الدرامية بلقيس عوض في حوار

حوار: سحر محمد بشير
الأستاذة بلقيس عوض، من مواليد مدينة الخرطوم في الأربعينيات، تلقت تعليمها في مدرسة البعثة التعليمية المصرية، ثم جامعة القاهرة فرع الخرطوم كلية الآداب دراسات اجتماعية وعلم نفس. بدأت ممارسة العمل الدرامي منذ نعومة أظافرها وهي بنت خمس سنوات وهي أول طالبة جامعية تمثل في الجامعة. التحقت بإذاعة ام درمان في العام 1961م وظلت تعمل بها لمدة عشر سنوات تحت اسم مستعار كان هذا شرطاً أساسياً لها للاستمرارية. من أهم الميزات في حياتها الإبداعية إنها عضو مؤسس لعدد من الاتحادات والفرق. نالت عدداً من الجوائز داخلياً وخارجياً. التقيناها في هذا الحوار لتحدثنا عن بداياتها والصعوبات التي واجهتها وعن الدراما السودانية ومشكلاتها..
> أستاذة بلقيس، غنية عن التعريف لكن نود فذلكة تاريخية موجزة عنك؟
بلقيس عوض من مواليد الخرطوم في الأربعينيات، تربيت في أخطر شارع في الخرطوم شارع المك مع تقاطع السلطان الآن السيد عبدالرحمن ويعتبر من أميز الشوارع بالخرطوم، لأن عمالقة السياسة والدراما والشعر والأدب والاقتصاد والغناء كانوا في هذا الشارع، بدأت الدراما منذ أن كان عمري(5) سنوات بمدارس البعثة التعليمية المصرية، كُرمت هذا العام في المهرجان الثالث للمسرح العالمي كأول طالبة جامعية تمثل في الجامعة (1961م) بمسرحية (سعاد بت المدير) للكاتب المسرحي يوسف الخليل رحمه الله، والمخرج صلاح تريكاب أطال الله عمره. التحقت بإذاعة ام درمان بسبب سيف الدين الدسوقي الذي أستمع لي وأنا اقرأ شعراً بالجامعة ولم يحدث لي معه تعامل نسبة لسفره مبتعثاً لإذاعة الرياض بالمملكة العربية السعودية. قدمني للاذاعة عبر فرقة السودان للتمثيل والموسيقى (أولاد السراج) فرّاج الطيب السراج وميسرة السراج. فعملت معهم (1961م -1971) وكان شرط أهلي وأمي تحديداً للعمل بالإذاعة هو عدم ذكر اسمي، فعملت (10) سنوات تحت اسم (إحدى الآنسات).
> حدثينا عن عملك بالاذاعة تحت الاسم المستعار؟
عملت ثلاثة برامج من أميز البرامج باللغة العربية الفصحى (من تراث العرب) للكاتب فرّاج الطيب السراج أخراج ميسرة السراج وبرنامج (حارس المحراب) برنامج شعري ثنائية ما بين فراج وميسرة السراج و(شعر وشعراء) للكاتب فرّاج الطيب رحمه الله. بعد (10) سنوات حدثت مفارقة غريبة جاء الاستاذ حسن عباس صبحي وهو من أميز من قامت على اعكتافهم اذاعة(البي بي سي) البريطانية في ستينيات القرن الماضي، جاء ببرنامج اسمه (ثقافتنا مع الأيام). وكان يبحث عن من يعمل معه في البرنامج، فاختار سكينة عربي- أطال الله في عمرها ولها التحية- وكان يبحث عن صوت آخر يوازي صوت سكينة لأن شكل البرنامج منوعات (سيمي دراما) وكان يبحث عن صوت تمثيلي، ذات يوم وهو يتجول في الرواق سمع صوتي في برنامج (من تراث العرب) فقال لهم: هذا الصوت الذي أبحث عنه. فذكروا له أن عندي إشكالية وهي ألا أعلن عن اسمي، فذهبت إليه وسألني عن عمري واسمي فطلب مني أن أعمل معه في برنامجه فقلت له (مافي مشكلة) لكن شرطي معلوم، فقال لي (شرطك ياهبلة) انت فتاة في هذا العمر وطالبة جامعية ولاتريدين الإفصاح عن اسمك؟ وأضاف انت ستقدمين هذا البرنامج وستفصحين عن اسمك، وقد كان سنة 1971م (حسن عباس صبحي -سكينة عربي- بلقيس عوض).
