بعض تفاصيل الشتاء ..!!

إليكم ………..الطاهر ساتي
[email][email protected][/email]

بعض تفاصيل الشتاء ..!!

** كان يستقبله الفاروق عمر ويصفه بغنيمة العابدين، و كان إبن مسعود يشرح الوصف ويرحب بالغنيمة قائلاً : أهلاً بالشتاء، يطول فيه قيام الليل ويقصر فيه صيام النهار..هكذا كان يحتفي زمن الكرام بالشتاء، رضي الله عنهما، وعنهم جميعاً..ولكن تغيرت الأنفس والأهواء، وكذلك الأزمنة وما عليها من الأحوال، ولذا صار الشتاء قاهراً ، أوكما يصفه فاروق جويدة على لسان حال قائل
: ثيابك لم تعد تحميك من قهر الشتاء
وتمزقت أثوابنا..وهذي كلاب الحي تنهش لحمنا
ثوبي تمزق هل تراه ..؟؟
صرنا عرايا .. وفي عيون الناس يصرخ عرينا
البرد والليل الطويل..العري واليأس الطويل
القهر والخوف الطويل..ماذا تقول عن الرحيل ..؟؟

** وفي الخاطر تلك القرية والأهل وبعض تفاصيل الشتاء..فلنستعد، لقد أقبل، أو هكذا بيان العارفين بملامح الشتاء..فنستعد بتحويل البيان إلى عمل..نطحن ضعفاً من القمح، وكان مقدار طحين القمح قبل الشتاء نصف ما تطحن من الذرة، ولكن ما لايُسهل هضمه يصلح مضادا لبعض البرد، ولذا يتضاعف طحين القمح..ثم نستعد لمضاد البعض الآخر ..بفؤوس ذات رباط محكم على ظهور نحيلة، نتسلق أشجار النيم و ذؤابات النخيل، ونبحث من الفروع والأوراق أنضرها ونقطعها.. ورفاقاً يجمعون ما تنساب عليهم من تلك الذؤبات، ويحزمونها بحبال تستمد متانتها من صبر سيقان (نباتات الحلفا).. ويا لهذه السيقان ، تفرهد على الجداول والشواطئ، وكذلك تقاوم عطش الفيافي بلا وهن، أي كأنها على قسم بأن تعدل بين البسطاء حين تمدهم بحبال سيقانها، متكئاً على شاطئ النيل كان أو رفيقاً لنجيمات الفيافي..!!

** فنحمل ما جمعناها وحزمّانها، ونقصد الديار ونوزعها برص رصين يتكئ على الجدران ..ما بين الجدران والعرش تباعد ما بين حشرة الأرضة ومكونات العرش التي سخرتها الطبيعة لتكون ظلاً ظليلاً..وكم هي كريمة نخيلنا وأشجارنا – بل حتى أنعامنا التي لاتبخل علينا بروثها – وهي تهبنا العرش وظل العرش بتجرد صامت يتحدى رياء صخب مصانع الحديد والأسمنت.. ثم يأتي الكبار بسلالم الخشب، ليتسلقها أمهرهم ويقف محازيا لتلك المنافذ، ثم يتسلق أحدنا بحيث يقف تحته، ثم يتقاسم الجميع أجر المناولة، ويبدع الماهر في سد المنافذ بما جمعناها وحزمناها..يسدها لحد حشو بلغرف بالظلام حين تغلق أبوابها، أوهكذا معيار الإتقان..ويذهب أهل الفزع لبيت آخر، ولكن بعد أن يبروا قسم سيد – أو ربة ? الدار، وقبول كرم يفيض بأكواب الشاي والقهوة وأطباق البركاوي والقنديلة ..!!

