من ذكريات زمن الشموخ أساتذتي (4) المناضل الكبير الراحل المقيم فاروق ذكريا
أ. عبدالله موسى
((( الزميل محمد علي))) (((… لكنني في المساء انسى الاثنين لارتدي ثياب الرفيق (شكري) احيانا و(حسن)في احيان و(مجدي) في احيان ثالثه وكان علي دوما ان اتذكر جدول الاسماء الحركيه لاستخدم كل اسم ودون خطأ وفق ماتعاملت به مع الرفاق))) د رفعت السعيد من سيرته الذاتيه (مجرد ذكريات)
ذات نهار من نهارات السجن العمومي بالبورت عام 1984 ناداني صديقي معتصم صيام لكي ينفرد بي في الفناء الخلفي بقسم الدرجه وفوجئت به يحتضنني وهو يبكي ثم قال لي المركز رسل متفرغ لانقاذ الحزب بالمنطقه وهنا شاركته حماسا وفرحا غامرين وبعدها بايام علمنا بان مركز الحزب قد ابتعث افضل كوادره التنظيميه لانقاذ الوضع الحزبي المتردي عندنا والذي ظللنا نشكو منه دائما وكانت تلك اول مره اسمع فيها اسم محمد علي ولد استاذنا بالجزيره (تأمل كم رفدت الجزيره الحزب بالكوادر) ودرس بالهند وتفرغ بعدها تماما للعمل في الجانب التنظيمي للحزب وظل هذا ميدانه ومركز نجاحه الرئيس عدا فترة قصيره شغل فيها مسؤولية علنيه كناطق باسم الحزب عقب اتفاق القاهره تميز استاذنا بشخصية قوية كاسحه لم اشاهد مثلها بالحزب وان كان بعض قدامى الزملاء قالو لي انها كانت من سمات الشهيد عبدالخالق محجوب وكان صارما وشجاعا شجاعة اسطوريه وهو نموذج للقائد التظيمي رفيع المستوى والذي تفرزه تجارب الحركه الشيوعيه على مراحل متباعده شغل استاذنا عدد من المسؤوليات الحزبيه ذات الطابع التنظيمي من بينها مسؤولية مكتب الطلاب ولكنه يعتبر وعلى الاطلاق احد اكبر بناة الحزب والمؤثرين في حياته الداخليه منذ تأسيسه وحقيقة وقبل ان نمضي في تصفح بعض اوراق عمر استاذنا ونقول البعض لان الباقي هو من اختصاص حزبه ولاينبغي علينا التطرق اليه اقول ان متفرغو الحزب هم اشخاص استثنائيون بالمعنى الحرفي للكلمه فهم اثرو ترك مباهج الحياة الاسريه والعامه وقررو منح انفسهم لحزبهم بحيث يعيش الكثيرون ثم يرحلون بدون ان يسمع بهم احد فقد عملو في صمت الرهبان ونقاء القديسين ولكنهم يعشون في ذاكرة رفاقهم وتلاميذهم بحيث تعتبر حيواتهم امتداد لحياة اباءهم المتفرغين وساركز هنا كالعاده في هذه الذكريات على معايشتي الشخصيه للراحل خلال فترة الاربع سنوات التى امضاها متفرغا عندنا اذكر اننا معتصم وانا وبعد خروجنا من المعتقل حيث امضينا مايقارب العام وبعد فترة التأمين المعروفه حدد لنا موعد لمقابلة المتفرغ وكان الانطباع الاول الذي خرجنا به انه شخص صارم وقوي ومؤهل وان مصير حزبنا اضحى بايد امينه تختلف عمن تعاملنا معهم من قبل اهتم الزميل بنا ككادر عمالي حيث ركز على تدريب عدد من شباب الزملاء وقد اكتسبت تحت قيادته كل ماتعلمته تقريبا من عمل تنظيمي حيث تعلمت منه الانضباط وانا شخص غير منضبط وقد اكتسبت خبراتي من اتحادات الطلاب والحركه النقابيه فكان لابد من اعادة تلقيني معنى العمل السري واتقان ادواته المختلفه ومحمد على متخصص في احياء الفروع الميته وفعلا اعاد مراجعة سيرة كل اعضاء الحزب ونفض الغبار عنهم وبقدر ما كان يضيق صدرا من سفسطة المتعلمين فانه كان يتمتع بصبر ايوب مع ابناء الطبقه العامله وفي خلال عام تقريبا اعيد تنظيم الحزب وتضاعف عدد فروعه بالمدينه ثلاثه مرات وتم عقد اجتمعات كادر كبيرة العضويه وعالية التامين بحيث لم ينتبه اليها جهاز امن الدوله القدير في محاربة الشيوعيه انذاك وانتهى به المطاف الى انتخاب هيئه قياديه باشرت نشاطها بشكل مدروس ومنظم وقد جلس الزميل لتوثيق تلك التجربه الفريده في وثيقة طويله تجاوزت المائة صفحه وكان اسمها ((وثيقة حملة الاصلاح)) وتاتي اهميتها انها قدمت شرحا عمليا وعلميا لماجرى عندنا