الأستاذ يوسف حسين (عذرا حبيبي)!!

الاستاذ يوسف حسين من رموزنا السياسية والنضالية البارزة، التي كشف لنا الاستاذ ياسر عرمان جزءا يسيرا من خصالها النبيلة في واحد من مقالاته. وهو في الحقيقة مقال تنزل علي حياتنا التي جففها وادقعها الكيزان، كرطب جنيا او نسمات صيفية، لتنعشنا او تنقذنا ولو قليلا من حالة الكرب والنصَب، التي سجنا فيها لمدة ثلاثة عقود، ثم تطمع ان تزيد. ومن محن الدنيا علي هذه البلاد، ان رموزنا اكتسبت رمزيتها من ملازمة النضال وما يدور حوله من نشاط. كدلالة فاقعة علي كم الاستبداد والظلم والبؤس المقيم في هذه البلاد منذ صرخة الاستقلال. اي بدلا من التفرغ لضروب الابداع والانتاج في كافة المجالات، كالمخترعات والاكتشافات والفنون والادارة، او الاسهام الايجابي في الحياة بصفة عامة. وجدنا انفسنا في حالة حصار شامل او قبضة مكون عسكري مؤدلج، بقدر ما هو عنيف بقدر ما هو قصير النظر، وهذا ناهيك عن جهله المريع بمجاهل السياسة واساليب الادارة ومناهج التخطيط للمستقبل، وصولا لتبلده التام تجاه حقوق مواطنيه. ليحيل نهارنا ليلا، وفرصنا في الديمقراطية والتنمية والتقدم، الي حطام وياس وانغلاق علي الحلول الذاتية، وعلي راسها رغبة مرضية في الفرار والهجرة الي اقاصي الدنيا، ولسان حال الجميع، انج سعد فقد هلك سعيد.
وحول مقال الاستاذ يوسف حسين، المنشور في صحيفة الميدان، كما اشارت صحيفة التغيير الالكترونية، بعنوان ( استبعاد اليمين في حركة المعارضة السياسية للنظام خطأ). لدينا بعض الاعتراضات علي اشراك اليمين (الاسلامويين) في اي عمل معارض مشترك. مع ملاحظة ان اليمين غالبا يقصد به، المؤتمر الشعبي، حركة الاصلاح الآن، ومن نهج نهجهم ممن تقاصرت سلطة الانقاذ عن تلبية طموحاتهم، وهو ما سيتاكد في ثنايا التفاصيل المتناثرة هنا وهناك عند الاشارة لليمين؟
اولا، المثال الذي اشار له الاستاذ يوسف حسين، واحتمال بني عليه مقاربته، وهو غياب الفلاحين عن ثورة العمال، مثل العلة في هزيمة ثورتهم، كما نسب لماركس. وهذه العلة صحيحة فقط، لتشابه ظروف العمال والفلاحين، او كلاهما يتعرض للاستغلال من قبل السلطة المسيطرة بقوة الحديد والنار وبمبرر الحق (التاريخي/الديني/السلالي/الطبقي) وتاليا الثورة تخدم كليهما. وبكلام آخر، لم يكن للفلاحين لا ضلع في تكوين السلطة الحاكمة، ولا الاستفادة من ريعها ومراكمة الثروات والامتيازات بكافة اشكالها، في اي فترة من الفترات! اي ليس هنالك صلة رحم او هوية مشتركة بين الطرفين. وهذا عين ما نجده بين الاسلامويين المنشقين (المغاضبين) وبين سلطة الانقاذ الحاكمة. وبناءً عليه، ليس للاخيرين (الاسلامويين المنشقين) اي مصلحة في التغيير الجذري (الثورة)، إلا إذا ضمنت لهم الحفاظ علي مكتسباتهم الآنية وحظوظهم المستقبلية. وهذا ما يتنافي مع واقع او قانون الثورة نفسه! والاسلامويون بالطبع لا يجهلون ذلك. والحال هذه، ليس مصادفة ان سبب الخلاف بين الانقاذ ومرافيتها لم يكن حول الديمقراطية او التنمية او حقوق الانسان، ولكنه كان تحديدا حول اقتسام الكيكة السلطوية وتوزيع الغنائم، وبصورة اخص اختلاف القادة علي منبع الامتيازات واصلها (كرسي القيادة). بمعني، الخلاف بينهما شكلي وليس جوهري، وهكذا خلاف اخر ما يفكر في حله عبر الثورة، ان لم تكن الثورة خارج المفكر فيه اصلا.