**ويأتي مساء الشتاء بلا برد..لقد تجانست أفرع النيم وسعف النخيل ومتانة الحلفا وهمة الصغار وعزيمة الكبار وإتحدت بالنهار على قهر برد المساء، وبتجانسهم وإتحادهم أرغموا أن يحل مساء الشتاء على أهل البيت ضيفاً رحيماً..العشاء وصلاة العشاء في المسيد، وبأمر الآباء والأمهات فرض عين علينا تجهيز ما يلزم من البرش والأبريق والصابون، ثم وضع الرتينة أو الفانوس على جدارعال، لعل الضوء يجذب عابر سبيل ..ثم نعود جرياً إلى الديار، فالبرد يلسع والأجساد النحيلة ترتجف والأسنان تحتك ببعضها.. وهناك، تشعل ست الحبايب نارها، لنتحلق حولها، بعضنا يمسك صبياناً أومريوداً أو كتابا مدرسياً بيسراه وكوب شاي ساخن باليمنى..وحين يرشف الفم لاتحدق العين في قاع الكوب، بل يتجه سوداها- بإنسانها – إلى جهة اليسرى تكمل جملة مفيدة في أسطر الإصدارة أو الكتاب.. قد يحترق الحطب ويحل الرماد والظلام قبل أن يكمل الفتى تلك الأسطر، ولذا يستغل كل ثواني الضوء والدفء في الأسطر ولايهدرها في النظر إلى أشياء أخرى ..هكذا ليالي الشتاء هناك، إذ ما بين دفء الأسرة وأسطر الإصدارة وتجانس الطبيعة، كنا ندفن البرد..!!

**وتمضي الحياة، ولاتزال أكواخاً فقيرة هي مأوى فقراء بلادنا في هذا الشتاء..في أطراف المدينة وأقاصي الريف، بعضهم يتدثر بالبرد والبعض الآخر يتزمل بالجوع، والسواد الأعظم يفترش الحرمان ويلتحف العدم، ويترقب شروق الشمس.. متى تشرق، بحيث تخرجهم، وكذلك الناس والبلد، من هذا الحال إلى آخر أفضل ؟..(متى؟؟؟؟، الله أعلم )..!!

تعليق واحد

  1. ابكيتنا يا استاذ ساتى. اللهم ارحم جميع الفقراء و انعم عليهم بالدفء و الشبع و الامن. لا حول و لا قوة الا بالله.

  2. لله درك ودساتى كتاباتك بطعم الجروف فى عصارى البلد المترعه بطيبة اهلنا فى الشمال لهم منا السلام حين يصبحون وحين يمسون …

  3. اعتقد ان هذا النص مقتبس ولكن من اين لا أدري – ليس غريب على
    ربما واحدة من روايات الطيب صالح ! لست متأكدا !
    أرجو من الاستاذ الرائع الطاهر ساتي أن يفيدنا
    قد تكون من اعماله ! او قد يكون نسى اضافة المرجع !

  4. في الغربه يقتلنا البرد والصقيع و الشوق للوطن ودفء ليالي احبه عامره بحكايا الاحبه تحياتي استاذ ساتي ولماذا اليومي والسياسي ياخذك بعيدا ويحرمنا ادب روائي جميل

  5. عـودة الـدراويـش/ الشاعر ود بادي

    حال هذا البلد بكانى ما سكتنى
    ريدتن فيهو كيف مالكانى كيف ملكتنى
    نارن فيهو كيف ماكلانى كيف لهبتنى
    الاّ ترانى فى العرضة انحسب برانى
    والناس البتعرض جوه مما سمعتنى
    الاّ ترانى انبح زيي زى إخوانى
    والخيل بى عجاجة عمتنى
    توبى قصير وما غطانى
    والزيف ام برد شقتنى
    قلت اباصر امرق بره من احزانى
    وين قبلتا سفكت دمى وإتعدتنى
    ولا زينوبة آخرت إيدى فى الدنيا أم بناين هش
    من شافتنى جفلت منى خنست فى نوايا القش
    مرادى سلاما يغسل حزنى
    الاّ سلاما زاد احزانى زادنى عطش
    لحقتها فى الفريق اتناسا وانشد حالا
    طلبتها شاى وقست مداسا
    قصرت عينى فوق خلخالا
    لفحت توبا لحقت ناسا
    وقفت غادى عدلت حالا
    غزت كوعه هزت راسا
    لفت جيدا قالت لا لا
    قالت لى شن معناك وشن كسب الرجاك ورجاك
    وشنو الراجنو من تالاك
    زمنك كلو تاكل باردة ماضق شر
    زمنك كلو نحن نعوم وانت تغنى ماسك البر
    وزمنك كلو فوق الفارغة فوق ريح المدن منجر
    الخير إن مرق من دارنا لا انحسيت ولا نحاس القبيلة نقر
    ولينا سنين خلانا سموم وما شربت حفايرو مطر
    منيحه الشافع الاماتو راحن فى شموس الحر
    صقور الباشا نهشن من ضروعا وفوقنا طارن فر
    كلاب الباشا فطرن فيها وما لقن البيقول لها جر
    والباشا الغشيم فى ذاتو قعقع ومن كبادا فطر
    لا ولدن يقولو انتر ولا مهيرتن تقولو فشر
    ويا الباشا الغشيم قول لى جدادك كر

