الشريف حسين الهندي .. أسطورة النضال

رسمته: ثناء عابدين

للنضال السياسي أسس وأعراف لا يمكن التخلي عنها، ولا يمكن تجاوزها حتى يؤتي أكله، ويعد الشريف حسين الهندي أحد أعمدة النضال السياسي الوطني السوداني، إذ أنه ظل متمسكاً بقضيته معارضاً شرساً لنظام مايو 1969، إلى أن قضى نحبه في منفاه الاختياري بأثينا باليونان، يصادف اليوم التاسع من يناير الذكرى خمسة وثلاثين لرحيله

نشأته
هو الشريف حسين بن الشريف يوسف بن الشريف محمد الأمين الهندي الذي ولد ببري الشريف في أكتوبر 1924م، ونشأ وترعرع في بيت عادي وعاش طفولة عادية بالرغم من أن والده كان من زعماء السودان الدينيين السياسيين الكبار في ذلك الوقت، التحق بخلوة أبيه ببري وأتم حفظ القرآن وهو في عمر العاشرة ثم أخذه جده لأمه محمد أحمد خير وألحقه بالمدرسة الأولية بسنجة، ثم إلتحق بمدرسة ودمدني الأولية، ومن ثم تم قبوله في مدرسة مدني الأميرية الوسطى 1935 م، وكان متفوقاً على أقرانه، وبعدها إلتحق بكلية فكتوريا بالإسكندرية وعاد إلى السودان بعد قيام الحرب العالمية الأولى وأكمل دراسته بكلية غردون، اجتمعت عند الشريف حسين عدة صفات قلما تجتمع في شخص، ساعدت على تشكيل شخصيته منذ نعومة أظافره، واتسم بالتفوق والنبوغ والذكاء وسرعة الحفظ والحركة والنشاط والجرأة والشجاعة وحب المغامرة وركوب الصعاب .
بداية النضال
تلك الصفات مجتمعة ساعدت على أن يكون الشريف حسين شخصية سياسية لها مكانتها، فقد ولج عالم السياسة وعمره لم يتجاوز الثامنة والعشرين، ووضع بصمات ظاهرة في الحركة الاتحادية ماتزال موجودة إلى يومنا هذا، بالرغم من أن الحزب تشظى لأحزاب، ورفع شعار (لا قداسة مع السياسة) وكان يرى أن تبتعد الطائفية عن السياسة، وانضم للحزب الوطني الاتحادي قبل اندماجه مع حزب الشعب الديمقراطي ليصبح الاتحادي الديمقراطي، ولعب الشريف دوراً كبيراً في هذا التوحيد، وكان يصر على أن يكون إسماعيل الأزهري رئيساً للحزب، فاز الشريف بدائرة الحوش الشرقية في انتخابات 1957م و1958 م وفي أثناء ذلك كلفته المعارضة بالرد على خطاب الميزانية الذي ألقاه وزير المالية في البرلمان، ونال رده استحسان قطاعات واسعة . ولإيمانه التام بالديمقراطية آثر الشريف حسين أبان انقلاب الفريق عبود أن يغادر إلى مصر، بعد أن طلب منهم الأزهري التريث قليلاً قبل معارضة الحكم، باعتبار أنه رفع شعارات تخاطب وجدان الشعب، وظل متنقلا بين مصر ولبنان إلى قيام ثورة أكتوبر 1964، وتم اختياره وزيراً للري، ثم وزيراً للمالية لفترتين متتاليتين استطاع خلالها فك الاختناقات المالية التي كان يعاني منها الاقتصاد السوداني حينها، وقد كان لصيقاً بالجماهير .
انقلاب مايو