> من أهم الميزات في مسيرتك الابداعية إنك عضو مؤسس لعدد من الاتحادات والفرق.أذكري لنا تلك الكيانات التي قمتِ بتأسيسها؟
أنا عضو مؤسس لعدد من الكيانات، مثال أول اتحاد للممثلين السودانيين في السبعينيات، (أي تي اي ) السودان، فرقة مسرح عزة للفنون، اتحاد أبناء النيل (إثيوبيا -السودان-مصر)، تحالف المبدعين لسلام دارفور.
> حصاد أستاذة بلقيس من الجوائز المحلية والخارجية؟
حصدت جوائز من اعمال بالعربي الفصيح خارج السودان، جائزة المسلسل السباعي (دومة ود حامد) للكاتب العالمي الدكتور الطيب صالح بطولتي والراحل محمد خيري احمد، وقد كان ذلك في مهرجان القاهرة للمسلسلات بالفصحى أحرزنا الذهبية، وتحصلنا على الفضية في مهرجان المغرب العربي لأفلام التلفزيون العربي عن فيلم (الرضى) من سلسلة حكايات سودانية بطولتي واخراج ابوبكر الشيخ. تحصلت على شهادات تقدير تفوق المائة شهادة منذ الستينيات وأفخر جداً بأن أول تكريم لي كان بشهادة تقديرية (1960م) من مكتبة البشير الريح، أعقبتها مئات الشهادات من جميع الجهات الثقافية والجامعات والمعاهد العليا، وأفخر بجامعة الأحفاد بأنها ظلت تكرمني لأكثر من (15) سنة، وقبل (3) أشهر تمّ منحي الأستاذية الفخرية من جامعة الرباط على يد حادي الركب عميد الجامعة دكتور عشميق.
> حدثينا عن نشاطك المسرحي المتجول؟
لم يتوقف نشاطي المسرحي ومنذ أكثر من (15) سنة أقدم مسرحيات عن مكافحة المخدرات وأقدم مسرحية المرأة الواحدة وتلك أسافر بها عبر الولايات منها مسرحية من اخراج منى عبد الرحيم والمسرحيتان للكاتبة الدكتورة بخيتة امين، عند ذهابي لتقديم تلك المسرحيات اعمل مشاركات عبر اذاعات المناطق التي نقوم بزيارتها بمعية الهادي صديق الذي يقوم بكتابة المسلسلات هو وصالح بابكر، قمنا بزيارة عدد من الولايات، وللأمانة توجد كوادر ابداعية بالولايات تفوق المبدعين ليس على مستوى السودان، ولكن على مستوى الوطن العربي في القدرات الابداعية.
> زملاؤك في جامعة القاهرة الفرع؟
بجامعة القاهرة فرع الخرطوم تزاملت مع اميز شعراء هذا السودان الجميل الشاعر ابو آمنة حامد، سيف الدين الدسوقي، كمال الجزولي، ومن أخطر سياسيي هذا البلد بدر الدين مدثر سليمان (سر البعث العربي) وشوقي ملاّس من مؤسسي حزب البعث وبركات الحواتي من لجنة تنظيم دستور السودان. ومن المسرحيين عثمان احمد حمد مدير المسرح القومي الأسبق والذي ذاع صيت المسرح في عهده والأستاذ يس عبدالقادر، والكاتب المسرحي يوسف الخليل، ومن التشكليين احمد عبدالعال وصلاح تريكاب.
