رحلتى فى بعض ارجاء الخدمة المدنية.. مصلحة الماليه (4)

الحاقا لمهام مكتب تعويضات الاكسباتريتس كان تحديد قدرمستحقات كل واحد منهم على حده يحتاج الى عمل متصل وطويل ودراسة متأنيه لما تحتويه ملفات اولئك الاجانب العاملين فى اى موقع من المصالح والوحدات الحكوميه فى كل اصقاع البلاد شمالاوجنوبا شرقا وغربا مما كان يتطلب وقتا طويلا لوصول ملف كل منهم من آخر وحدة كان يعمل فيها لتتم مقارنة البيانات الوارده فى الملف مع ما يوردها “الاكسباتريت”مع توفيعه على استمارة طلب حصوله على تعويض اواستبدال معاش اوجزء منه (ان كانت له من سنوات الخدمه ما يجعله مستحقا لآى منها).ثم القيام باجراء عمليات حسابية دقيقة لتحديد استحقاقه ان كان تعويضا اواي من فوائد ما بعد الخدمة الاخرى..مكافاة اومعاشا وهل يحق له الاستبدال لكل المعاش اولجزء منه ثم تُرفع التوصية مع كافة الوثائق والمستندات عن كل واحد منهم الى قسم آخر كان يعرف بأسم ال”آكشويرى”للمراجعة الكامله والتأكّد من صحة التوصية المرفوعه بشان نوع التعويض قبل اعتمادها واحالتها لقسم المعاشات ومن ثم الحسابات للمراجعة النهائيه قبل استخراج اذن الصرف.
الشكر والحمد لله اولا وأخيرا للمنعم الرزّاق ومن بعده للعم الطيب الهادى وللاخوين الكريمين اللذين قدّما تقريريهما لعارف الاسدى مزكييْن شخصى الضعيف و مؤيديْن تعيينى فورا للعمل بينهم فى اسرع وقت ممكن. وهكذا كانت بداية تجربتى فى قسم شؤون الموظفين..حيث سعدت كثيرا وافدت اكثرببقائى بين اولئك الاخيارمن القوم خلال ما بقى من ايام شهرمايو..يونيو.. ويوليو وبعض ايام من اغسطس قبل عودتى الى حنتوب حاملا فى نفسى اجمل الذكريات وفى ذاكرتى تجربة فريدة وجديده وفى شنطتى الحديديه الزاهى الجديد من اردية الكاكى ومزيدا من القمصان بالاكمام الطويلة لآول مرة اقتنيها فضلاعن شبط جلدى جديد لم تمسه قدماى بعد وجوزمن”براون باتا شوز” لزوم النشاط الرياضى على قِلته قبل التحاقى بجهاز التحكيم فى اكتوبر 1953.وفوق هذا وذاك كان خطاب شكرباللغة الانجليزية ممهور بتوقيع”جورج ساندرسن” البريطانى الذى كان يشغل وظيفة “استابليشمنت أوفيسر”.فاض الخطاب بفيض من عبارات الثناء على شخصى الضعيف وبالشكراجزله والتقدير اوفره على ما اعطيت وبذلت اثناء العطلة الصيفيه.. مختتما بأمل اللقاء بى مرّة اخرى ..من عجب ان تشاء الاقداربعد سنوات ثلاث(يوليو 1955)ان اجد نفسى جالسا الى حلقات درس محاضِرلمادة التاريخ..يحمل ذات اسم”جورج ساندرسن” يعمل فى كلية أداب جامعة الخرطوم.اما ما كان من امر خطاب الشكرفقد شاءت له الاقداران يظل متنقِّلا من حين لآخر بين الصفحات من كتاب الى آخر ومن كراسة الى كراسة- الى ان استقربه المقام بين صفحات كراسة مادة الرياضيات التى اودعتها ذات مساء-كما درجنا-منضدة المستروود “رئيس شُعبتها لتصحيح الواجب المسائى.. وقع الخطاب بين يديه..واعجب الخواجه بما احتواه من اطناب على شخصى الضعيف فما كان منه الآ ان ساربالخطاب دون علمى الى المستربراون..”هيدماسترهنتوب” الذى اورد اسمى بين اسماء من كان يطلب لقاءهم من الرفاق عند الثانية عشر ظهرا ..ظللت شارد الذهن طوال الثلاث ساعات التى تلت الاجتماع الصباحى الى ان دنت الساعة المهيبه لدخول مكتب الناظر لأول وآخرمرّة خلال سنوات بقائى الاربع فى الصرح العظيم..هل من امرأسَرى جلل جعل المستربراون يستدعينى الى مكتبه؟.وظلت الظنون والهواجس تأخذ من نفسى واعصابى كل مأخذ حينما كنت اول الواقفين امام المكتب.. وتوكلت على الحى الدائم ودخلت..ويا لها كانت من مفاجأة..كان خطاب”الاستابليشمنت اوفيسر” بين يدي المستربراون! فصرف من الثناء ( طبعا موش بركاوى) على شخصى الضعيف ما شاءت الكلمات ان تسعفه..