“وأنا في قمّة الفوضى نظام” محمد محي الدين

لا أودّ أن أسألك ذلك السؤال العاديّ: لم رحلت هكذا باكرا؟ أو ذلك السؤال الاستثنائيّ: هل بدّل الموت من أحواله؟!
لا أود ـ يا صديقي ـ أن أسألك واحدا من تلك الأسئلة العديدة التي سألناها معا لمن رحل قبلك من رفاق، لأنّك تحفظها عن ظهر قلب.. لن أسأل الموت ـ الذي يأتي بغتة ـ هل تأتي بخطط مسبّقة لمن ستأخذ منّا، أم أنّك تأتي هكذا بغتة وتأخذ هكذا أوّل من تلقاه منّا بغتة؟!
فيا صديقي الذي رحل أبكر منا هل الأبديّة هناك ساكنةٌ.. أم أنّها في فوضى عارمة تحتاجك كيما تجلس على قمّتها نظاما كما كنت تفعل بفوضانا التي من بعدك صارت بلا نظام يتوّجها؟!
هل ستأخذ الذكريات معك.. أم ستتركها لنا لنعلكها بمرّها وعسلها، بشعرها ونثرها، بنزقها وقيافتها، بما كفرنا به وآمنّا..؟! أذكر، وأنا ما زلت صبيّا أتجوّل بين دهاليز الشعر بدون هداية، أن أمسكتما بتلابيبي – أنت وعمك الذي علّمك السحر عبد العظيم عبد القادر – وأجلستماني بين المزامير والنهر والقمر على رمال النيل الأزرق فاحتسيت يومها من شعركما حتى الثمالة.. ومن يومها لم نفترق. أذكر مآثرك في الفكاهة المرّة حيث سألتك يوما ونحن بـ”حليوة” قرية الشاعر القدال عن هل من جديد مسرحيّ لك فأجبتني: “هوْ فِ مسرحية أعجب مما نشهده الآن تحت قبّة البرلمان؟!” حيث كان “ممثلوا” الشعب في برلمان ما بعد انتفاضة مارس/أبريل يتبارون في بزّ بعضهم بعضا – نكايةً بنا. أذكرنا ونحن نجوب ليلا شوارع “ود مدني” نقرأ شعر رامبو، سعدي يوسف، أنسي الحاج، مالارميه، أمل دنقل.. نهزّ بها سكون المدينة؛ نقهقه عاليا حين نحكي بذآت هنري ميلر في مداراته، غارثيا ماركيز في أحاجيه الحبوباتيّة، جنونيّات محمد مدني أو محمد الفاتح أبو عاقلة!
إنّ مراثيك التي أطلقتها عن طه يوسف عبيد، جمّاع.. تحجب الآن مرثيتي لك/عنك. تتركني ذاهلا أمام “المدينة وهي تخرج من النهر” وحائرا عند “التجوّل بين المزامير والموت في حديقة الذهول” فمن سيرثيني بعدك حين أفوت؟!!

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. أحسن الله عزاءكم عادل عبدالرحمن
    كبارُ كنتم أماكنكم تلخص في اعيننا مراكز ثقل المدينة مكتبتك صالون بيت ناس عادل سليمان حيث عرفتكم وأماكنكم والدور التي لا نغشاها نحن ولكنا نعرفها… كنا نراكم للمدينة بهجتها.. تشكلون وجدانها، أنفاسكم نبض حياتها خطواتكم دروب نضالها وجلساتكم ندوات الخلاص المرتقب… كبار كنتم.. صغارُ كنا نسابق الزمن حينا إستبطاءً له دون تاريخ أمتحانات الشهادة، ونستبطئه حينا خوف الجاهزية، بين المسارعة والخمود، كان السير المستقر الهدؤ والعمل الدوؤب والمناشير لاسقاط حاجز السجن السياسي الكبير.. كنتم تلقننونا، دون أن تدروا او بدراية ذكية، دروب الهم السوداني العام تغرسون القيم والتشابك الانساني.. يبدو وكأن في المدينة ليس من ثم إلا أنتم أو كأن المدينة توزعتكم فلم يعد يري إلا أنتم تخللتموها تخلل الشاي الكيني للماء الساخن … ما زالت ذكرى طه باقية.. مخطوطة على مدرسته/نا بالبوية الحمراء ومنقوشة على قلوبنا يحملها محمد محى الدين بالشعر الخلاسي الخلاصي الرصاصي الرصاص أحسن الله عزاءكم عادل عبدالرحمن.

  2. اللهم ارحم واغفر لمحمد محي الدين وادخله الجنه وتجاوز عن سيئاته وزد في حسناته ، احسبه كان طيبا عفيفا نقيا كحال مدني العفيفه الندية النقية .

  3. أللهم أرحمه وأغفر له وأدخله فسيح جناتك يا أرحم الراحمين , أخى وصديقى الشاعر والآديب والكاتب المسرحى محمد محى الدين , فى جنات الخلد ان شاء الله ….

    أحمد على ,,, ه هولندا ….

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..