
ضابط جهاز الأمن الذي يتورط في تعذيب الناس في المعتقلات تجده يعيش في هلع وتوتر دائم وتجده يتنقل من بيت الى بيت ومن حي الى حي ويتحاشى التعامل مع الناس يتوقع في اي لحظة ان احد ضحاياه في سلخانات التعذيب سينتقم لكرامته وشرفه. لكن القاضي الذي يحكم على الناس في محكمة الجنايات عندما يحكم بالاعدام يذهب الى بيته مطمئنا بغير حراسة وغالبا ما يستقبل اهل المتهم الحكم بالبكاء والصراخ لكن لم يتطرق الى ذهن القاضي ان أهل المحكوم عليه بالموت سينتقموا منه لأن العدل الذي حققه هو من وفر له حماية كتيبة كاملة
الاحساس بالعدالة لا يقتصر تأثيره على القضاة والمتقاضين وانما يمتد الى الناس في البيوت وفي الشارع . فعندما صدر الحكم بالإعدام على قتلة الاستاذ احمد خير ملايين من السودانيين فرحوا وهللوا للعدالة التي تحققت وعادت بعد ان غابت عنوة واقتدرارا وشعروا لأول مرة بأنهم إستردوا وطنهم المغتصب من تجار الدين
العدل مجموعة من القيم الانسانية المتفق عليها تنعكس كلها في قانون يتساوى فيه الجميع وعندما يحس الانسان بالعدل يتملكه شعور يحثه على الاجتهاد وأنه واثق من تحقيق هدفه كما يتملكه شعور بالانتماء..العدل يخرج من الانسان أفضل ما يملك من قيم
مفهوم العدل بين الناس كان غائبا ولم يعد موجودا في دولة المشروع الحضاري . وكانت لا توجد قاعدة واحدة فى السودان تسرى فعلا على الجميع.. بدءا من العلاج في المستشفيات وحتى التعليم وقروض البنوك. وصلت الأوضاع فى السودان إلى الحضيض قوة علاقتك بالمؤتمر الوطني البائد أهم عامل حاسم فى تحديد القاعدة التى ستحاسب على أساسها. وتفتح لك بها جميع الابواب المغلقة في البنوك في التعليم حتى في مخالفات المرور مما أدى الى إحباط الشباب وهي الشريحة الكبرى في المجتمع ونادوا بالتغيير والثورة وواجهوا الموت من أجل التغيير لأنهم وصلوا الى نتيجة ان الاجتهاد لايؤدى بالضرورة إلى النجاح والخطأ لا يؤدى إلى العقاب وبدلا من الموت في بحار اوروبا فضّلوا الموت في تغيير الواقع في وطنهم وكل شاب يرى ان ملايين الفقراء بداءا من أهل بيته أو في الحي يقتلهم المرض والجوع ويدفعون ضرائب عن مرتباتهم الهزيلة بينما أبناء الحركة الاسلامية يصنعون الثروات الضخمة ولايجرؤ أحد حتى على سؤالهم من أين لكم هذا الثراء؟! فصار معظم السودانيين والشباب هم الشريحة الكبرى يطالبون بالتغيير الذى يحقق لهم العدل والكرامة والحرية. وأدركوا أن التغيير لن يتحقق أبدا بواسطة شخص مهما تكن نواياه حسنة وأخلاقه فاضلة..التغيير سوف يتحقق بنظام جديد عادل يتعامل مع السودانيين باعتبارهم مواطنين كاملى الأهلية والحقوق وليسوا رعايا وعبيدا لإحسان أحد…
إن الظلم في عهد دولة المشروع الساقطة كان ببساطة أكثر من طاقتنا على الاحتمال ،وعندما يتساوى السودانيون جميعا أمام القانون عندئذ فقط سيبدأ المستقبل لأن مشكلتنا ليست فى قلة الموارد أو في قلة الطاقة البشرية إنما مشكلتنا تتلخص فى كلمتين: -غياب العدالة-
ياسر عبد الكريم
لهذا قال الله تعالي :( و لكم في القصاص حياه يا اولي الألباب لعلكم تتقون ) .
ولكم ان تتخيلوا كيف عبر الله بكل حكمه و دقه و في منتهي علمه بتركيبه نفسيه البشر المعقده بقوله ان بقاء الحياه المسالمة و المطمئنة و المستقرة تكمن في تنفيذ العقاب علي المجرمين لان ذلك يسكن قلوب أهل المجني عليهم فيمسكون أيديهم عن القصاص كما تزجر القصاص الظالم و المجرم من الاستمرار في غيه في هتك الأرواح فتذهب من جراء فقدان العدل انفس كثيره فتذهب استقرارحياه الكثيرين من الأبرياء و يفقد الناس معني للحياه و الأمن و تظهر الفوضي و تغيب الاطمئنان كما حدث في الجنينه اخيرا حينما تجاهل زمره من الناس باب العدالة للاقتصاص و ذهبوا يقتصوا بأنفسهم فكانت بان فقد بدل حياه شخص واحد اكثر مائه قتيل أنفسهم و مائتين جريح و حرق اكثر من عشره احياء سكنيه كامله بمن فيها و شرد المئات الي البريه .
لكم ان تروا بانفسكم التناقض الذي كان يسري بسبب مشروعهم الحضاري المزعوم الذي كان يحمي المجرم و يتقاضي عن الفاسد و يتستر عن الظالم مقابل الولاء لمشروعهم الباطل فسفكت في حضره حضارتهم البائسة انفس غاليه من الشعب السوداني و دمرت بنيات مدن و ولايات و شردت الملايين و انقسم البلد بحاله الي نصفين و انشطر وجدان الامه و شاع الفقر و المرض في أسوا المعاناه الذي لم يشهده تاريخ السودان منذ قرون .
يا سلام يا استاذ ياسر. مقال في منتهى الروعة وفي الصميم.