقيق السلام، انفجرت حروب جديدة، وعاد السودان إلى مربع الاقتتال. لم يكن توقع هذه الحروب يحتاج إلى عبقرية في التحليل، بل كان الأمر واضحا وضوح الشمس، وحذر منه الكثير من العقلاء، الذين رأوا السياسة العرجاء التي اتبعتها الحكومة في معالجة ملف السلام، والثقوب الكثيرة في ما عرف باتفاقية السلام الشامل.

السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو: ألم تكن الحكومة ومفاوضوها ومستشاروها الكثيرون يدركون أن هناك قضايا كثيرة تركت معلقة ولم تحل على مدى 6 سنوات منذ توقيع اتفاقية السلام عام 2005 وحتى موعد استفتاء تقرير المصير في الجنوب مطلع العام الحالي، وأن هذه القضايا ستكون قنابل موقوتة ستنفجر تباعا في ظل التوتر بين الخرطوم وجوبا، والمشاكل في ولايات حدودية؟

فإذا كان النظام في الخرطوم لا يعلم، فتلك مصيبة كبرى؛ لأن المفاوضات استغرقت سنوات عدة، وشاركت فيها الحكومة على أعلى المستويات، ومثلها عدد من كبار قيادييها ومسؤوليها ومنظريها، وأشرف عليها نائب الرئيس علي عثمان، ووقع عليها الرئيس البشير. كيف يستقيم عقلا أن كل هؤلاء الذين شاركوا في المفاوضات الطويلة والاجتماعات الكثيرة التي عُقدت لبحث ملف السلام، لم يتنبهوا إلى خطورة ترك ملفات حساسة عالقة، وعدم حلها قبل الاستفتاء؟ أما إذا كانوا مدركين لذلك كله ومضوا في الطريق الذي كان واضحا أنه سيؤدي إلى انفصال الجنوب، فالمصيبة أعظم، لأن هذا سيجدد شكوك الكثيرين حول دوافع بعض الأطراف في النظام، خصوصا أن بينهم من كان يروج ويدعو علنا لانفصال الجنوب، باعتبار أن ذلك سيفتح الطريق أمام مشروعهم القديم لإعلان جمهورية إسلامية. هذه الشكوك عززتها أيضا تصريحات البشير عن عزم نظام الإنقاذ على إعلان الجمهورية الثانية وتطبيق الشريعة، وهي تصريحات اعتبرت محاولة للهروب من مسؤولية تبعات الانفصال والتستر وراء شعارات استخدمها النظام في السابق لأهداف سياسية أو تكتيكية، ولم يطبقها بجدية على مدى 22 عاما من إمساكه بالسلطة، لكن حتى إذا كان نظام الإنقاذ، المولود من رحم وعقل الجبهة القومية الإسلامية، جادا فيما يقوله بعض المحسوبين عليه، فهل يمكن قبول تقسيم الوطن من أجل تنفيذ برنامج حزبي، علما بأن أهل السودان المتدينين بطبعهم لم يعطوا أبدا الجبهة الإسلامية بكل مسمياتها المختلفة أي أغلبية برلمانية في كل فترات الديمقراطية التي عرفها السودان، وهو الأمر الذي جعل تلاميذ الترابي ينقلبون على الديمقراطية قبل أن ينقلبوا عليه أيضا في صراعهم على السلطة؟

لقد حاولت حكومة البشير الرد على منتقديها بالقول إنها حققت السلام، من دون أن تجيب عن السؤال: أي سلام؟ هل هو السلام الذي قاد إلى تقسيم السودان وانفصال الجنوب، أم هو السلام الذي يقود اليوم إلى حروب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وفي أبيي، بعد حرب دارفور؟

