مقالات وآراء

“مدرسة جميلة” ومربيٍ فاضل هو (ابن) سرحتها الذي غنى بها

 

“مدرسة جميلة” ومربيٍ فاضل هو (ابن) سرحتها الذي غنى بها
قصة التعليم بين جيلين

.نحاول هنا رد الفضل الى أهله…و الى الدور الذي قام و يقوم به المعلم الجليل و المربي الفاضل الاستاذ حمد النيل فضل المولى عبد الرحمن قرشي.. معلم مادة الجغرافيا في مدرسة “جميلة” المتوسطة..في مدينة الأبيض …إبان العهد الذي يبعد سنوات ضوئية عن سودان اليوم. كتب الاستاذ حمد النيل رداً على مقالي: ” الثامن من مارس و الجالسات على أرصفة العدالة في السودان” فاهاجت كتابته الذكرى و استدعت أحقيته في الوفاء و العرفان، و لو بالقليل مما يستحق. له أجزل الشكر و الامتنان.

ما ينفك اشتاذنا يذكر الفضل للمعلمين و المدراء الذين عمل معهم و يحتفي بسيرتهم العطرة و يؤرخ لحقبة في التعليم قد يصعب التوثيق لها و تداركها بسبب الحرب و ما خلفته من ضياع للوثائق و تهجير للمعلمين داخل البلاد و خارجها.. و ربما تكون كتاباته النبراس الذي يهدي في الظلمات…يوقد جذوات الطريق كلما أنطفأ..يقص علينا احسن القصص. فقد آنستنا كلماته في وحشة دنيانا بعد الحرب و ردت الينا بعض الطمانينة…فلا اهل العزم نادوا علينا …و لا نودوا …و كلما ذكر معلمي مدرسة جميلة ” كساها حسناً و حببها.. حتى كانّ اسمها البشرى أو العيد”…

في كردفان..و في سالف العصر و الأوان…كان للتعليم مدارس متميزة و رواد…وكانت المدارس الداخلية…لبنة الوحدة الوطنية …و الوشائج المجتمعية…و كانت المدارس محصنة بالمعامل و المكتبات…و ميزانيات للانشطة الطلابية ..و بعيداً عن مدى فاعلية الاستراتيجيات التعليمية و مدى الاستجابة لحاجة الارياف و الاصقاع البعيدة ..أو في البادية..وحيث العيشة الجافية… و ليس بعيداً عن الكارثة الماحقة التي حلت بالبلاد قبل ثورة ديسمبر في كافة مجالات الحياة …و على التعليم بوجه خاص ..تعطلت لغة الكلام. و لغة الارقام ..و لغات الإشارة ..و عاني الطلاب من و عورة دروب الاستنارة. ..تكدست قاعات الدراسة و أصبح الفصل بين طبقات المجتمع في مجال التعليم اشبه بالابارتهايد..للبعض قبلة عند الشروق…و للبعض قبلة ثانية..لم تصطدم بهموم الحياة ..و لم تدر – لولا الحرب- ما هيه. استشرت مؤسسات التعليم الخاص في مراحل التعليم ما قبل الجامعي و عجزت المدارس الحكومية عن الإجلاس و عن دفع مرتبات المعلمين …فتضاعفت اعداد الاطفال خارج المنظومة التعليمية.. و لم تستوعب الحكومات أهمية التعليم التقني ..و لا عملت على تاهيل المدارس و بنيتها التحتية أو زيادة الميزانية للتعليم أو الصحة حتى يحصل الاطفال على رعاية صحية و على تعليم اساسي مجاني لا يفرق بين طبقات المجتمع في سبيل بناء امة يمكنها تحيقق ولو بعض اهداف التنمية المستدامة اسوة بالشعوب التي تعيش معنا نفس الالفية على كوكب الأرض. أما في المراحل الجامعية فقد وصلت الاوضاع الكارثية مداها جراء إلغاء العام الدراسي لاعوام حسوما ما أدى الى ضياع سنوات على الخريجين.و جاءت الحرب و انتشر الحريق ..فاذا الدنيا كما نعرفها و اذا الطلاب كل في طريق ..و صدح العالم بالرقم الفلكي: اكثر من تسعة عشر مليون من السودانيين من الأطفال و الشباب خارج النظام التعليمي…و من لم يمت بالجهل مات بغيره.
هل من رؤية يا ترى حول كيف سيؤثر هذا الوضع على جيل باكمله و على شعب يأمل أن يكون في مصاف البشرية!

في مدرسة جميلة …بقيادة الاستاذ محمد طه الدقيل..فريق من المعلمات و المعلمين – و من بينهم الاستاذ حمد النيل – كان الفريق ينحت الصخر و يبنى من الاحجار قصورا..آمنوا بادوارهم و بالطالبات..و لم يهنوا..و كانوا هم الأعلون…و ما قلته في مقالك استاذنا سوى شئياً شهدناه …عظيم في تجليه .رحيم حين تلقاه…بديع في معانيه اذا ادركت معناه.