> (إحدى الآنسات) والصعوبات التي واجهتك في بداية مشوارك؟
ضحكت بعمق ثم قالت: ذات مرة كان عندي موعد عرض مسرحي، وكان أهل البيت معترضين على ذلك وضربوني (دقوني) وتم حبسي بغرفة بالمنزل ولكن خالي عبدالغني أطال الله في عمره قام بتهريبي بعد أن ساعد في ضربي مع أهل البيت، وعندما خرجت للشارع تصادف مرور سيارة النجدة فقمت بإيقافها وكان يظهر عليّ أثر الضرب وحالتي(بالبلاء) فقال لي الضابط (الجنوبي ولا الشمالي)؟ فقلت له:لا شمالي ولا جنوبي المسرح القومي! لأني اذا لم يحضر أبطال المسرحية للمسرح لا يتم فتح باب شباك التذاكر وكان موعد العرض الساعة الخامسة وعندما وصلت المسرح الساعة كانت تشير للسادسة والنصف وكان صف التذاكر (حدو) التلفزيون القومي فقلت بصوت عالي (حسبو افتحو الشباك أنا جيت)، كانت المسرحية بعنوان (زهرة النرجس) وهي أول مسرحية لي ورغم أني كنت أمثل تحت اسم (إحدى الآنسات)، لكن في المسرح تم الاعلان عن اسمي الحقيقي. وكان أهلي يهددوني(مسرح مافي، في قطيع كرعين). ولكني واصلت العرض بعد تدخل بعض الأهل والأصدقاء، ونالت تلك المسرحية جائزة الموسم المسرحي 1973م -1974م مع ابراهيم حجازي وتحية زروق وسليمان (جحا) ومازالت تلك الشهادة امام ناظري. عطائي استمر لـ(55) عاماً ورغم وجود (3) كليات دراما منذ أكثر من ثلاثين عاماً، إلا انني الوحيدة من أسرتي التي تلج مجال التمثيل.
> وأنت من ذوات الخبرة في مجال الدراما، ما نظرتك لواقع الدراما السودانية؟
انا لا أريد القول إن الواقع مزرٍ ، لكن الدراما عمل انتاجي استثماري. ولو صُرف عليه لجاء بعائد مادي كبير، وعبركم أوجه رسالة لأهل الثقافة واقول لهم إن افريقيا كلها معجبه بالفن السوداني وعثمان حسين واحمد المصطفى وحتى الناشئين، السؤال لماذا لانصنع دراما ونصدرها لأفريقيا؟ لماذا نحن في ذيل العرب؟ ونحن اصحاب اعمق حضارة في الارض حضارة النيل والبجا، نحن شعب لوتناولنا حضارتنا وقلنا للعالم (نحن جينا) لسكت العالم. لماذا لايهتم القائمون بالأمر ورأس المال السوداني (الجبان) بالإنتاج الثقافي لهذا البلد الرائع؟. أزمة الدراما السودانية ليست ازمة كاتب ولا مخرج ولا ممثل، فقط هي أزمة مالية.
> برأيك ما دور الفن في حلحلة كثير من القضايا الاجتماعية في بلد كالسودان متعدد الثقافات ومترامى الأطراف ويعاني من الحروبات والخلافات؟
ايام انتشار الدراما الاذاعية، تجد رعاة الإبل والأبقار في أصقاع السودان المختلفة يتحلقون حول المذياع الساعة الخامسة إلا ربعاً لسماع المسلسل اليومي ونحن على يقين بأية معلومة تصل إليهم عبر الدراما ترسخ في أذهانهم. فعندما تصلهم الرسالة ستعمل على إيقاف كل الاشياء السلبية التي حدثت في مجتمعنا السوداني.
