شارل ديغول : (ليس للدول أصدقاء ، بل مصالح فقط)

أسامة ضي النعيم
هو مقال الرئيس الفرنسي شارل ديغول (1890-1970م) ، رجعت اليه مع أخبار اجتماع أصدقاء السودان بالرياض لبحث الوضع الراهن بالسودان وزيارة وفد اسرائيلي للسودان ، السودان كما بقية الدول تذخر بخيرات يطمع فيها الاخرون ، الاخرون هنا – للأسف – الذين لديهم مصالح في ثروات السودان هم بعض أبناء السودان ، يختبئون في مجالس ادارات الشركات الامنية ويتربعون علي هرم اداراتها العامة ، يسخرون العمالة من الاجناد وغيرهم في عمليات التعدين العشوائي ثم تهريب الذهب الي خارج البلاد ، يرسلون المرتزقة للحرب في دول الجوار ، يعقدون الصفقات التجارية بمليارات الدولارات لتهريب السمسم والصمغ والعجول وغيرها من الخيرات السودانية لصالحهم .
قيام ثورة ديسمبر 2018م هدد مصالح تلك العصبة السودانية ، ركبوا موجتها حكاما بين مجلس سيادتها لحماية مصالحهم التجارية الدول التي تستفيد من خيرات السودان عبرهم ترصد حركة مصالحها داخل السودان ، ما يسمي بالدول الصديقة تتفاعل مع الثورة السودانية وثوارها بضغط من الشعوب التي تثمن عاليا جسارة وشجاعة شباب وكنداكات السودان ، من ناحيتها تنظر تلك الدول بعين المصالح مع السودان فميزان المدفوعات لا ترجح كفته الاماني الطيبة والتفاعل مع الثوار ، استجلاب الرجال الاشداء للجندية من عهد خديوي مصر هو العنوان الكبير في العلاقة بين السودان ومصر ، كان يعلو علي استمرارية تدفق مياه النيل لان الوادي كان تحت ادارة ثنائية انجليزية مصرية ، يصير اليوم هاجس الامن المائي لمصر تحميه قوة مرانها في مناورات حماة النيل وأخواتها علي أرض وسماء السودان .
مصالح أمريكا وفرنسا ترعاها حكوماتها عبر سياستها تجاه السودان ، الصمغ العربي سلعة استراتيحية لكثير من الصناعات وبذات الاهمية التي كان عليها القطن السوداني لتحريك مصانع لانكشير في انجلترا ، حماية المصالح التجارية والاقتصادية ورعاية النخاس السوداني هو ما تجتمع عليه بعض الدول العربية والأجنبية لاستمرار تدفق الخدمات القتالية والخيرات الزراعية والحيوانية واستمرار حصول مصر علي حصتها في مياه النيل وزيادة. تدخل اسرائيل بمصالحها وتشبيكها مع مصالح القلة الحاكمة لتسريع التطبيع بين السودان الامة وإسرائيل الدولة لتبقي مصالح البعض الحاكم في السودان تحت الحماية الدولية تحت الرعاية الاسرائيلية وأبوابها مشرعة مع أمريكا كما لها طرق سالكة مع روسيا ، يزور الوفد الاسرائيلي السودان الان لتحقيق هذا الغرض وتحقيق مصالح دولته.
ولشارل ديغول أيضا مقال يسير مع الموضوع : (كيف يمكنك أن تحكم بلدا فيه 246 نوعا من الجبنة ؟) ، والسودان هو البلد الذي فيه 570 قبيلة ، ولكن لا يصعب حكمها لكثرتها ، بل يصعب ذلك لان المصالح الاقتصادية تركزت في أيدي قلة ، سياسة التمكين لثلاثين من عجاف السنين تطاول فيها رعاة الشاة في البنيان ، من دخل الخرطوم بعراقي دمورية وينتعل (القمر بوبا) صارفي عهد الاخوان يحوز من الاراضي المئات ومن الحريم تملك الحد الاقصي الذي سمح به الشرع ، توزعت ثروات باطن الارض من ذهب وزرع بين الاخوان ، تحميهم البندقية وراجمات الصواريخ وهم في سدة الحكم يرعون مصالحهم التجارية .
الاجتماع الذي تعقده بعض الدول في ظاهرة للانتقال السلمي في السودان الي الدولة المدنية ، يحمي مصالح الفئة التي تحوز علي الثروات وتجلس أيضا في كرسي الحكم ، حرية الرأي الذي تنادي به الثورة تفضح مصادر الثروات وتشير الي كيفية حيازتها ، العدالة فعلها يجرد المنهوبات وتعود الاصول الي دولة السودان ، وقف تهريب الذهب والصمغ والسمسم والعجول يصبح سوقها عبر البنوك وعلاقات تجارية تسندها اتفاقات وخطابات اعتمادات يتم تأكيدها وتعزيزها وتبادلها بين البنوك العالمية ، تعانق مصالح الفئة الحاكمة مع بعض الدول يؤسس لصداقة تقوم بقيام المصالح ، ولكن ثورة ديسمبر بتواصلها وتنوع اساليبها السلمية تعيد تشكيل المعادلة ، المصالح هي التي تحكم العلاقة وتتحرك الدول وفق أطماعها لا تبعا لصداقاتها العابرة ، ربما تري اسرائيل في الثوار مصلحة تحققها اذا رأت في ثورة ديسمبر ميلا للتطبيع وذهاب وفد السودان الي واشنطن للتوقيع علي الاتفاق .
في نهاية المطاف ليست هناك ثوابت تركن اليها الفئة الحاكمة لحماية تجارتها وصفقاتها مع الدول الاخري مع غضبة الشعب ، تبقي المصالح الدائمة للدول هي التي تحكم اتجاه الدعم ، لا توجد صداقات بل مصالح بين الدول .