وحتي بافتراض ان الصراع طبقي، فالاسلامويون يشكلون طبقة منفصلة، في مواجهة كافة طبقات الشعب. وهي طبقة اهم ما يميزها عن غيرها، الغطرسة والفساد والنهب والاحتيال، في مواجهة الطبقات الاخري التي تقع عليها عواقب تلك الانحرافات. اي ما يربطهما شئ شبيه بعلاقة الجلاد بالضحية او السارق بالمسروق! وتاليا هي علاقة ليس بها اتزان من اي نوع، ولا يوازنها إلا الاقتصاص من تلك الطبقة، او اقلاه اعترافها بخطاياها واستعدادها تاليا لرد المسروقات ودفع ثمن اخطاءها وتجاوزاتها. وعندها فقط يمكن لحبال التواصل ان تمتد معها او الالتقاء معها في منتصف الطريق، ولكن مع كامل الحذر! ولا يعني هذا التعجيز او الاستعداد المسبق للانتقام والتشفي، ولكن يعني تحديدا عدم معاقبة الضحايا مرتين، مرة بالظلم الواقع عليهم، ومرة بتجاوز مظلمتهم او مجرد رد اعتبارهم، وذلك سواء بالصمت عليها او باعانة الظالم من خلال السماح له بالتواجد في صفوف المعارضة مجانا! وهو ما لا يعني اكثر من اسقاط التهم والجرائم في حقه. لانه بالمنطق البسيط، لا يمكن ان تتحالف مع مجرم إلا إذا كنت مجرما مثله؟ وبما ان هذا ما لا يتوقعه عاقل، فتاليا المخرج الآمن هو غفران جرائمه التي لا تسقط بالتقادم! والاخيرة بمثابة عطاء من لا يملك لمن لا يستحق! وهذا ان لم يكن استهتار بحقوق الضحايا، الذين يتم رفع مظلمتهم كشعارات معارضة او مبررات اعتراض، فانه يصبح استغلال لها وتلاعب بعذابات اصحابها! والحال كذلك، ان لم يشكل هذا طعن في دور المعارضة، فانه يعكس طبيعة همومها التي لا تتجاوز طلب السلطة، وليس دولة المواطنة بحال من الاحوال. وعموما، ليس هنالك ظلم او ازدراء بمظالم الضحايا، اكثر من معاملة الاسلامويين كافراد اسوياء، او كمن ذهب الي الحج وعاد كما ولدته امه! حتي وان تعرض لعسف اشقاءه في التنظيم ضمن صراعاتهم الداخلية. مع العلم ان الظلم يتجاوز الضحايا كافراد، الي خراب بلاد باكملها وتبديد موارد وتفكيك اسر وضياع اجيال واهدار حاضر وتدمير مستقبل، وغيرها وغيرها، مما لا يمكن تعويضه باي كيفية؟ ومن دون وضع كل هذه المعطيات، كدليل حركة امام المعارضة او اطار يحكم تعاطيها مع الشان السوداني المعقد. فهذا ما يؤكد من جهة، احتمالات اعادة انتاج المآسي علي ذات الطريقة البوربونية! ومن جهة اخري، علي السذاجة (العباطة) الدامغة للوعي المعارض، وهو ما يتمظهر في ابتذال التسامح الي حالة ضعف مزرية، وهذا ما يخص جانب المعارضة. اما الاسوأ من ذلك، فهو موقف اولئك المطالبين برفعة راية التسامح في وجه الاسلامويين المجرمين، من كتاب وناشطين، بل ويطالبون الجميع بفتح صفحة بيضاء وتجاوز الماضي ووو، ولكنهم للغرابة لا يتسامحون بالمرة مع المعارضة علي اي مستوي، ويقولون في ضعفها وعن مثالبها ما لم يقله مالك في الخمر، بل بشدة وعنف تذكر بالسلفية والدواعش! لانه لو صدق لديهم، ان نزعة التسامح منبعها مبدئي، لكان اولي بها ذوي القربة من المعارضة والمعارضين، وليس تخطيهم والوصول بها الي الظالمين والفاسدين من الاسلامويين! وان دل هذا علي شئ، فهو يدل اما علي انفصام الشخصية او التنطع والمباهاة، اكثر منه مراعاة لظروف الوطن الحرجة او المسؤولية الوطنية المؤرقة لاصحابها. وعموما، ما نحتاجه ليس التسامح ولكن العدالة، حتي يسد باب الذرائع علي ثقافة عفا الله عما سلف وما تجره وراءها من ادمان للاخطاء والجرائم.