> الدراما السودانية وموسمية الانتاج؟
قبل أكثر من عشر سنوات عُرض مسلسل اقمار الضواحي للكاتب الاستاذ عبدالناصر الطائف، واغنية الشعار للفنان الراحل محمود عبدالعزيز، وأشعار واخراج قاسم ابوزيد، هذا المسلسل توفرت له كل اسباب النجاح من كتابة نص الى اخراج وتمثيل، فقد كان به اميز الممثلين. هذا المسلسل نافس المسلسل العربي في مصر وسوريا، يقوم طرح هذا المسلسل على أنه عندما يُهمش المعلم في مكان ما تسقط كل القيم ولم يسبقنا أحد على هذا الطرح. قبل (20) سنة كتب عادل ابراهيم محمد خير مسلسل (الاقدام الحافية) يحكي عن حياة (الشماسة)، المسلسل كان من بطولتي واميز النجوم الشباب ، فتمّ إيقاف المسلسل عن البث منذ الحلقة الثانية بحجه أن هنالك مشهد في شعار المسلسل يعرض بقايا اكل(دجاج-جرجير-) يتم سكبها من أعلى فيلا فخمة ويتسابق عليها (كلب وماعز وإنسان من أولاد الشوارع) فاحتج احد رجال الدين بتلفزيون السودان، وقال إن هذا المشهد لا يمكن عرضه في بلد إسلامي. بعد خمس سنوات من هذا العمل انتجت مصر مسلسل (اولاد الشوارع) ونال عدة جوائز مع انه ذات فكرة مسلسل (الاقدام الحافية) الذي تمّ إيقافه من تلفزيون السودان. هذا يؤكد أن الدراما السودانية مستهدفة ومفتاح الاستهداف من داخل السودان وفي جهاز التلفزيون تحديداً. نحن لا نعرف أين مشكلتنا؟ وعند من؟ ومن سيحلها؟ ونحن (ملطشة) منو؟
> المواسم المسرحية أين هي الآن؟
سوف أقول كلمتين فقط، وكل شخص يملأ الفراغ حسب (الفي بالو)، المسرح السوداني حدِّث ولاحرج..
> مؤتمر قضايا المسرح.. برأيك هل قدّم ما يفيد للدراميين؟
ــ كل المؤتمرات تقدّم فيها وصايا في منتهى الروعة والجمال ولكن مكانها ليس الواقع بل الاضابير، عندما ينتهى اي مؤتمر وتقدم فيه التوصيات دائما ما اقول «ثم ماذا بعد هذا؟».
> الفنان السوداني لا يجد القيمة الحقيقية له كفنان، فالفنان في الخارج يُعامل من خلال هويته كفنان؟
ــ الفنان غير مقيّم في السودان، وسأرد على حديثك هذا بموقف طريف من الاستاذ سليمان محمد سليمان عندما كان وزيراً للثقافة، دعاه الاستاذ الفاضل سعيد لحضور بروفة بمنزله، وعندما وصل الوزير وطرق الباب جاءه ناصر الفاضل سعيد فسأله الوزير هل تمّ تأجيل البروفة ؟ فرد ناصر مستنكراً: لا، والممثلون موجودون بالداخل، لكن لماذا سألت هذا السؤال؟ فقال له الوزير: لأني لم اجد سيارات الممثلين امام المنزل! الشاهد هنا أن هذا وضع الفنان في بلادي.. الفنانون لا يمتلكون سيارات.. وأتمنى ان يقرأ سليمان هذا الحوار والتحية له.
> نظرة لمستقبل الدراما السودانية؟
ــ اقول للذين يقفون ضد الدراما لماذا أنتم ضد العمل الدرامي؟ فالدراما سلاح هذا العصر.. نحن بقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا وديننا قادرون على ان نعكس ذلك من خلال الدراما، ونهضة الدراما ضرورة قبل ان يُقضى علينا بالاستلاب الثقافي الذي يأتي الينا من الخارج عبر الفضائيات. واقول طالما انه هنالك أناس ضد الدراما فمستقبلها مظلم وهوية اهل السودان في خطر.
> ختاماً ماذا إنت قائلة؟
ــ رسالة للقائمين على الأمر.. انتبهوا عبر «الإنتباهة» لهوية هذا الشعب واحفظوها من الاستلاب والاختراق والتخريب، فالفضائيات مليئة بالكثير الذي لا يشبهنا في شيء، والمراكز الثقافية الأجنبية المنتشرة تطرح قضايا لا تمت لواقعنا بصل
السوداني