ماذا يكونُ ؟” …. وحوارُ الشجرةِ والظل

مهدي يوسف إبراهيم
أستوقفني وأنا أتسكعُ بين الصوتِ والصدى … وسألني في رزانةِ الحكماء
– ” أظلٌ أنت ؟”…
قلتُ مبهورًا بأنثى البرقِ وهي تتعرّى على شراشف الأثير
– “بل حصانٌ قادمٌ من نهاياتِ الزمان”…
قال و وجهُه يضئُ كما قلب صوفيِ في ساحةِ الذكر
– “مرحبًا بالخيولِ التي تبحثُ عن وطن”…
قلتُ له بقلبٍ مكسور
– “هذا زمانُ يتمُ الأوطان يا شيخي”…
استمع معي لصوت ” الكابلي ” قليلاً … ثمّ تنهّد مسافة ما يكفي عاشقًا للارتواء من شفتي محبوبته و قال
– “رُبّ صوتٍ وطن يا بني” …
ثم استطرد متسائلًا …
– “و ما حكايتُك مع الكابلي؟”…
قلتُ له في رزانةٍ صبيٍ يتأملُ وجه شيخه على وقع نيران التقابة…
– ” الجوابُ يا شيخي تسييجٌ لعتمة السؤال وتحديدٌ لآفاق المجهول ” …
هزّ روحه في محبة ..فاستطردتُ قائلًا…
– “حكايةُ العطرِ والوردة ، والطينِ والسحاب … حكايةٌ تعودُ إلى زمانِ ما قبل صعاليك المدينة”…
قال وصوتُه يتكئُ على عصا المحبةِ…
-“ذاك زمانٌ كان فيه الوطنُ وطنًا حقيقيًا”…
قلتُ بشجنٍ ماحقٍ
– “وكان القلبُ فيه هيكلًا للمحبة الخالصة”…
سألني وأناملُه تركضُ بين حبيبات مسبحته
– “ومتى دقّت حوافرٌ هذه الأغنيةِ على مكامن الحس فيك؟”…
قلتُ و في دمي تذوبُ وردتان
– “حين كان القلبُ يتثاءبُ لتوه مستيقظًا مع ضفائر نخلةٍ في قريتي … وقتها كان الحلمُ ممكنًا … وكانت أتفه التفاصيل تهبُ الروح طمأنينتها الكاملة”…
قالَ مبتسمًا
– “أعلمُ ذلك الزمان جيّدًا … فقد كنتُ أعيشُ فيه بين اللونِ والقماشِ والفرشاةِ وخيال الرسّام”…
قلتُ له في ظمأِ عظيم
– “زدني يا روح سر الألوان”…
قال لي مبتسمًا
– “لستُ هنا في مقامِ القول ، ولكنني في مقامِ الصمت” …
قلتُ له
– ” الصمتُ هو الوجهُ الآخرُ لقمر القول” …
سألني سؤال العارف …
– ” من أي وادي أتي الكابلي بهذا اللحن العظيم ؟” …
فأجبتُه جوابَ من لا يعلمُ …
– “لا تسل من أين تأتي الشمسُ بالضوء يا شيخي “…
حينها وقفَ بين الحريق والمطر … وتمدّدت قامتُه حتّى ملأت الأفقَ أمامي … ثم تلاشى كما يتلاشى الطيفُ في هدوء الليل … وتركني أرّددُ مع “عبد الكريم الكابلي” :
يا جرح دنياي الذي لا يندمل
يا من نسيتِ القلب ينزفُ في أنين
حسرات لحظاتٍ تولّت في وجل
كصدىً يطيرُ مضيّعًا بين السنين