التفكير في الهجرة” ربما يتعين على السلطات المعنية إجراء توسعة أكثر في صالة المغادرة بالمطار

الخرطوم ? سلمة معروف
ربما يكون محمد مصطفى خريج كلية الطب بجامعة الخرطوم قد اتخذ القرار الصحيح حينما حزم أمتعته وتوجه للعمل بأحد المستشفيات في المملكة العربية السعودية بعد أكثر من خمس سنوات قضاها في اللهث بين المستشفيات بحثا عن عمل، ليجنب نفسه ويلات انتظار وظيفة لا يتعدى راتبها 700 جنيه شهريا يقابلها 7 آلاف ريال في مستشفى خارج حدود البلاد.. الهجرة طريق تخيره محمد وغيره زملاء اكتووا بلحظات (المساسقة) بين وزارة الصحة والمجلس الطبي لأشهر دون وجود فرصة للعمل في المستشفيات، واقع محمد وزملائه يتعداهم إلى آلاف الأشخاص في السودان يحملون شهادات بحثا عن عمل مناسب.
في المقابل هناك المئات وربما الآلاف من الكوادر والتخصصات النادرة في الجامعات وبعض المؤسسات والوزارات والكوادر الإعلامية والصحفية، تحسسوا طريقهم إلى المغادرة، فقد سرت بين الناس عبارة تندرية تقول (أفضل مكان في السودان صالة المغادرة بمطار الخرطوم)، السخرية والتندر مردهما تزايد حالات هجرة الكوادر البشرية المؤهلة من حملة الشهادات الجامعية والتخصصات العلمية النادرة، ولكن ربما يتعين على السلطات المعنية إجراء توسعة أكثر في صالة المغادرة بالمطار، بعد التصريح الذي أدلى به الصادق الهادي المهدي وزير تنمية الموارد البشرية الذي قال: (نريد أن يهاجر كادر سوداني مؤهل ومتلقي تدريب)، تلك العبارة التي أطلقها الوزير مدعاة للنظر في السياسة التي تتعامل بها الدولة مع قضية هجرة العقول واستمرار مغادرة الكوادر المدربة والتخصصات العليا إلى الخارج، تصريحات وزير تنمية الموارد البشرية مثلت دعوة غير مباشرة للمؤهلين للمغادرة إلى الخارج، خاصة وأن الحكومة طالتها اتهامات متكررة بالعجز في تشغيل الخريجين في وظائف تليق بمؤهلاتهم العملية والأكاديمية، والفشل في تخصيص رواتب ومخصصات تحقق طموحاتهم داخل البلاد بما يحد من تسارع وتيرة الهجرة إلى الخارج، تصريحات تدافع عنها الحكومة بأنها لا تملك حقاً في منع راغبي المغادرة للعمل بالخارج والحد من هجرتهم، في إطار هجرة عالمية من كل الدول طلبا للعمل في دول أخرى، مع عروض عمل خارجية أكثر إرضاءً لطموحات طالبي الهجرة، مغالاة الهادي في دعوته ربما نظر لها بعين مخاوف الهجرة غير الشرعية المؤرقة للحكومة، والتوترات التي تخشاها الحكومة حين يتصدر اسم السودان في أي قائمة لضبط مهاجرين غير شرعيين، كل ذلك في مقابل هموم ومشاغل بدت في تصريحات الهادي بأنه رغم قلقه من هجرة الكوادر المؤهلة إلا أن همه أن يغادر كادر مؤهل وتلقى تدريبا وتأهيلا لتقديم خدمة لنفسه وعكس صورة تليق بالبلاد.
حسناً، لكن يبدو أنه لم يدر في خلد الهادي المهدي أن يشغل باله بتحمل الحكومة لأي مسؤولية تجاه توفير فرص عمل وتحقيق مخصصات تفلح في جعل – ولو جزءاً من الكوادر النادرة – يعدل عن فكرة الهجرة.
بين يدي تصريحات الهادي المهدي تفتح أقواس التساؤلات عن إمكانية إدارة الحكومة لمؤسسات الدولة وهي تدعو إلى هجرة الكوادر المدربة والمؤهلة، بما يفتح الباب ربما أمام ترفيع أصحاب الولاءات السياسية ومن هم أقل خبرة بعد مغادرة أصحاب التخصصات النادرة والأكثر خبرة في مختلف المجالات، ما ذهب إليه وزير تنمية الموارد البشرية ربما يوضح جليا أي سياسة تبنتها الحكومة تجاه كوادرها المؤهلة وهي تتنصل عن توفير فرص عمل لهم وتدفعهم للمغادرة بحثا عن واقع عملي أفضل في البلاد الأخرى.
أرقام وإحصائيات الهجرة المتزايدة خلال العام 2013 وما سبقه من أعوام تشير إلى سياسة الدولة الواضحة في حمل الناس على الهجرة، حيث تشير الإحصائيات إلى هجرة أكثر من مائتي ألف أكثر من 60% منهم أطباء، وغيرهم من المهندسين والمعلمين وأصحاب العقول المفكرة، دفعتهم الأوضاع الاقتصادية المتأزمة والمضايقات السياسة وانسداد الأفق السوداني في إنتاج حل يوحي بتغير الحال في القريب إلى الهجرة إلى الخارج، حتى بات الامر يشكل وضعاً مغلقا على المورد الاقتصادي البشري، وتقابله الحكومة بمزيد من منح الضوء لآخرين بالمغادرة في سياسة شبه معلنة ودعوة للهجرة

اليوم التالي