ثانيا، التجارب الثورية في اكتوبر وابريل التي شهدت التضافر والتكامل، بين جبهة الهيئات والاحزاب والتجمع النقابي، هي ايضا صحيحة فقط، لان مايو رغم اتكاءها في البداية علي المرجعيات العروبية والشيوعية او اليسارية بصفة عامة، إلا انه لم يقف خلفها تنظيم سياسي بعينه رافقها حتي النهاية. اي عندما حان اون الانتفاضة او الثورة ضدها، لم تجد من يدافع عنها بصورة ظاهرة او خفية إلا مجموعة منتفعين دون سند جماهيري او حزبي. وهذا ما لا ينطبق علي الانقاذ، التي رغم ازدراء البشير للجبهة الاسلامية والاسلامويين، إلا انه يظل اقرب لهم مصلحيا سواء انيا او مستقبليا! لا لشئ إلا لفشل مشروعهم الاسلاموي علي كافة الصعد، وتاليا لا سبيل له في ارض السودان، واحتمال ولا في اي ارض اخري، بعد كل هذا الخراب والفساد! اي المشروع الاسلاموي فقد مبرر وجوده، وتاليا لا مكان له في الحياة، إلا في كنف نظام استبدادي يوفر له الحماية، ويحصن مصالح اعضاءه، ويمنع عنهم المحاسبة والقصاص. والحال هذه، ما يربط الاسلامويين بالبشير اكبر من مجرد خلاف تستثمره المعارضة. ويترتب علي ذلك، ان كل اسلاموي سوي كان في ظل البشير او حمي الانقاذ او يتواري خلف ظهرها ويعلن معارضتها، إلا ونجده يستبطن اما وراثتها او الحفاظ عليها من الهلاك. والحال كذلك، تصبح معارضة الاسلامويين المنشقين، إذا صحت؟ هي وسيلة ضغط لارجاعهم لحضن النظام، او اقلاه عدم المساس بامتيازاتهم التي راكموها عبر السنين، من خلال التهديد الكاذب بهدم المعبد علي الجميع. والدليل هنالك خطوط حمراء لم يتجاوزها المنشقون ضد خصومهم، والعكس صحيح، في روح التسامح التي يبديها حيالهم من هم في مركب السلطة، او اقلاه بما لا يتناسب وقصة الخصام هذه؟!
ومن جهة اخري، اليس واحد من اسباب قيام مايو الرئيسة ( بعد تجاوز نزعات العسكر الانقلابية، بسبب التهور وحب السلطة) هو دخول اليمين بقضه وقضيضه (دستوره وتوجه الاسلاموي) المناقض للديمقراطية وقيمها، الي الساحة السياسية! في انتهاك صريح للعهد الديمقراطي المبرم بين جميع الاطراف. بل وتم تبرير هذا الانتهاك عبر استدخال فرية (تاويل او استغلال فاضح ل) الدين، وهي سلفا خارج الفضاء التداولي، او تنعدم صلتها بالقضايا موضوع النظر والتجادل والتنافس! اي تم الرد علي الانتهاك، بشرعنته عبر رده لله ورسوله اللذان لا ترد لهم مشيئة! والحال هذه، هم لم يمارسوا جريرة الانتهاك فقط، ولكنهم جعلوا مجرد الاعتراض عليها، بمثابة عمل غير شرعي، ان لم يوصم صاحبه بالكفر، فاقلاه سيعتبر محاربا لله ورسوله! وهذا ناهيك عن المزايدات التي ارتفع