ثناء عاطرا على ما قدمته اثناء عطلة الصيف تلك و(كأنى به كان شاهد عيان) قبل مغادرتى المكتب بعد ان سلمنى الخطاب سألنى ان كنت ساعود للعمل فى الماليه بعد اكمال دراستى الجامعية “انشاء الله”(قالها بعربية فصحى كان يجيدها ولكنه كان ضنينا باستخدامها)وكانت المفاجأة مرّة اخرى حينما انتفض واقفا وشد على يدى حالما جاءته اجابتى بان العمل فى التعليم هو ما يستهوينى اكثر وانى لامحالة عائد الى حنتوب معلما فيها طال الزمان او قصراذا ما اكملت دراستى الجامعيه (ان شاء الله) بعد اربع من السنوات.جاءنى تعليقه وكانى اسمعه صدى من مكان سحيق ” Hopefully you stick to your guns, but unfortunately, I won?t be neither in Hantoub, nor in Sudan in 1957 when
(Insha allah you graduate in UCK?.
رغم التحاقى بوزارة المعارف حينما تخرجت فى 1958 لم اعمل معلما فى حنتوب كما كنت امنى النفس ولكنى عدت اليها نائبا للناظر فى عام 1970 بعد ثمانى عشرة عاما من لقائى بمستر براون فى مكتبه عام1952ذلك بعد تخرجى فى جامعة الخرطوم والتحاقى بوزارة المعارف وتجوالى فى العديد من المدارس الثانوية تدريسا ثم ادارة بجامعة الخرطوم(مسجل لكلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية(1967-1969 )
*جاء مستربراون الى السودان بدعوة من وزارة المعارف لحضور اليوبيل الفضى لمعهد بخت الرضا فى اكتوبر1959..والتقينا..ما كنت اتوقع ان يتذكر مستر براون لقانا الاول قبل سبع سنوات فى مكتب ناظرحنتوب.حالما وقعت عيناه علىّ حتى اشار الىّ مناديا فى انفراج اساريرى متكامل”هيى يو ذى هنتوبيان”.. تصافحنا.. لن انسى عبارتهٍ ” سو لونق يو أرهيّر يو مسط هاف سطَك تو يور قنز آند جويند ايديوكيشن.. هوبفولى يو آرأن هنتوب” ? طالما انى اراك هنا .. هذا يعنى انك تمسكت بوعدك ونفذته.. هل انتقلت للعمل فى حنتوب” وكانت حنتوب موقع لقائنا للمرّة الثانيه فى مارس1971وشخصى الضعيف نائبا للناظر والمشرف على احتفال خريجيها بيوبيلها الفضى الذى دعوناه لحضوره وتكريم ابنائه الخريجين له ولمعلميهم.. ويدور الزمان ونلتقى مرّة ثالثة واخيره فى اليوبيل الذهبى لمعهد بخت الرضا العريق فى اكتوبر1984وكنت حينها مديرا للتعليم الثانوى والشؤون المالية والادارية واقوم باعباء وكيل الوزارة فى غيابه.
* عودا على بدء ووصلا لما انقطع فقد ظل عملى فى مصلحة المالية التى تغيراسمها الى وزارة الماليه فى عام 1954 يتواصل عاما بعد عام خلال العطلات الصيفيه فيما تتابع من السنين دون انقطاع من عام 1953 الى 1957 التى كانت آخرعطلة صيفيه اسجل خلالها حضورا للعمل فى وزارة الماليه قبل انتقالى الى السنة الاخيره فى جامعة الخرطوم وشاءت لى ارادة الله الغالبه ان اظل اعمل بالتناوب بين (الاستابليشمنت برانش) وقسم الحسابات عاما بعد عام مع عدد من رفاق الدرب من الدارسين فى مختلف المدارس الثانويه. وكان لأستاذنا الجليل(طيب الله ثراه) مامون بحيرى الذى االتحق بمصلحة الماليه فى يوليو 1949كاول موظف جامعى سودانى يعمل فى مصلحة الماليه بعدعمل لمدة ستة اشهر فى حنتوب (يناير- يونيو 1949) كان له الفضل – كل الفضل فى ضم شتات الكثيرين من الطلاب اثناء عطلاتهم الصيفيه فقد كان على قناعة تامه بضرورة اتاحة الفرصة للطلاب للاستفادة من عطلتهم الصيفيه تجربة ومعرفة بما يدور فى دواوين الحكومه اذ هم آجلا اوعاجلا من سيتولون تلك الاعمال الحكوميه طال الزمن او قصر..بطبيعة الحال لم يكن الجانب المادى ليغيب عن فكر الاستاذ الجليل الذى كانت حماسته طاغية لما آمن واقنع به رؤساءه من الانجليز..داعيا لتعيين الطلاب كل عام وجاعلا لكل من يتم تعيينه منهم مكافأة شهرية قدرها احدعشرجنيها ظلت تزداد وترتفع كل عام.

