خَرَفْ) .. مسرحية أثارت حيرة جمهورها بغموضها الجميل

عثمان شنقر

أثار عرض مسرحية (خَرَفْ)، حيرة كثير من الذين شهدوها، على خشبة المسرح القومي بمدينة أم درمان خلال الأسابيع الماضية. العرض الذي استمرّ زهاء الساعة، حاول أن يستقصيّ الحالة السودانية الراهنة، بما فيها من توهان مواقف وأسئلة وجودية شائكة، وذلك عبر تقنية التداعي الحر، التي أعطت مؤديات الشخصيات الرئيسية الثلاث حرية أكبر في الحركة والأداء على خشبة المسرح.
مفردة (خَرَفْ) التي جاءت عنواناً للعرض ربما تشرح شيئاً من مضمون العرض المسرحي، وتخفف قليلاً من وطأة الحيرة التي انتابت الحضور.

هي إذن كلمة مفتاحية يمكن أن تُحيل كل الحوارات التأملية والشطحات البلاغية التي احتشد بها العرض، إلى معانٍ ودلالات محددة، أراد لها مخرج العرض؛ ربيع يوسف، أن تستفز تفكير وذهنية المشاهد.

الأنثى الحياة
ينحاز يوسف، بلا مواربة، للأنوثة كمعادل موضوعي للحياة نفسها.

فهو يكتب في ديباجة العرض “لن تكتسب اللغة معنىً ما لم تتوشح الأنوثة إزاراً. كما أن المكان نفسه تفتح أقواسه المرأة نحو الذاكرة والتاريخ، وكذا العالم يسلم حين تسلم الأنوثة.”

ولأن العرض بدا عصيَّاً شيئاً ما، ومفارقاً للسائد كثيراً، يحاول مخرجه أن يشرح قليلاً “أما الحرب اللعينة المتخِّذة ? مكراً- الأنوثة مبنى لها، فهي حالما تلتهم ذاتها، تهرع للنساء ليحفظن لها سير ضحاياها وملاحم بطلاتها.

هكذا: تعيد (خَرَفْ) عبر أنسنة الجسد والروح، إنتاج الحياة رغم الدمار).

انحياز العرض للمرأة بدا واضحاً منذ مشاهده الأولى، ابتداءً من البطولة المطلقة لثلاث ممثلات شابات هن: بوسي سعيد، وهاجر عبدالمجيد، ورحاب عبدالرحيم؛ اللواتي أدّينْ عرضاً أداءً مُبهراً.

جوهر الأزمة
المسرحية حاولت الاقتراب من أفكار وقضايا عديدة تكتنف الواقع السوداني، وعبّرت عن جوهر الأزمة التي يعيشها على مستويات متفاوتة.

النساء الثلاث المصابات بـ (الخَرَفْ) صوّرن مرارة الواقع بلا تحفُّظ، وحكين عن الحياة ومآسيها، والظروف القاسية، بجانب إشارات ذكية لانقسام الوطن وكارثة السيول والأمطار الأخيرة.

خطوط درامية متشعِّبة سار عليها عرض مسرحية (خَرَفْ)، وموضوعات وقضايا شائكة دارت حولها الحوارات، يبدو عليها ظاهرياً التفكك وعدم الانسجام، لتشير من خلال هذا التداعي لمضامينها ودلالاتها التي تعكس بصورةٍ باهرةٍ، التفكك الذي أصاب الحياة في عمقها ومركزها النابض.

لتأكيد دعاوى الانهيار والتفكك الذي وسم المجتمع بميسمه، استعان المخرج بشاشة تلفزيونية لتأكيد عناصر المأساة، عبر تقارير وأخبار، وصور تلفزيونية صاحبت الكثير من مشاهد العرض.

معادل موضوعي

الشاشة عكست الكثير من التقارير المصوّرة التي شاهدها الناس مراراً عن مأساة دارفور وكارثة السيول والأمطار، والعديد من الكوارث على ذات الشاكلة. إلاَّ أن المخرج في سعيه لإيجاد معادل موضوعي وواقعي؛ بصري تحديداً، وقع في فخ المباشرة التي كان يهرب منها طيلة العرض، بإيراده لمثل هذه التقارير الإخبارية المصورة والمكرورة.

من ناحيةٍ أخرى، كشفت الحوارات التأمليّة الطويلة، عن قدرة على الكتابة الرفيعة والشاعرية، عُرف بها مؤلف النص الكاتب سيِّد عبدالله صوصل، ولكنها أهملت (الحدّوتة) أو القصة التي يجب أن يدور حولها العرض المسرحي، فبدت المسرحية أشبه بعرض مفكك لا تربطه الروابط.

شبكة الشروق

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..