من اصلاح باعتبارها اكمالا لحمله حمله طويله انتظمت كل فروع الحزب داخل وخارج البلاد وخصص لها اجتماع للجنه المركزيه اصدر وثيقة غطت كل تلك النشاطات وهي التى اعدت الحزب وجددت نشاطه بحيث دخل مرحلة الانتفاضه ومابعدها وهو في كامل عافيته وبقدر ما كان العمل مع الزميل مرهقا فقد كان لايخلو من طرائف واذكر انه امرني وبعض الكوادر الجماهيريه بالاختفاء عشية الانتفاضه ولنتجنب التصفيات والاعتقالات وكنت اقابله في اجتماعات مشي مساء كل يوم تقريبا واذكراننا تقابلنا في ميدان المدارس بالثوره (البورت) فاخذ يحذرني من ان جهاز الامن بدأ في الاغتيالات وبينما نحن نتحدث وقفت عربه بالقرب منا في الميدان واطفأت انوارها فقال لي (ده يكون من ناس الامن ونحنا اطول منو انت اخمش تراب وارميه على عيونو وانا اضربو وبعدين نتخارج) فملات يدي ترابا وانتظرنا العدو وعندما اقترب منا عرفته كان مسؤولا باحد اندية الكره بحي ترب هدل وهو سكران فوقف امامنا قائلا (تعملو ايه في الضلمه ياحلوين؟؟) فرددنا لهو وانت تعمل ايه؟؟
فقال لنا عربيتي متعطله ياتزفوها يا اكورك واقول في سكارى هنا ولم يكن لنا من مخرج غير دفع عربته ثم الفرار كلا من طريق وهو يصيح خلفنا بعد بضعة ايام قابلته مجددا ونقل الي خبر استشهاد محمود محمد طه ثم رفع راسه وعيناه تلمعان قائلا ((الزول ده واجه الموت بثبات اريتها موتتي))
والغريب انه وفي الوقت الذي كان منشغلا فيه معي بتدبير مسيرة 6 ابريل والحديث عن استشهاد محمود كان قد تلقى اول المساء خبر رحيل خطيبته في حادث حركه بطريق ودمدني وكان يعشقها وظل وفيا لذكراها الى درجه انه احتفظ بملابس العرس والتجهيزات التى اشتراها لها كماهي حتى وفاته وكنت حينها شابا عشرينيا مفعم المشاعر فذهبت اليه في اليوم التالي بعد معرفتي الخبر من الزميل كمال على عبدالله وهو قيادي وانسان نادر المثال وكان قريبا من محمد على واحتضنته باكيا ومعزيا فقال لي (نعمل ايه الله يرخمها) وواصل نشاطه وهو نفسه الشخص الذي حملت اليه الميدان بعد الانتفاضه وكانت تحمل نبأ رحيل المتفرغ الحزبي وعضو مركزية الحزب حسن ابو جبل وفي حادث عربه
ايضا ذهلت وانا ارى ذلك المارد الجبار وهو ينهار باكيا كالاطفال وهو امر لم اكن اتخيله يوما فوقفت امامه محتارا وشاهدته يمسك بالميدان وهو يرتعش ودموعه تتسابق على خديه وهو يؤبن رفيق عمره بشكل مؤثر وعميق هزني من الاعماق ومازلت اتذكره كلما حانت الذكرى وعندما وصلني نعيه وانا بالخرطوم هرعت الى مركز الحزب وكان كل الزملاء قد سافرو الى الجزيره وبقي نقد وكان مريضا جدا ورايته يجلس وحيدا حزينا على مكتبه فوقفت اؤبن استاذي امامه حتى انهار باكيا فوبخني الزملاء لانني اثرت مشاعر الرجل المريض هذا يعطيك فكرة عن مدى عمق وترابط متفرغي الحزب وعلاقاتهم العجيبه التى تجاوزت حتى العلاقه مع اقرب افراد اسرهم قلت ان فاروق اعتبر من بناة الحزب الاساسيين وهذا صحيح وقد حكى لي انه وبعد مذابح 19 يوليو والانقسام الكبير الذي عاشه الحزب الذي فقد قيادته التاريخيه قام هو ويوسف حسين باعادة فرز وتصنيف العضويه شارعا شارعا وفردا فردا حتى تمكنو من جمع اغلب الاعضاء وبالاستعانه بباقي الكادر اعادو اجهزة الحزب الى العمل وصدر منشوره الاول بعد يوليو والذي احتفى به الجميع وكتب عنه راحلنا المقيم محجوب ديل انحنا القالو فتنا وقالو متنا وقالو للناس انتهينا اهو جينا ويوسف نفسه اسطوره حزبيه حيه ليت تلاميذه يكتبون هنه فهو ايضا من صارمي بناة الحزب حتى سمي بالجنرال رحم الله استاذنا المناضل الكبير فقد نذر حياته كلها من اجل قضية سامية امن بها وظل يبذل اقصى طاقاته من اجل حزبه وطبقته العامله التى انحاز اليها وامن بفكرها سلاما الف سلام زميلنا محمد علي.