(ع. م) جزء من الأزمة.. أم جزء من الحل

بعد امتصاص صدمة نكسة يونيو 1967 في أسبوعها الأول.. كان الرئيس المصري جمال عبد الناصر على استعداد لسماع الآخرين.. ولكنه كان أكثر استعدادا لتوجيه النقد المباشر لكل من كان يرى أنهم ضالعون في صناعة تلك النكسة.. وفي تلك الحالة النفسية.. جاءه شعراوي جمعة وزير الداخلية آنذاك.. وشعراوي لم يكن من الضباط الأحرار مفجري الثورة ليلة 23 يوليو 1952.. بل كان يعد من الذين آمنوا بعد الفتح.. ورغم ذلك عهد إليه عبد الناصر بذلك المنصب الخطير.. فكانت النتيجة طبيعية.. الشاهد أن شعراوي قال لعبد الناصر معاتبا.. ليس من المعقول يا ريس ألا تتصل بي طوال هذه الأيام لاستشارتي وأنا وزير داخليتك..؟ فرد عليه عبد الناصر كمن كان ينتظر السؤال.. لم أعرف ما إذا كنت أنت جزءا من الأزمة أم جزءا من الحل.. لذا فضلت عدم الاتصال بك.. والمعنى واضح.. ولأن شعراوي كان يعلم يقينا أنه جزء من الأزمة.. خد بعضو ومشي..!
أتذكر هذه الواقعة.. وأكتبها أحيانا.. كلما أطل على السودانيين مسؤول.. ناصحا وموجها وناقدا أحيانا.. في أمر سُكب فيه مداد كثير.. وقيل فيه أكثر.. ولم يكن سافها لكل ما قيل.. متجاهلا لكل ما كتب إلا هو.. يوم كان في السلطة.. شاغلا منصبا.. كان في مقدوره.. إن خفض جناح الذل.. أن يجنب البلاد والعباد الكثير من الشرور.. ويتصدر هذه القائمة هذه الأيام.. وزير المالية السابق السيد علي محمود.. وهو الذي في عهده بحت أصوات المراقبين والمحللين والحادبين.. بضرورة إعادة النظر في منهج الاقتصاد.. وفي نهج إدارة المال.. وحين كانت الناس تحذر من مغبة انفصال الجنوب وأثر ذلك المدمر على الاقتصاد السوداني.. ورغم كل الذي بائنا بالمعطيات.. ومثبتا بالأرقام.. كان وحده وزير المالية حينذاك.. يؤكد أن الوضع تحت السيطرة.. وأن الأمر ليس بالخطورة التي يصورها البعض.. ولم يتفوق على وزير المالية يومها في مثل هذا الادعاء إلا محافظ البنك المركزي يومئذ.. الذي بلغ به حد الزعم أن انفصال الجنوب سيكون خيرا وبركة على الاقتصاد السوداني..!
وأخيرا جدا.. ها هو وزير المالية السابق.. الذي كان ولا شك جزءا أصيلا في الأزمة لفشله في توجيه الاقتصاد وجهة صحيحة.. وعجزه عن حسن إدارة موارد البلاد.. وحسن توظيفها بما يحقق العدالة والكفاية والاكتفاء.. ها هو يطل على الناس اليوم.. ناصحا وناقدا وموجها.. وكأني به لم يمر يوما من هناك.. شريكا في درب الأزمة الطويل.. ويذكرنا الوزير السابق بإعادة إنتاج العجلة حين يقول إن حل مشكلة الاقتصاد السوداني يكمن في زيادة الإنتاج.. ويتحدث الوزير عن كثرة السدود.. رغم أنه في يوم ما كان قد سعى لتعطيل مشروع آخر.. المطار الجديد.. لتحويل غرض مخصص له لتمويل سدود.. أيضا.. ثم لا ينسى الوزير المطالبة بدعم المشاريع القائمة.. وزيادة الرقعة الزراعية.. إلى آخر أي مطلب يمكن أن يرفعه أي حزب معارض شعارا لخوض الانتخابات للوصول إلى السلطة.. وليست مطالب يطرحها من كان وزير دولة ثم واليا ثم وزيرا قيما على المال سنوات عدة.. كان في يده وحده أن ينفذ نصف ما يطالب به الآن

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. انت مخطئ تماما ، لم تكن سياسته ولم تكن له الكلمة لا الاولي ولا الاخيرة في إدارة المال ، كان يعلم تماما هذه الحقائق حين اصبح وزيرا للمال وكان راضيا بكل هذا . هل تريده ان يقول لا للمنصب ؟ كيف إذن يستطيع جمع ما جمعه من أموال و املاك خلال فترته كوزير للمالية ؟؟؟

  2. هل سمعت بأي وزير بدأ بوضع سياسات أو وجه بوضعها؟ خاطب مرة وزير التجارة في أول حكومة بعد نيفاشا مؤتمراً وذكر بأنه إستدعي الوكيل و طلب منه إحضار القوانين و اللوائح التي تحكم العمل ؟ ذكر الوزير بأن الوكيل جاءه بعد نصف ساعة و قال ليهو مافي قوانين !
    سألت الوزير حول وجود سياسات لوزارته وبأنها أهم من القوانين واللوائح ! وللأسف هذا هو الحال في كثير من الوزارات و المؤسسات الحكومية!
    ولعلكم تذكرتم الوزير ! وقد كانت له كلمة مثيرة “وزارتي شلعوها!” وهو ما ينم عن عدم ثقة بين الشمال و الجنوب والتي ما زالت موجوده

  3. أيها الصهر الرئاسي لماذا تطعن في الظل؟
    نافع قال ( بعد الانفصال هبطت علينا خيرات السماء)

    البلاد يحكمها الخمسة الكبار من بيوتهم وانت ادرى الناس بذلك.

    ليتك تواصل كتاباتك في مدح أبناء الميرغني و مقدرتهم الفذة في التخطيط و بعد النظر. مقالاتك عنهم تصل مرحلة الادهاش القاتل بالضغط و السكري و السكتة القلبية.

    يا اخي برضو اكتب عن ازمة الغاز و الماء والكهرباء و الاخلاق و الفساد و المخدرات و الجمارك و…. و….و…و…و… خليك من الكتابة عن الوزراء بعد ان غادروا كراسيهم.

  4. اخونا م.لطيف عارف البير وغطاه وعارف ان الجميع سواء كان وزيرا اوخفيرا يعمل كالمرمطون وياتمر بامر الشبح ( تعليمات عليا)الذى لايراه ولكنه يسمع صوته وينفذ اوامره فى صمت ودولاب العمل كله يسير عبر الاثير ولو نقبت فى اية ديوان حكومى لن تستغرب عندما لا ترى ملفات ووثائق تنظم اوتدون سير العمل الراتب اليومى كما لن تجد لوائح او قوانين تحكم سيره او وصف وظيفى او متطلبات شاغلها ومؤهلاته او ما يحكم ترفيعه او تخفيضه محاسبته او مكافأته كمال لن تجد هيكلا وظيفيا لذلك الديوان ومع ذلك يحوم بنا حول الحمى يوشك ان يقع فيها محاولا اللعب بالبيضة والحجر معا .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..