الافلام وجماعات النعام

الافلام وجماعات النعام

خالد بابكر ابوعاقلة
[email][email protected][/email]

الأفلام التي نعتبرها مشوهة أفضل من الأفلام التي تتطابق مع حقائق التاريخ لأن التاريخ متعدد الوجوه .. ولأنها على الأقل لن تثير اللغط والجدال والمناقشات في الصحف .. ولن تنوه للأبحاث والمقالات التي تصحح ذلك الخطأ .. ولن تشير إلى المتخصصين في هذه النواحي من العلم كي يدلوا برأيهم ويبرزوا الحقيقة أو نصفها أو ربعها كما يقتنعوا بها من وجهة النظر الأكاديمية .
الأفلام المشوهة مادة دسمة تظهر لنا المدى الذي وصل إليه أعداء المسلمين في عداوتهم والمدى الذي وصلوا إليه في تطوير نظرتهم الدونية لنا ولثقافتنا ومقدار التنازلات التي يمكن تقديمها في أعمالهم وتجهيز المعلومات الكاذبة المضللة التي يمكن متابعتها والرد عليها والتنويه لمصادرها الإستشراقية أو الصليبية أو الصهيونية مما يوفر ثقافة جدلية وفكرية جديدة تبعث الحقائق الخفية والمعلومات المدفونة .
الأفلام المشوهة للتاريخ الإسلامي ولحقائق المسلمين الأولية الذي كتبته أقلام كثيرة منها الموافق ومنها المعارض ومنها الشيعي ومنها السني تعتبر من أكثر الأفلام جذبا للمشاهدين وخاصة من أبناء الطوائف الإسلامية فمنهم من يراها تتفق معه في نظرته التي نشأ عليها ومنهم من يراها جديدة كل الجدة عليه فيمعن فيها النظر ويستجيب عقليا لمحركاتها ووخزاتها .. وربما تعتبر ( هوليود) تلك الأفلام أو المنتجون الذين صرفوا عليها أنها بتلك الصفة التي خرجت بها للعالم الإعلامي متجهة أكثر للدعاية والتنبيه وتوسيع درجات الأصداء والأضواء لضرورة مشاهدة تلك الأفلام في عالم تكلف فيه الدعاية أكثر مما يكلفه المنتج الأصلي .
الأفلام المشوهة ككل الأفلام التي تتحدث عن التاريخ وسير المصلحين وتصوره كمادة ثقافية أو علمية لن تكون بالتالي سوى مادة فنية قابلة للتطويع تستجيب لشروط العملية الإبداعية .. أذ أنك لن تكون مؤهلا للتعلم من عبر وعظات التاريخ الا اذا قدم في قوالب إبداعية .. فما نعتبره تشويها وإخلالا بالحقيقة قد يعتبر من الناحية السينمائية أو التصميمية أو الأسلوبية نمطا فنيا محايدا أو طريقة تعبيرية عن فكرة أكبر من الحقيقة .. فالفكرة التي نبرزها في إطار ( الكوميديا ) يمكن لنا أن نبرزها بحذافيرها في إطار ( التراجيديا ) فنضحك في الأولى في غاية السعادة فيحدث لنا ( التطهر ) ونبكي في الثانية في غاية التعاسة وتحدث لنا ( الرؤية ) .
الأفلام المشوهة التي تخرج من ناحية مجاميع المتظاهرين من كافة طوائفهم من ملتحين يعفون لحاهم بطريقة فقهية سينمائية .. وأصحاب ( جلاليب ) قصيرة تقف سدا منيعا أمام تجديدات وإبداعات
( الموضة ) التي تحرك ا لإنتاج والمنافسة في المصانع .. هؤلاء الناس الذين يعيشون في حيرة لمعرفة أفضل الطرق للدفاع عن الدين .. ولحماية الإسلام .. والطريق بين واضح .. إنما يشجعون من ناحية أخرى لا يلقون لها بالا ولا يضعونها في حساباتهم الضعيفة المترددة غير المسلمين في بقاع نائية من العالم لم تسمع باسم النبي محمد (ص ) ولا برسالة الإسلام العالمية الخاتمة و لا تصل إليها سوى أذرع ( هوليود ) الاستثمارية الطويلة على الإحجام عن مشاهدة أمثال هذه الأفلام التي من أضعف حسناتها أن يذكر فيها اسم النبي كما يذكر في التشهد والتي يثور حولها هذا اللغط ( الدموي ) .. وهذا الإقتتال بالصواريخ في الشوارع .. وهذه الفوضى في أهم مدن الشرق الأوسط .. وتجسد في معارضتها أمثال هؤلاء الخارجين من الكهوف والنائمين عن أصداء العصر الإيمانية خاصة بعد تفجيرات العراق العنيفة في خلال السنوات الماضية .. وتجربة الجهاد الفاشلة في القرن العشرين التي أدت لتبني مفكرين إسلاميين – اعتقد فيهم الناس الرغبة والقناعة والنظافة والقدرة على التجديد ? لأفكار مخادعة وصبيانية أدت الى موت آلاف الشباب والى تقسيم السودان الى دولة مسيحية وأخرى مازالت تتعثر في طريق الشريعة المسدود .. وتجربة طالبان البدائية التي أدت لإحتلال افغانستان .. وتجربة القاعدة التي كانت ظاهرة إعلامية وتلفزيونية بلا برامج ولا مؤلفات و أدت في النهاية لقتل زعيمها وهو نائم في غرفته ورمي جثته في البحر لاسماك القرش .