إن الواقع الماثل أمام الناس يؤشر إلى أن الحكومة فشلت في تحقيق السلام، وليس لديها ما تقدمه الآن أمام السودانيين لتبرير فاتورة الانفصال والتفريط في وحدة الوطن. وربما لهذا السبب لجأت الحكومة من جديد إلى سياستها القديمة في الهروب إلى الحرب لكي تغطي فشلها في السلام، ولكي تكون مشجبا تعلق عليه أزمات مقبلة في الطريق، خصوصا على الصعيد الاقتصادي؛ حيث بدأت آثار الانفصال وفقدان جزء كبير من عائدات النفط تظهر؛ فأسعار المواد الاستهلاكية الضرورية بدأت ترتفع، لاسيما مع الضرائب والإجراءات الجديدة التي فرضتها الحكومة، ورفع الدعم جزئيا عن بعض السلع مثل السكر والمواد البترولية، ووقف استيراد بعض السلع، وخفض الإنفاق العام لتقليص ميزانية الدولة. وهناك انخفاض ملموس في عائدات البلاد من الصادرات التي كان النفط يشكل عمادها بعد أن أهملت الحكومة، لسنوات، القطاع الزراعي، والتهم الفساد قسما من نصيبها من عائدات النفط التي بددت ولم يبق منها ما يمكن البلاد من استيعاب صدمة الانفصال.

إن السودان يواجه اليوم 3 حروب تمتد من دارفور وجنوب كردفان إلى ولاية النيل الأزرق، كلها مرشحة للمزيد من التصعيد، بل إن المسؤولين في الخرطوم باتوا يتحدثون عن احتمال تجدد الحرب بين دولتي الشمال والجنوب، وهي حرب إن وقعت ستكون أقسى من كل جولات الحرب السابقة، وقد تتسع فتُجر إليها أطراف إقليمية بعد أن أصبح الجنوب دولة مستقلة. وهناك مخاوف دولية بالفعل من احتمال تجدد هذه الحرب، خصوصا مع تزايد المؤشرات على أن الجنوب، بعد اتهامه للخرطوم بدعم ميليشيات لزعزعة الوضع في الدولة الجديدة، وبعد اندلاع الحرب في جنوب كردفان، بدأ يقوم بتحركاته الخاصة أيضا في الحروب بالوكالة المندلعة بين الجانبين. وكان لافتا أن واشنطن، التي انتقدت الخرطوم مرارا بسبب الاقتتال في جنوب كردفان، أعربت عن قلقها مؤخرا من التقارير عن دعم جوبا للحركة الشعبية في جنوب كردفان، وهو دعم كان متوقعا بالنظر إلى أن الكثير من العناصر الشمالية التي قاتلت مع الجيش الشعبي في الجنوب كانت من جنوب كردفان وجبال النوبة والنيل الأزرق.

هناك في الخرطوم اليوم من ينادي بالحرب والحسم العسكري للمشاكل، سواء في دارفور أو في جنوب كردفان والنيل الأزرق، لكن هؤلاء لا يسألون أنفسهم عما جناه السودان من سياسة الحروب التي برع فيها نظام البشير بقدر فشله في سياسة الحوار. فحرب الجنوب، التي أكلت الأخضر واليابس، ومات وشرد فيها الملايين، انتهت باتفاقية سلام قادت إلى الانفصال. والحرب المستمرة في دارفور حصدت، هي الأخرى، مئات الآلاف من القتلى وشردت نحو المليونين، ولا تزال مستمرة ومرشحة للمزيد من التصعيد. ألم يتعلم النظام أنه قد يصعد ويحارب، لكنه يذهب في النهاية إلى طاولة الحوار؟

هناك من يرى أن النظام في الخرطوم لا يجيد لغة الحوار، ولا يعرف سوى لغة التصعيد والحرب وترويع الخصوم من أجل التشبث بالسلطة، لكن هناك أيضا من يرى أن بعض الأطراف في النظام تراهن على الحرب لصرف أنظار الناس عن الأزمات المقبلة ولإشغالهم عن الربيع العربي. وفي الحالتين فإن الأوضاع في السودان مرشحة لأوقات صعبة وأحداث ساخنة، ربما تضعه في قلب الأحداث.. والثورات.

الشرق الاوسط

تعليق واحد

  1. بكل أسف نحن في السودان كل شئ عندنا منقوص ويتم بطريقة سبهللية أنظر إلى كل الوزارات والجهات الحكومية إدارة المياه والكهرباء، معاناة المواطن في كل خريف واشياء أخرى والله العظيم تحزن أكثر شئ بعض الناس فالحين فيه نهب أموال الدولة .