عدادها، بين الاسلامويين انفسهم، اضافة الي انجرار اليمين المحافظ او غير الجذري (الطائفية) وعلماء الشريعة او الفقهاء الي السوق الرائجة. ومنذ ذلك الحين اصبحت هذه الفرية الدينية، كعب اخيل العملية الديمقراطية والممارسة السياسية والطريق الملتوي للوصول الي السلطة والسيطرة عليها. لتكتمل حلقاتها بالتخطيط للانقلاب، علي النظام الديمقراطي المنتخب، الذي اعقب انتفاضة 1985م. وما يدعو للتعجب، مشاركة الاسلامويين انفسهم في كل تفاصيله، بل الاسوأ مراعاته الكاملة لمصالحهم علي حساب قوي اكثر تضحيات ووعي بحال البلاد واحتياجاتها! وذلك بدلالة وجود (تحكم) رجالهم في سلطة الفترة الانتقالية، السابقة للفترة الديمقراطية والمؤسسة لها، وهو ما انعكس في اكتساحهم دوائر الخريجين المصممة علي مقاسهم، وعدم المس بالدستور الاسلاموي كجزء من تركة مايو البائدة، وترك الاسلاموين ومصالحهم من بنوك وشركات اسلاموية وقدرات اعلامية، دون محاسبة او مجرد تسوية، ومواصلة وضع المتاريس امام الوصول الي حلول لمشكلة الجنوب، بل وكثيرا ما مارسوا الضغط بانتهازية مقيتة، علي النظام الديمقراطي كلما ابتعد عن رعاية مصالحهم، لدرجة الاستهزاء به وبرموز فترته! وبالمجل كانت الفترة الديمقراطية سمن علي عسل فيما يخص الاسلامويون. ورغم ذلك عملوا بجد علي افراغها من مضمونها، وصولا لتسديد الضربة القاضية، بالانقضاض عليها دون رحمة. ونخلص من ذلك، ان سيرة الاسلامويين ومنذ دخولهم سوح العمل السياسي، غير مشرفة بالمرة، ناهيك عن الدخول معهم في تحالف، تسلم فيه رقبة المتحالفين لسيف غدرهم واحتيالهم؟!
ثالثا، هنالك خطأ يقع فيه المهندس يوسف حسين والكثيرون غيره، وهو الخلط بين تكوين جبهة او تحالف خلاص، وبين آلية التكوين وطريقة الاشتغال. اي من حيث المبدأ ليس هنالك خلاف حول تكوين الجبهة او اهميتها، ولكن فتحها علي مصاريعها امام الجميع، من دون النظر في سيرة الداخلين والتدقيق في اهدافهم والاشتباه في نوايا اصحاب السوابق في الغدر والخيانة! فهذا قبل ان يكون سذاجة لا تليق بهكذا عمل حساس وخطير بل ومصيري، فهو يشكل مدخل لاختراقها واجهاضها من الداخل، وهذا عندما لا تنقل اسرارها وخططها علي الهواء مباشرة لمركز مراقبة النظام، عبر عيون السلطة التي ستبث داخلها! والاسوأ ان مثل هذه السذاجة السودانية في التعامل مع القضايا العامة، هي ما يغري الاسلامويون باستغلالها والتلاعب بحسن نوايا اصحابها، وتاليا اتخاذها مدخل (حصان طروادة) لتمرير اهدافهم ومصالحهم الخاصة، ومن ثم ركلها وفركشتها! وإذا لم يفعلوا ذلك، فهم ليس اسلامويون بالضرورة؟!