كانت الحصص الصباحية..وكانت المعامل مجهزة تحوى المحاليل و المركبات الكيميائية ..نتقلنا الى آفاق العلم و التجارب .و كانت الجمعيات الادبية و اكتشاف المواهب و اهمها الشعر والقصة و الرسم و التمثيل. و كانت حصة الجغرافيا نقلتنا فيها بين المدارات و الصحارى و السهول و جبال الاطلس.و الروكي الانديز و جبل التاكا و جبال الاماتونج..تاخذنا عبر افلاك و مجرات.و تخوم..و نسعد حين يحط بنا الخيال “فوق للقوس و السماك الأعزل”…بعيد في نجوم.
ثم كان الاستعداد لحفل نهاية العام الدراسي و كانت مسرحية “مجنون ليلى” اخرجها الاستاذ محمد طه الدقيل…بعد أن امضت الطالبات اسابيع للحفظ و تجويد الأداء و كانت البروفات تتم في الامسيات…و المواصلات توفرها المدرسة إذ ان مكتب التعليم بالابيض كان راعياً و كان مسؤلاً عن رعيته، آنذاك.
و صار اليوم الختامي في ذلك العام و المسرحية ذات المضامين الانسانية حديث المدينة.. .لزمن طويل.
لم تذكردورك -استاذنا- في ذلك الألق و الجمال…و آثرت ان تمشي في طريق الأيثار فلا يعرف الفضل الا ذووه…من قبلك كان هناك كثيرون منهم الاستاذ محمود -و كنت قد ذكرته في غير مقال في معرض الوفاء والإخلاص لرفقاء دربك الرسالي-..الذي انتقل الى مدرسة جميلة بعد تحويلها.

كتب الاستاذ محمود قصيدة في و داع مدير كلية المعلمات بالابيض الاستاذ المربي الجليل عليه الرحمه بشير التجاني.. و كان بالكلية نهران للمستوى المتوسظ ..حميراء و جميلة…كتب القصيدة و لحنها و درّب الطالبات عليها لاقائها في احتفالية الوداع:

“أختاه من لحن القصيد نهدي الى الجمع السعيد حلو النشيد…و مودعين ربيعنا و – ربيعنا-… ابقى لنا زرعاً حصيد…زرعاً سقاه بعلمه و بخلقه و رعاه بالرأي السديد… فشعاره العمل الجميل و قدوة للخير و الفعل المجيد ” الخ.

فصدق عليكم القول. ذلك الرعيل الذي يؤثر الغير و يرد الفضل الى أهله..و ما الزرع الذي تعهدتموه “بالعلم و الخلق و الراي السديد”…الا زرعاً أخرج شطأه ..فاستغلظ فاستوى على سوقه…و سيؤتى حقه يوم حصاده…باذن الله.

جميلة خياها الحيا و سقى الله حماها و رعى… .. كانت حصنا..و حمىً…و كانت مرتعا..كم بنينا من حصاها اربعاً و انثنينا فمحونا الاربعا…و خططنا في نقى الرمل ….فحفظ الريح و الرمل و ..و فضل المعلم المربي الجليل… أجمل السير…و … وعى…

لن ننسى اياماً مضت.في محرابها و ستظل مدرسة “جميلة…جميلة على متن الحياة…ما بقي في الأرض أمثال المعلم الجليل…” اذكر ايامها ثم انثنى على كبدي من خشية أن تصدعا”.

“.قد يهون العمر إلا ساعة…و تهون الأرض…إلا موضعا”

‫3 تعليقات

  1. أعجبت كثيراً بهذا المقال. لا أعرف الأستاذة إيمان بلدو، ولم أسمع بها أو أقرأ لها من قبل، وهذا اعترافاً بجهلي بها الذي لا ينقص من قدرها العالي شيئاً. اليوم قرأت لها هذا الكلام الجميل الرصين العميق. شكراً لك، شكراً لك، شكراً لك إيمان بلدو، وطننا سيعود عظيماً كما كان في الماضي، ما دام فينا من يعرف أين كنا وكيف كنا وكيف نعود، تحية كبيرة إيمان بلدو، تحية كبيرة الاستاذ حمد النيل، تحية كبيرة مدرسة جميلة.

  2. يا سلام يا أستاذة ايمان والله اخرحتينا من كآبة الحرب والواقع البشت ورجعتينا إلى زمن جميل مضى عندنا كان التعليم معبد قدسي يحتوي على طقوس الوفاء والصدق.. الأبيض هذه المدينة الفاضلة التي كم تمنيت أن ازورها منذ أن كنت طالب في الجامعة ونشأت صداقات عميقة بيني وبين ابناء الأبيض على رأسهم الصديق الوفي إسماعيل الولي الخليفة حفظه الله والذي فقد زوجته الفاضلة قبل أيام قليلة نسأل الله لها الرحمة والمغفرة والعتق من النار. ولقد تشتت سبلنا في فجاح الأرض. على فكرة انا من الجزيرة الخضراء لكني كردفاتي الهوى.
    واكرر شكري وتقديري لك أستاذة على هذه الرافعة النفسية ومتعك الله بالصحة والعافية يارب.

  3. الله الله على ( اب قبة فحل الديوم) فهى جزء من لجمى ودمى قضيت بها اجمل ايام العمر وفى تلك القلعة الخالدة الخور الثانوية.. كنا ناتي المدينة بالباص الذى كان يتوقف بالقرب من سوق ابو جهل ثم نتجه غربا عابرين الطريق مارين بالمستشفى لنتجه الى جروبى ونراقب من بعيد مكتبة عبد الله الحيوان العامرة بمجلات الصين المصورة والصين الجديدة واخرى عليها صور كيم ايل سونج الزعيم المحبوب لاربعين مليون كورى كما كانت تزعم المجلة.. ثم ندلف الى سينما عروس الرمال حيث خصص مديرها اسعارا رمزية لطلاب خورطقت ايام الخميس … بعدها نتجه الى حى الرديف حيث اقاربنا لقضاء اخر الاسبوع معهم…. من الاسم يبدو ان الكاتبة من تلكم الاسرة العريقة فى الابيض حفظ الله ابناءها فقد زاملنا عددا منهم فى الخور وهو اليوم ملء السمع والبصر فى شتى مسارات الحياة وبقاع الارض… التحية للكاتبة الفاضلة مع خالص التمنيات بالتوفيق والمزيد من الكتابات التى احسنت الكاتبة سبكها بقلمها الرصين ماشاء الله

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..