يكفي هذا.. وتطول الآجال وتصدق الآمال ونلتقى بأذن واحد احد فى حلقة خامسة واخيره عن المسار الديوانى فى وزارة المالية انطلاقا الى وزارة المعارف اعتبارا من اول يونيو 1958
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الاستاذ الكبير/ الطيب السلاوي– السلام عليكم وكل عام وانتم بخير– كسرت حلقة ادب المشافهة عند السودانيين بهذه المذكرات والذكريات تجترها علي وسائل التواصل مبذولة للاجيال وهذا دأب ذوي النفوس العالية والمدونة أدب ارسي له الانجليز في السودان الا انه انقطع — شكرا لكم

  2. أستاذنا الجليل
    رحم الله ذلك الزمن الجميل الذى أتاح فيه رجال الخدمة المدنية للطلاب فرص العمل فى إجازاتهم الصيفية منذ عهد طيّب الذكر مامون بحيرى عليه رضوان الله وحتى بند العطالة الذى إستحدثه الشريف حسين الهندى طيّب الله ثرى قبره ونوّر مرقده فأنقذ آلاف العاطلين من الضياع. واليوم نرى الآلاف من الطلاّب الخريجين يملئون الطرقات هائمين على وجوههم بين ستات الشاى وتحت ظلال الأشجار يتعاطون شتى أنواع المخدرات والتى صارت تجلب بالكونتينرات بواسطة نافذين لا تصل إليهم أيدى القانون!! وهذه هى نتائج حكم مدّعى الإسلام لا بارك الله فيهم.
    فحسبنا الله ونعم الوكيل

  3. الاستاذ الكبير/ الطيب السلاوي– السلام عليكم وكل عام وانتم بخير– كسرت حلقة ادب المشافهة عند السودانيين بهذه المذكرات والذكريات تجترها علي وسائل التواصل مبذولة للاجيال وهذا دأب ذوي النفوس العالية والمدونة أدب ارسي له الانجليز في السودان الا انه انقطع — شكرا لكم

  4. أستاذنا الجليل
    رحم الله ذلك الزمن الجميل الذى أتاح فيه رجال الخدمة المدنية للطلاب فرص العمل فى إجازاتهم الصيفية منذ عهد طيّب الذكر مامون بحيرى عليه رضوان الله وحتى بند العطالة الذى إستحدثه الشريف حسين الهندى طيّب الله ثرى قبره ونوّر مرقده فأنقذ آلاف العاطلين من الضياع. واليوم نرى الآلاف من الطلاّب الخريجين يملئون الطرقات هائمين على وجوههم بين ستات الشاى وتحت ظلال الأشجار يتعاطون شتى أنواع المخدرات والتى صارت تجلب بالكونتينرات بواسطة نافذين لا تصل إليهم أيدى القانون!! وهذه هى نتائج حكم مدّعى الإسلام لا بارك الله فيهم.
    فحسبنا الله ونعم الوكيل

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..