مقالات سياسية

الحلو مر

* منتصف العمر هو سن النضج الذى تكتمل فيه رؤية الانسان لكثير من الاشياء، ويصبح أكثر خبرة واكثر حكمة واكثر موضوعية فى تعامله مع ما يحيط به، ومع غيره من الاشخاص .. وهو أمر طبيعى لأن التجارب الكثيرة التى مر بها والاحداث التى عاصرها تكون قد صقلته وجعلته أكثر قدرة على فهم الحياة والتعايش معها، ومن الطبيعى أن يكون الانسان فى هذا العمر هو القائد سواء فى الاسرة أو العمل أو المجتمع أو الدولة، باعتبار ان الذين يكبرونه سنا، قد أخذوا فرصتهم فى القيادة، وأدوا الدور المطلوب منهم وحان الوقت ليستمتعوا بالحياة بدون أعباء مرهقة لهم، والذين يصغرونهم لم يحن دورهم فى القيادة بعد لقلة تجاربهم وخبراتهم التى لا تزال فى مرحلة التكوين !!

* هنالك استثناءات بالطبع، وهى ليست قليلة، ولا يستطيع أحد أن يزعم وجود سقف زمنى محدد لاكتساب الخبرة، أواعتزال العمل والركون الى الهدوء بالوصول الى عمر معين، وما دام الانسان قادرا على العمل وراغبا فيه فلا أحد يستطيع أن يرغمه على الاعتزال، الا فى اطار القوانين التى ارتضاها الناس لتنظيم حياتهم ومجتمعاتهم.

* كلنا نعرف ذلك، ولست فى حاجة الى شرح أو إضافة، وهو ليس موضوع اليوم. الموضوع هو منتصف العمر، هذا العمر العجيب الذى بقدر ما توجد فيه من حلاوة، فيه مرارة، مثل مشروب (الحلو مر) الذى أبدع واجاد من سماه بهذا الاسم الذى ينطبق تماما على مذاقه الجامع بين الحلاوة والمرارة فى نفس الوقت وبانسجام غريب !!

* منتصف العمر هو (حلو مر) حياة الانسان، فبقدر ما هو (حلو) باعتبار النضج والخبرة والحكمة والقيادة التى تتوفر فيه للشخص، بقدر ما هو (مر) باعتبار المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه .. فى البيت، أو فى العمل أو فى المجتمع ..إلخ، وهى مسؤولية صعبة لا فكاك منها ولا بد من تحملها حتى النهاية !!

* كما أنه ( مر) بسبب الاحزان التى يعيشها فيه الانسان بفقدان الأشخاص الذين كانوا فى عمره الحالى عندما كان طفلا، وأثروا وجدانه وهم فى قمة تألقهم فى منتصف العمر، سواء على مستوى الأسرة، أو الحى أو المجتمع أو الدولة، ثم تقدم الزمن فصعد هو الى منتصف العمر وأخذت تلك النجوم تتهاوى وتموت بفعل الزمن والكبر وهو شاهد على ذلك ومتأثر وحزين .. منهم من هو أب، ومنهم من هى أم، ومن هو عم، ومن هو جار ومن هو أستاذ أو نجم مجتمع، مطرب أو ممثل أو رياضى له فى الوجدان آثار لا تنمحى ولا تزول، وكل من هو فى منتصف العمر يدرك ذلك!!

* رحل عن دنيانا منذ بداية هذا العام الكثير من الأشخاص العزيزين على النفس، والكثير من الشخصيات العامة التى لها حضور كبير فى الوجدان، وذكريات لا تنسى مترعة بالسعادة والشوق والحنين، منذ ايام الطفولة .. وكان لرحيلهم تأثير كبير على نفسى ومجرى حياتى التى تلونت بالزهد والحزن !!

* لكنها سنة الحياة، التى تتبدى واضحة وشفافة بدون تزييف أو مساحيق تجميل، خاصة لمن هو مثلى فى (حلو مر) العمر !!

صحيفة الجريدة

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. انا احيي ساره كما يبدو هي مستودع ومصنع معلومات بالاضافه الي تحملها البهدله منك اقتراحي ان تفتحي لها حيزا صغيرا في عمودك لكتب عمودا اضافيا تحت عنوان (معاناة اخت صحفيه) او (ضحية اخت صحفيه) او (انقذوني.. اختي صحفيه) .. لها ولك التوفيق

  2. تساؤلات برئية ..
    هل عاد زهير السراج لكتابة العمود اليومى بشروط ( الشارط ) ؟؟
    لان الذى نراه من كتابات لا تشبه ما قبل ( الايقاف ) ..
    وقد اشار رئيس تحرير الجريدة ( اشرف ) الى ذلك وفى برنامج الصالة ..
    وهل اختار المشى والتماشى مع نظرية ( الحبل والصنبور )..؟
    ولكم

  3. يا سلام يا زهير .. يا لتلك الأيام هل ترى ستعود .. أتذكر اخى ذهير عندما اتيتنى فرحأ بأول مقال لك تنشره صحيفة .. استراحة الصحافة .. احبتنى ثم كرهتنى ثم عادت فأحبتنى .. قصتك مع الكلبة استيلا فى الدنمارك .. كنا فى اوج الشباب نحلم بسودان كبير ووطن جامع .. يا لها من ايام .. اتذكر عندما اتيتك فى زيارة بشمبات وشاهدنا سويا ذلك الأعتداء الآثم الذى وقع على طالب من كوادر الجبهة الديمقراطية على ما أذكر اسمه عثمان حمدان .. بوادر الهمجية بدأت منذ ذاك التاريخ.. ألا تذكر اخى زهير عندما اتيتنى فى حسيب وشاهدنا سويا منظر ذلك الأخوانى الذى يشتم فى الكاسيات العاريات ويشبههن بفرعون وقلة عقله .. هل تصدق أخى زهير نفس الرجل يملك مالا يمكنه من شراء ابرووف كلها إن اراد ويقيم فى لندن حاليا وله اكثر من اربع بنات كلهن كاسيات عاريات .. هى الدنيا فرقتنا ردحا .. نسأل الله الكريم ان يلم شمل جميع أهل السودان !!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..