  2. hay what an in-depth analysis.a perfect induction and an overiding reading of the fothcoming event that may shade the Sudanese political arena >>>a big difference between two journalists synicslly both of them carry the same name>>>
    مبروك التحليل الممتاز يا عثمان ميرعني الحقيقي موش المزور ( بفتح الواو وكسرها معا ) والله افتقدناه زمن طويل الظاهر ماحيمشي مع ( التيار)هههههههههههههههاى

  3. معظم الذين باركوا الانفصال ولو على مضض ارتضوا به كمهر لسلام حقيقي , لكن أن نفقد ربع المساحة وثلث السكان ثم نفقد السلام ونعود مجدداً لحرب أخرى فتلك والله كارثة والله المستعان .

  4. إلي كاتب المقال عثمان ميرغني :

    أليس لوالدك أب تنتسب إليه خاصة وأن أسمك الأول والثاني له مماثل اعتاد الناس علي قراءة مقالاته .

    وجود صورتك علي المقال لا يكفي .
    فأنت كاتب وليس معلق أو متداخل كحالنا .

  5. هذا هو صوت العقل يا عثمان ميرغني وقمة الفهم للقضية السودانية وليس مسك العصا من النصف ، لذلك لابد لنا أن نواجه مشاكلنا لكي نستطيع أن نعثر على حلول ناجعة لها لا أن نتعاطف مع طرف دون الآخر، المؤتمر الوطني أصبح عاجزاً تماماً على حل أي مشكلة بالحوار وهذا يدل على إفلاسه الفكري والجنوح دائماً إلى الحرب التي أدت وستؤدي بنا إلى الهاوية هذا إذا كنا لا نزال نقف في طرفها !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

  6. لعل ما اشار اليالكاتب يوضح وبصورة جلية ان السياسة عند المؤتمرجية لعبة كراسي ليس إلا بدليل اتقلب في الوزارات ليس بسبب الكفاءة والخبرة ولكن لاحتكار شخصيات محددة لم تخرج من السلطة منذ ان وطاة قدمها الي القصر الجمهوري وهاك منهاخبرها (البشير – الدقير – علي عثمان ) فكيف ينصلح النهج السياسي لدينا
    اما من ناحية افتعال الحروب فانني اخالفك الراي واري ضعف الحكومة ايضا في هذ الجانب فلم توقع الحكومة نيفاشا المشؤومة إلا وهي في حالة ضعف كما ان دارفور الحرب المستمرة فيها بسبب الضعف ايضا اما النيل الازرق وجنوب كردفان لولا ضعفها العسكري لما تجرات حركة عقار والحلو علي التحرش اصلا بها
    اما موضوع فصل الجنوب فهذا موضوع شائك ومعقد من جانب الكيزان انفسهم ففي وقت رفض فيه الرجل القامة غازي التوقيع علي حق تقرير المصير تبرع فيه علي عثمان بذلك في حادثة تريك جليا مدي التباين في القيادة حتي من دون سياق مبررات للشعب فضلا عن ان الحكومة لم تستشر الشعب في ذلك وكان السودن ملك للكيزان نري في جميع دول العالم في مثل هذه قضايا يكون تصويت إلا انا الجنوب راح نتيجة مؤامرة ابطالها عثمان والبشير والكيزان
    اما عن الوضع الحالي فلسوف تستمر معاناة الشعب والتبرير الدولة في حالة حرب حسبنا الله ونعم الوكيل فيكم

  7. هنالك ازمة نائمة في الخط اعتقد انها ستقود ايضا الى الحرب الحقيقية بين الدولتين وهي (منطقة ابيي) التي لم يحسم ملفها بل تم تجميده لاجل غير مسمى وهذه ستزيد الطين بله وربما تنفجر في اي لحظة …

  8. سلام يا عثمان ميرغني
    نرجو ان تكتب اسمك ثلاثيا عشان ما يختلط السيل بالزبد بالرغم من معرفتنا بأن الزبد سيذهب جفاء

  9. يا أخواننا دا ما عثمان ميرغني بتاع التيار، هذا شخص لكن كنا نتمنى أن تكون هذا رأيه لكن للأسف لم يكن هو لأنه مأجور ولا يستطيع أن يدلي بمثل هذه الآراء القوية ضد أولياء نعمته،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

  10. يا استاذ عثمان ميرغنى لازم تعرفو ان اتفاقية نيفاشا اتفاقيه ناقصه جملة وتفصيلا…حاول الموتمر الوطنى ان يفصلها على مقاس جنوب السودان فقط وهم يعرفون سلفا بان السودان كله شمال وشرق وغرب ووسط كان يحتاج لتفصيل دقيق يراعى فيه التجانس العرقى والقبلى لكل السودان وليس الجنوب وحده ….الان انتم تحصدون ثمار هذا النقص عليه يجب على الجميع الجلوس لتكملة اتفاقية نيفاشا …اما بتقسيم السودان لعده دويلات وذلك فى نظرى هو الاصلح او سودان موحد يتفق عليه الجميع .وشكرا

  11. كفيت ووفيت يا عثمان ميرغني (الاصلي) يا دام سعدك . وشتات ما بين عثمان وعثمان نتمنى أن يعود عثمان بتاع التيار إلى رشده ويفيق من غيه وغيبوبته .