    بعد حكت العليها اتوهدت برزن بروق عينيها
    كست خلاصى بين إيديها ما لقيت البلفقوا ليها
    وقعت دمعة من ود عينى قلت اخفيها
    وقعت عينى ذاتها عليها
    حسبت المسافة البينا قلت امشيها
    كفتنى الصقور بي جيها والبلد اترمت بي جيها
    حكموا كتافى عقدوا لسانى ضاروا وشيها
    غنوا اتهنوا تربوا وشربوا من بكريها
    مصرو ثديها شربوا سلاف معتق من لذيذ شفتيها
    عينى تشوف لسانا وصرختا وثكليها
    عبلة تنادى فى الولد البشق التيه
    عبلة تنادى فى الولد البعرف الجيها
    عبلة تنادى فى الولد البعدلو وشيها
    عبلة تنادى واقفة قصادى مصروا ثديها
    عينى تشوف لسانا وصرختها وثكليها

    هيا ريح الصلاح هبى
    وامرقى من متاريسك
    من طرف البلد شدى
    وسوى البرجى داك ميسك
    بارده علينا تنكبى
    ودمنا زيت فوانيسك
    هو لا شرقى ولا غربى
    بينزف من دراويشك

    والليلة يا ريح الصلاح الهابا فيك راحه وجع
    والليلة الشجر الكبار وحشاه ناقرو السوس بقع
    والليلة حق الناس ببين والليلة بنشوف البدع
    والليلة وين البرقى من تالاك يبين
    والبرق من تالاك سنين
    يبرق كذا سيوف الصحابه الساجدين
    والعاديات المؤريات خرشه جنات فى الارض جات
    والخلوق الضايقة لا قوها اجمعين
    عرب البوادى المن شرق والامه دى المصلوبه
    فوق حبل الصبر لما اتمدت والكادحين
    والصالحين والساجدين والعابدين والزاهدين
    ونفضنا من زمن الجدود صقر السنين
    وسرجنا خيل مسروجة من زمن الحسين
    وعرضنا زين
    وجمعنا غطا المشرقين والمغربين
    واميرنا صاح الرايه وين
    والجمع صاح الرايه وين
    ومشينا بالتاريخ ركبنا على البساط الأحمدى
    كايسين محل وقعت سوارى الرايه
    وانقطعت تواريخ النعوش
    ولقينا باقى الرايه فوق قبر الخليفة الراشدى
    مليانه دماً كيف ندى
    وساريها فوق الفتنة دايخ ومنتكى
    وغسلنا بى دمع الندم قميص عثمان من الدم الزكى
    وعقدنا حبل الدين على طرف القميص المكملى
    والراية زادت من الملى ورفرف قماشا المخملى
    وحرسوها زى سبعين ولى
    ما جلهم حراس الهنا ما جل حراس الأمانة وديدنا
    يات من حوار ختم الكتاب ختم السند والعنعنا
    يات من ولى ودرويش غرق فى الهمهمات والدندنا
    آن الاوان والخير دنا
    اتحزموا السبح الطوال واللوح برق
    ارجونا فوق طرف الجبل مشهادنا نفزع مجدنا
    ايد فى لجام الخيل تقل والتانية فى لجام النفوس
    المادحه فى درك الزمن
    يا امه كسلى ونائمة فى تياب الكسل
    وهواها ماشى مع الأضل
    الخيل مصوبر فى محل والخيل تجقلب فى محل
    بعد العدل والريح صلاح والظلم راح والصاح قدل
    بعد الشروق يا امة وسطا بتشهد فى الخلوق
    بعد الشروق نجمك أفل نعشك غشانا على عجل
    يا امة وافاها الاجل وماتت على سوء الختام
    واخر الكلام فى لسانا كان هبلاً .. هبل
    هبلاً .. هبل
    وسقط هبل

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..