لا يريد الإسلام من هذه الأفلام أن تكون مبشرة به وداعية اليه وأن تجعل الناس يؤمنون برسالته وليست هي كتاب فقه يشرح حياة الناس .. أو كتاب تفسير يوضح معميات الأمور .. بل أن تجعل منه ثقافة عامة عالمية فعالة يأخذ الناس منها في عصرهم حسب ضروراتهم القلبية والحياتية .. وأن يأخذوا منه ما يرونه مناسبا ومفيدا لهم في وقته .. وليس أن يقولوا ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) وأن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .. لا سيما وان التاريخ الإسلامي هو تاريخ كفاحي توجد في عناصره كل مكونات البطولة والانسانية والقصص والفتوحات التي لا تقل عن فتوحات الامبراطورية الرومانية وقصص أبطالها وحياة ملوكها ورعيتها وعلمائها .. ولا يوجد تاريخ في (الكون) كله كما يقول الاستاذ تاج السر حسين تتوفر فيه كل عناصر ومواد وفواجع وانجازات التاريخ التي تحتاجها وتسعى إليها السينما ومن يؤلفون لها ويخرجون أعمالها كالتاريخ الاسلامي والعربي منذ بعثة النبي (ص ) والى انهيار الامبراطورية العثمانية وفرار اخر خلفائها الى بريطانيا .. فإن كنا نحن المسلمين نقتنع بالفعل بصحة وقوة وفائدة الإسلام لنا وللعالم فلابد أن نقتنع أيضا بتقديمه بصورته الإيمانية الشجاعة وبصورته الثقافية التاريخية وبتعدده وتنوع أفكاره ومذاهبه ليكون ملكا للعالم كله كما جاء ..وملكا لأدواته التعبيرية والفكرية والفنية الحديثة مثلما صار المصحف الشريف مادة وملكا للمطبعة بعد اختراعها فنشرته حتى في الجزر القصية التي لا تظهر في الخرائط .. فليكن تاريخنا الديني ملكا للعالم ليأخذ من يشاء منه ما يشاء حرا بلا موانع حسبما ينقص عنده و لايجده في ثقافته .. وليترك منه ما يشاء مما لا يفيده ويعتبره غثا وإضافيا .. وبهذا الإسلوب سنفتح الباب لكافة شعوب العالم الممنوعة من الرؤية ومن ا لاستماع ومن الكلام ليعرفوا ما هو الاسلام ؟ وليعرفوا كيف يفكر اعداؤه ؟ وماذا يريدون منه ؟
التاريخ الإسلامي كثقافة اصبح عالميا .. ولكل مؤلف يتناول هذه الثقافة زاوية ينظر منها لهذا التاريخ كما لكل محلل طريقة يحلل بها تصل به إلى نتائج أخرى غير التي يصل إليها محلل أخر .. ولعالمية هذا التاريخ وتلك الثقافة ولطبيعة تكوينها الأولى لابد من تعدد وجهات النظر وزوايا التصوير وإختلاف الحوار من عمل الى آخر .. ولكن الإحتجاجات الدموية والمظاهرات واقتحام السفارات تضيق من نطاق معالجة وتصوير هذه الثقافة وتعميقها بالبحث عن مصادرها ومنابعها وتمنع من إدخالها كمكون غني في عدسات التصوير وتاريخ السينما الذي يعتبر فنا للخلود والتأثير لتداخل المؤثرات وتداخل فنون بكاملها في تكوينه .. وبهذا نبعد هذه الثقافة من العصر وادواته التعبيرية كي تسود فينا شرائع القرون الوسطى وأحاسيس القرون الاولى الغليظة البدائية .
إن الأفلام التي نعتبرها مشوهة للدين هي النوع الوحيد من الافلام التي يمكن ان تصحح هرطقات وأباطيل المستشرقين وأنصاف الكتاب لأن خلف كل ( فيلم ) لو تعلم طوائف النعام مجموعات هائلة من كتاب التقارير والمحللين والمتخصصين والنقاد القادرين على نقد أي خطأ مهما بلغت القوة التي تدعمه في التاريخ وفي السينما وفي الإخراج .. ومجموعات من الصحف ذائعة الصيت من أهم اسباب نجاحها وخبطاتها أن يكتب كتابها ردا على ما شوهه الفيلم أو حاد فيه عن الحقيقة أو جانب الصواب أو تحيز ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..