القيادي الاتحادي يس أحمد الفكي كان قد روى تفاصيل تلك الليلة في حوار سابق مع (آخر لحظة) وقال عندما قامت ثورة مايو في يوم 25 كان الشريف حسين موجوداً باستراحة مشروع الجزيرة بالخرطوم، وكان لدينا صديق يدعى عباس بابكر له علاقة طيبة بالشريف، وكان في مناسبة وشعر بحدوث الانقلاب، وبعد أن تأكد منه ذهب للشريف في الاستراحة وأبلغه بالانقلاب، وخرج معه بعربة (هنتر) ومروا على الكباري، وتأكدوا من الإنقلاب وتزودوا بالوقود من إحدى الطلمبات بالعمارات، وانطلقوا إلى مدني، ونزلوا أولاً بمنزل أحمد دهب، ثم توجهوا إلى جزيرة الفيل منزل عبدالله سنكاب، ومنه إلى أم سنط، وخبأناه في حظيرة أبقار، وأوهمنا الرعاة- الذين استغربوا لوجوده- بأننا فقدنا (دهب) وأوهمناهم بأنه فكي يعمل على استعادته، واستغربوا لتدخينه الكثير للسجائر، وقالوا (في فكي بشرب سجاير)، وبعد ذلك هنالك جهة معينة بلغت عن وجوده بأم سنط، وعند الليل هربناه بالمركب ووصل منطقة ود دقيل، وبعدها استقل عربة ملاكي للكادر الاتحادي الطيب الخليفة تحمل الرقم خ6 6011 ويقودها الريح النور، أقلت الشريف وعلي عبيد وآخرين، وأثناء توجههم إلى منطقة الجزيرة أبا نفد وقود العربة، وكان الشريف يحمل في جيبه 13 جنيهاً، وتزودوا منها بالوقود الى أن وصلوا كبري الجاسر، توحلت العربة هناك وساعدهم في إخراجها جنود من القوات المسلحة، كانوا مرابطين في الكبري، ولم يتعرفوا على الشريف، ودخلوا الجزيرة أبا، وقابل الإمام الهادي الذي ضرب القرن وجمع الأنصار، وقال لهم (إن الشريف حسين ضيفي وبحميه بي يدى دي)، وغادر بعدها الشريف إلى أثيوبيا إلى أن جاءت ثورة يوليو التي كان يطلق عليها (عروس الثورات) والشريف كان موجوداً في لندن وكان غاضباً جداً على فشل الثورة، وبعد ذلك جاءت المصالحة الوطنية الأولى في عام 1977م، والثانية 1978م، بعد أن وقع عليها حزب الأمة والأخوان المسلمون، وبعدها أتت المصالحة الثانية 1978م.
متشدد في مواقفه
القيادي بحزب الأمة القومي عبد الرسول النور قال إن الشريف حسين رجل متعدد الجوانب، وكان أكثر مايميزه أنه زاهد في الدنيا ومتواضع جداً، وكان مؤمناً إيماناً قاطعاً بالديمقراطية، ويعتبر الانقلاب العسكري جريمة لاينفع معها تصالح أو تفاهم، ولديه تصميم قوي لتحقيق أهدافه ومتشدد في مواقفه، الأمر الذي جعله يعود إلى البلاد في صندوق .
وفاته
ظل معارضا لنظام نميرى إلى أن توفي بأثينا في التاسع من يناير 1982م، وفي ذلك يقول الفكي إن الشريف كان قد ذهب للمشاركة في مؤتمر طلاب، وفي لحظاته الأخيرة كان يتمنى أن يأكل ساندوتش طعمية، ولكن عندما أحضروها له وجدوه انتقل للدار الآخرة، وعندما علم القذافي بموته قال (يخسي على الموت)، وصدام حسين أرسل طائرة لنقل الجثمان، ومر عبر ليبيا ثم العراق واستقبلوه استقبالاً رسمياً وتعهدت السعودية بدفنه في البقيع قبل أن يوافق النميري على دفنه بالخرطوم، ودفن في القبة مع والده ببري.
من أقواله
نحن أهل الرأي والرأي الآخر، نحن الأحرار الديمقراطيين المتحررون فكراً ونضالاً ومساراً، نجوع ونأكل أصابعنا ولا نأكل قضايانا الوطنية، نحن أصحاب صناديق الاقتراع وصناديدها وإن أتت بغيرنا .

اخر لحظة