رابعا، المدهش ان الاستاذ يوسف حسين، يتحدث بشجاعة يحسد عليها، عن الخطأ في تصور ضعف النظام وسهولة اسقاطه، رغم ان هكذا صراحة قد تغضب الكثيرين! ولكنه في ذات الوقت يتعامل بكل براءة مع اليمين، وهذا عندما لا يسبغ عليه تصور الرافعة التي ستنهض بالعمل المعارض من وهدته، او اقلاه من دون مشاركته لا يوجد خلاص قريب من هذا الكابوس اللعين. وعموما، مصادر قوة النظام الحقيقية ليس القاعدة الاجتماعية والاقتصادية المستفيدة منه! فهي مهما كانت، إلا انها تظل صغيرة، مقارنة بحجم الكتلة المتضررة والتي هي غالبية الشعب. وهذا يعني ان الرك يعتمد علي هذه الكتلة سواء للنظام او المعارضة، إلا انها للاسف رؤيتها لمشروع التغيير غائمة، كما ان وسيلة التغيير نفسها (ثورة انتفاضة اعتصام) لا تجد منها التجاوب المطلوب، بسبب رغبتها في الاستقرار الذي يؤول الي مجرد البقاء علي قيد الحياة، غض النظر عن كيفته او كلفته، اي سواء كان مغموس في الاذلال او يحاصره الفقر والمسغبة والحرمان من كافة الحقوق، وهنا تحديدا (هذه السلبية) مصدر قوة النظام! وبكلام اكثر وضوح، الغالبية المعنية بالتغيير والمستفيد الاول منه، تحتاج هي نفسها لتقبل رسالة التغيير والتفاعل معها! وهو ما يعني بدوره، ان يستصحب مشروع التغيير الهموم والهواجس الغارقة فيها هذه الغالبية، والاصح ان تصبح هي مدخله للتواجد علي ارض الواقع. والغرض من ايراد كل هذا، هو ان معرفة الاهداف والوسائل وطبيعة العقبات والصعوبات، هي ما يجب ان يشغل بال وهموم وعصف ذهن القوي المعارضة، وليس القفز مباشرة لاشراك كل من هب ودب في جبهة الخلاص، وبمن فيهم اعداء التغيير (اليمين/الاسلامويين) انفسهم! لان مثل هكذا طرح اخير، لا يعني اكثر من عملية هروب الي الامام، من دفع استحقاقات الوصول الي الجماهير واقناعها بمشروع التغيير.
خامسا، تحدث الاستاذ يوسف عن الدعم الخارجي الذي يساهم في تقوية النظام، ومن ضمنه الدعم الاسلاموي. ولكن هذا الدعم الاخير لا يستقصد الانقاذ حصرا، ولكنه يشمل المكون الاسلاموي داخلها وخارجها. اي الدعم الاسلاموي الخارجي، واحد من نقاط الاشتراك بين الاسلامويين داخل الانقاذ وخارجها! وتاليا كيف يستقيم ان نعترف بالدعم الاسلاموي الخارجي لنظام الانقاذ، ولكن في ذات الوقت نسمح لبعض الاسلامويين مشاركة المعارضة توجهها لاسقاط النظام، الذي يضم نصفهم الآخر؟ والحال، ان الدعم الاسلاموي الخارجي مبداه ومنتهاه توحيد الجبهة الاسلاموية الداخلية؟ وزيادة في هذا الالتباس نجد ان السيد يوسف حسين، يتحدث عن مشاركة المؤتمر الشعبي في حكومة الحوار الوطني، وتاليا زيادة القاعدة الاجتماعية والسياسية للنظام، هذا من جهة، ومن جهة اخري يطالب باشراك اليمين (واهم مكوناته المؤثرة المؤتمر الشعبي نفسه) في جبهة الخلاص؟
وللمزيد من التوضيح، يتحدث الاستاذ يوسف، عن الخلط بين استعادة الديمقراطية وانجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية. وهو ما اسماه او نعته بحرق المراحل! ولكن ما يحير حقا، هو تورط الحزب الشيوعي نفسه في هذه المسالك ابان مشاركته في (مايو الخلاص)! فهل هذا يعني ان الحزب وعي الدرس وتعلم من التجربة؟ ولكن اذا كان ذلك صحيحا، كيف يثق الحزب الشيوعي في منظومة شمولية من اعلي راسها حتي اخمص قدميها، وهي لا تسعي لحرق المراحل فقط، ولكنها تمارس شئ شبيه بالابادة لكل ما هو موجود، من نظم ادارية وقيم اجتماعية ومبادئ وطنية، لتشيِّد محلها اوهام وهلاميات، ليس لها لا صلة بالواقع او الواقعية من قريب او بعيد؟ وكل هذا ممثل في المؤتمر الشعبي، والاسوأ التواصل مع قائده المرواغ الترابي سبب كل هذه البلاوي؟ ومن ثم فتح المجال امامه الاشتراك في جبهة الخلاص! ولو ان الاستاذ يوسف حسين لم يصرح بكلمة المؤتمر الشعبي، وفضل الاختباء خلف لفظ اليمين المائع، او القابل لكل التفسيرات وتاليا التملصات! إلا انه لا يمكن تصور ان هذا اليمين يشمل الطائفتين، والسبب انهما ايضا ضحايا الانقاذ والاسلامويين، وتاليا لهما مصلحة كاملة في ارسال النظام الي مزبلة التاريخ، حتي من دون دعوة، او وجود اعتراض علي انضمامهم من اي تيار، اي هم اصحب جلد وراس في جبهة الخلاص. وكذلك يصعب تصور ان اليمين يشير لجماعات كانصار السنة او غيرها من جماعات الاخوان الصغيرة الباهتة، خاصة وان هذه التكوينات الاخيرة ترفض مبدئيا الخروج علي الحاكم اصلا، وهذا غير ان هذا التفسير الاخير يجد ضالته في وهم يكاد يكون راسخ في ذهن الكثيرين! وهو ان الاسلاميين هم الاقدر علي تحريك العمل المعارض، ومعارضة السلطات القائمة بشراسة، اضافة علي قدرتهم علي تخريب اي عمل لا يشاركون فيه! وعموما اذا صح ذلك او غيره، فهو يطرح اسئلة وملاحظات منها؟
1/ ما مصلحة الاسلامويين في اي تغيير، لا يضر بمصالحهم فقط، ولكن خلاصته استهداف هذه المصالح! وإلا اصبح لا معني له. وهذا علي اعتبار ان ليس هنالك تقاطع بين مصالح الاسلاميين ومصالح البلاد العامة، او وجود احدهما لا يكون إلا علي حساب الاخري! وإلا يكون هؤلاء الاسلامويون اي شئ آخر غير كونهم اسلامويين! لان الاسلاموية ليست شيئا آخر، غير تعظيم المنفعة الخاصة للافراد والجماعة، دون اعتبار لاي شئ.
2/ اذا كان الاسلامويون بكل هذه القوة، لماذا لا يقوموا بالتغيير بصورة منفردة، وتاليا الحفاظ علي مصالحهم بصورة كاملة؟
3/ القاصي والداني وقبلهم التجربة التي عايشناها مع الاسلامويين، سواء بنسختهم المعارضة او السلطوية، تخبرنا ان اليمين وممثل في جذره الاخواني وتصميمه المعماري وتوجهه السلوكي، ليس له مشروع لا لبناء دولة عصرية او طريقة حكم تستوعب غيرهم او تصور للتنمية او مراعاة لحقوق الشركاء في الوطن او وضع اعتبار للوطن ذاته بكافة تفاصيله! اي هو في خلاصته، هاجس سلطة ونزعة احتكار، لا تفيض خارجها اي هوامش تسمح بمجرد اتاحة حياة شبه طبيعية لبقية المواطنين! اي هو نوع من المصادرة الكاملة لكل شئ، وتاليا الالوهية بالنسبة له ليست مرجعية، ولكنها بالاحري اسلوب حكم ونمط حياة. والحال هذه، اي التفاف علي هذه البديهيات، من خلال اضفاء نوع من السياسة او قدرة علي المشاركة او التزام العهود او او او علي هذا اليمين الموصف اعلاه، لتبرير ضمه لجبهة الخلاص دون اعتراض! هو لعبة خطرة، غالبا ما تحرق المعارضة نفسها قبل جبهة الخلاص المزعومة.
اما السبب الذي يقف خلف كل هذه التنازلات التي تقدم للاسلامويين، فهو من ناحية، لتصوره الوحدة، اي وحدة، هي خير وبعد نظر وحكمة سياسية وتسامح مطلوب، غض النظر عن حجم التنافر والتناقضات والدوافع التي تدخل في تشكيل هذه الوحدة! اي كأن الوحدة هي الغاية، وليست وسيلة لانجاز اهداف مرحلية؟ ومن جهة ثانية، يعبر هذا السعي والتبرير لاستدخال الاسلامويين جبهة الخلاص، عن حالة العجز والارهاق والتوهان وانبهام السبل امام قوي المعارضة بصفة عامة والحزب الشيوعي بصفة خاصة، الشئ الذي يدفعها للذهاب بعيدا في هذا الاتجاه. ظنا منها وبعض الظن اثم (ان القحة خير من صمة الخشم) او ان السراب قد يكتب النجاة لمن يتيه في صحراء الضياع.