  12. جبهات القتال اربعه نسيت ابييى .. السؤال …امير المؤمنين الاعرج اصبح بلا موارد ليصرف على حروبه المهزومه منذ صيف العبور وحتى معركة الدمازين التى سينسحبوا منها استراتيجيا .. قريبا …. الاعرج لا صديق له فى العالم بأسره ويقوم بمغامراته لتجنب امر القبض العظيم الصادر من الذين لا يغفرون ابدا .. وهو يتلاعب بالجيش وقوى الامن وكأنهم حجارة شطرنج بلا عقل .. والسودان ما زال بابنائه الخيرين الشرفاء داخل هذه المؤسسات التى يملكها شعب السودان .. وسنسمع قريبا القول الفصل من شرفاء قيادات الصف الثانى والثالث وكفايه مسخره ..

  13. هى حرب من اجل الهروب الى الامام وشغل الناس حتى تهرب من الربيع العربى حتى اذا خرج اى احد قالوا عليه عميل وطبقوا قانون الطوارى

  14. قلنا مليون مره ده عثمان ميرغنى بتاع الشرق الأوسط وليس بتاع التيار لكن يظهر إنه فى ناس ما عايزه تفهم رغم الصوره المرفقه…دى زى قصة واحد قال للتانى فى حاجه بنضبحها فى عيد الضحيه عندها قرون وصوف وبتقول بااااااااااع….قام التانى قال ليهو الرسول دى ما السمكه.

    نصيحه
    لو عايزين تطلعوا الشارع زى ما بتقولوا لازم يكون معاكم أولاد صغار عشان يوروكوم الحفر عشان ما تقعوا فيها وإلا خليكم قاعدين تحت الضلله تعدوا فى العربات الماشه والجايه ..شوف ديك لكزس ندىالقلعه وداك همر ودالجبل.

  15. ههههههههههه اعتقد الواهمون الوافدون بذهاب الجنوب انتهت معارك التحرير الان النيل الازرق كمان احفروا ليكم حفر من الان الزحف جائ الى العاصمه المغتصبه.

  16. والله انا لما قريت اسم كاتب
    المقال الاصلي افتكرته ده…التايواني
    قلبي وقف…وقلت في سري الغنمايه دي جنت ولا شنو.
    :mad: :crazy: :eek: :confused: :cool: :rolleyes:

  17. تصريحات البشير عن عزم نظام الإنقاذ على إعلان الجمهورية الثانية وتطبيق الشريعة، وهي تصريحات اعتبرت محاولة للهروب من مسؤولية تبعات الانفصال والتستر وراء شعارات استخدمها النظام في السابق لأهداف سياسية أو تكتيكية، ولم يطبقها بجدية على مدى 22 عاما من إمساكه بالسلطة، لكن حتى إذا كان نظام الإنقاذ، المولود من رحم وعقل الجبهة القومية الإسلامية، جادا فيما يقوله بعض المحسوبين عليه، فهل يمكن قبول تقسيم الوطن من أجل تنفيذ برنامج حزبي، علما بأن أهل السودان المتدينين بطبعهم لم يعطوا أبدا الجبهة الإسلامية بكل مسمياتها المختلفة أي أغلبية برلمانية في كل فترات الديمقراطية التي عرفها السودان، وهو الأمر الذي جعل تلاميذ الترابي ينقلبون على الديمقراطية قبل أن ينقلبوا عليه أيضا في صراعهم على السلطة؟

    وكما قال الكوز الكبير فى لقائه فى برنامج اسماء فى حياتنا بالامس نحن جئنا علشان نحكم .واقول الدنيا مادوامه ومصيركم مصير حسنى والقذافى وشلة الحاميه

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..