مسؤولية اجتماعية أم نفاق اجتماعي ؟

منى عبد الفتاح
كيف لا
جميلٌ أن نسمع أن هناك بقايا من إنسانية القطاع الخاص تتجه نحو تنمية المجتمع ورفعته . غير أنّ ما يشوب هذا اللون من الأحاديث من ضبابية تكتنفها يجعلنا نرهف السمع مرتين لعلنا نستبين الفرق . فعندما تتحدث الشركات ومؤسسات القطاع الخاص عن المسؤولية الاجتماعية لا تكشف عن نهجها واضحاً وصريحاً مما يضع هذه الأقوال في أحسن الأحوال في خانة النوايا الحسنة للمؤسسات تجاه المجتمع .
المسؤولية الاجتماعية كعنصر أساسي من عناصر الارتقاء بالنهضة الاقتصادية في الدولة المعينة ،عرفها المختصون في هذا المجال بأنّها عبارة عن خدمة إنسانية تهدف إلى تحسين حياة المجتمع من خلال تناول مشكلات معينة في بيئة معينة وإيجاد حلول عملية لها . ولا تخرج البحوث العلمية في هذا المجال عن التركيز على أهداف أساسية تتمثل في : تنمية الموارد البشرية ، توفير بيئة عمل ملائمة ، احترام حقوق الإنسان ، الارتقاء بمستوى المعيشة ، حماية البيئة ، المساهمة في ترسيخ الهوية الوطنية ، والمحافظة على خصوصية المجتمع ومساعدته على مواكبة التطورات الاقتصادية والتقنية . وهنا جدير بالاعتبار النظر إلى أنّ دور المؤسسات لا يلغي دور الحكومة في تنمية المجتمع ، وإنما يعززه ويتكامل معه ولكن الحاصل أنّ الحكومة رفعت يدها عن هذه الواجبات وتركتها لرحمة المؤسسات .
المنطق المقلوب واستغلال مبدأ المسؤولية الاجتماعية هو ما جعل إحدى الشركات العاملة في مجال النفط قبل ثلاث سنوات وقبل أن يفقد السودان النفط نفسه بانفصال الجنوب عام 2011م، تلتزم تجاه وزارة الطاقة بمبلغ (300) ألف دولار عبر لجنة الخدمات وتسميها مسؤولية اجتماعية . وتقدم نفس الشركة (80) مليون دولاراً للوزارة بدلاً عن اثنين مليون دولار كانت مقررة عليها . ثم تجيء وتشارك في ورشة عمل إقليمية بعنوان (المسؤولية الاجتماعية للشركات : جوانب مضيئة) . ونفس المنطق هو ما جعل الإعلام يهلّل لغرس (15) ألف شجرة مات نصفها الآن ، ومساهمات متفرقة للشركة في شبكات المياه لم تحدد مناطقها. فهل قيمة الأشجار مع التقدير والامتنان ما هي إلا فتات إحسان إذا ما قورنت بال300 ثم ال 80 مليون دولار المصروفة باسم المجتمع لغيره.
لم تحقق الشركة مبدأ المسؤولية الاجتماعية لأنها خلطت بين معنى المفهوم وبين التزاماتها لوزارة الطاقة واسهاماتها لمصالحها الخاصة للجنة الخدمات بالوزارة. كما أنّ الوزارة ليست هي المسؤولة مسؤولية مباشرة عن تنمية المجتمع، وإنما المسؤول هو وزارة الشؤون الاجتماعية. وإذا أرادت شركة أو مؤسسة ما القيام بأي عمل من أجل المجتمع فيتم بالتنسيق مباشرة مع الوزارة نظراً لاتصالها المباشر المفترض مع المجتمع.
من كل هذا يتضح أنّه ليس في الأمر مسؤولية اجتماعية ولا مسؤولية من أي نوع وإنما هي دعاية للشركة بثمن الشجيرات. والدعاية على حساب الفقراء في بلادي لا تحتاج إلى كبير جهد وإنما كافٍ جداً الوقوف الوهمي معهم. أن تغرس الشركة شجرة بيدها اليمنى بينما تدفع باليسرى ملايين الدولارات لخدمة مصالحها مع الوزارة وكل هذا يتم باسم المجتمع وتنميته .
بهذا تكون الشركة النفطية عملت على تلميع صورتها أمام المجتمع بهدف ربحي بحت مستغلة شيوع المصطلح في الآونة الأخيرة وبريقه. وتكرر الشركة المعنية ما فعلته شركات أخرى أقل ،حيث وزعت موادها الدعائية والتسويقية على مستفيدين من البرامج التي حصلت على الدعم، وصرفت مبالغ ضخمة تحت مظلة المسؤولية الاجتماعية بينما لم يكن سوى حملة تسويقية لمنتجاتها.
(عن صحيفة الخرطوم)
[email][email protected][/email]
التعريف الصحيح للمسئولية الاجتماعية هو” مسئولية قطاع الأعمال نحو المجتمع الذي يعمل وتجاه الذين يعملون فيه من عمال وموظفين” وذلك من خلال ايجاد ودعم والمشاركة في مشاريع هدفها الارتقاء بحياة المجتمع الذي تعمل فيه المنظمة المحددة وحياة العاملين فيها.
آسف لايراد التعريف علي هذا النحو المدرسي وذلك لأن مفهوم المسئولية الاجتماعية تعرض للكثير من التحريف في العديد من البلدان الناطقة باللغة العربية.
إذا تخلت أو عجزت الحكومة عن القيام بواجباتها نحو مواطنيها، فقطعاً، سيظهر الموالون لها، أو المتملقون، أو الذين في قلوبهم مرض، ممن يرجون مصلحة آنية، لهذا يظهرون بتملقهم ومساندتهم للجهة الحكومية التي أخفقت في واجبها، بمساندتها بطريق أو بآخر عن طريق دعمها والتبرع لها،،، وبمناسبة التبرع هذه فقد شهدت بأم عيني التبرع المزعوم إعلامياً، بأنه إملاء على الشركات والمؤسسات وليس تبرعاً – بطوعهم واختيارهم – ولهذا تكون النتيجة أن يتم صرفه في غير ما هو مبذول له في الظاهر
والعائد المباشر وغير المباشر لا حصر له للمتبرعة أو المكرهة على التبرع سواء كانت مؤسسة أو شركة حكومية أو خاصة
لهذا أضحى الريـــــــــأء والنفاق سمة غالبة، ووسائل الإعلام خير معيـــــــــــن لانتشاره
ولا يمكن تصحيح وتثقيف العامة بمسؤولياتهم المجتمعية ومؤسسات المجتمع المدني الحقيقية مغلولة الرجل واليد واللسان
اللهم نسألك رفع البلاء، وأن تقبل صيامنا وقيامنا وأن تعتق رقابنا أجمعين من النار (حيين وميتين) يا رب العالمين.