اما التعيير الذي لم افهمه في حديث السيد يوسف حسين، فهو مصطلح الثورة الديمقراطية، لان الثورة، اي ثورة، هي التصدي لاوضاع قائمة بنية تغييرها، اما نعتها بانها ديمقراطية او غير ديمقراطية، فهذا رهن لقناعة الثوار بالديمقراطية ودرجة الممانعة الواقعية! اي الثورة من حيث هي ثورة لا لون ولا رائحة لها، ولكن ما يمنحها صبغتها او هويتها هم القائمون علي امرها او القوي المتحكمة في مساراتها! وتكفينا تجربتنا السودانية مع الثورات، التي تمخضت عن بؤس ديمقراطي، تربصت به قوي رجعية عبر آلية عسكرية، لتفضي بنا لاستبدادات اكثر شراسة وعواقب اشد كارثية.
الخلاصة، بما ان نظام الانقاذ، يمثل مصالح فئات اسلامية طفيلية (وانتهازية متحالفة معها)، وكذلك يتمتع مكونه الاسلاموي بدعم التنظيم الاخواني العالمي، والذي يتقاطع مع مصالح (القوي الامبريالية) الطامعة في نهب ثروات الشعوب! اي تحالف استبداد الداخل واطماع الخارج ضد الشعوب المقهورة! فتاليا ما كان يتوقع من مترتبات علي هذه المقدمات، هو القطع بل والمعاداة الصريحة، لهذه التكوينات والممارسات، سواء تلفحت رداء السلطة او تنكرت في قناع المعارضة! وليس تبعيضها، ومن ثم منح البعض صكوك الغفران والتسامح، بعد نسيان كل جرائمه الماضية، والاطمئنان لكوارثها القادمة! وعليه، يصبح استيعاب الاسلامويين في جبهة الخلاص، لا يشكل اضافة من اي ناحية او باي كيفية، ولكنه والحق يقال هم كارثة في اي مكان حلوا واي زمان نزلوا، ناهيك ان يصبحوا عصا تتوكأ عليها المعارضة او تهش بها لاسقاط النظام.
آحر الكلام
اخوف ما اخافه ورواد جبهة الخلاص يرحبون باليمين، ان يبدي البشير رغبته في حل الخلافات التي تنشب في جبهة الخلاص، بين الاسلامويين وبقية المكونات؟ وكله يوضع في ميزان حسناته؟ وعموما، اذا كان هذا حال جبهة الخلاص الموعودة! فيحق لنا ان نردد مع عشاق الطرب في الحفلات، جملتهم المحببة في زمان مضي (مازال الليل طفل يحبو) وبالطبع مع الفارق بين نشوة الطرب التي تستبد بحضور المناسبات السعيدة، وطبيعة المعاناة المعيشية والضنك والقرف، بل واحتمالات تسرب البلاد نفسها من ايدينا، في حالة ليل الانقاذ الحالك؟! ودمتم في رعاية الله.
[email][email protected][/email]
يااا سلاااام ، ينصر دينك علي هذا التحليل الموضوعي والتشخيص لحالنا ، حال البلد وحال المعارضة التي ، نأمل ، أن تقود اللاد للتغيير. لنقول جميعا لا لمشاركة الإسلام السياسي بكل ألوانه البائسة في جبهة الخلاص، ولماذا ، بالله عليكم ، تتوالي علينا ضرباتهم وتدليسهم وعنفهم وفسادهم كل مرة ولا نتعظ؟!
مقال طويل وممل ووكان بالإمكان إختصاره او تقسيمه إلى عدة مقالات تنشر تباعاً.
يااا سلاااام ، ينصر دينك علي هذا التحليل الموضوعي والتشخيص لحالنا ، حال البلد وحال المعارضة التي ، نأمل ، أن تقود اللاد للتغيير. لنقول جميعا لا لمشاركة الإسلام السياسي بكل ألوانه البائسة في جبهة الخلاص، ولماذا ، بالله عليكم ، تتوالي علينا ضرباتهم وتدليسهم وعنفهم وفسادهم كل مرة ولا نتعظ؟!
مقال طويل وممل ووكان بالإمكان إختصاره او تقسيمه إلى عدة مقالات تنشر تباعاً.
في عدة هبات شعبية مقلقة للنظام, لم يشارك اليمين حتى ببيانات. التجربة اكدت ما ذهبت اليه !
الناس بتخاف من غدر ناس اليمين الوسطي, تقول لي الاصلاح الان !
في عدة هبات شعبية مقلقة للنظام, لم يشارك اليمين حتى ببيانات. التجربة اكدت ما ذهبت اليه !
الناس بتخاف من غدر ناس اليمين الوسطي, تقول لي الاصلاح الان !