أخبار السودان

تصدع العلاقة بين شريكي الحكم وتربص من أعداء الثورة

ثلاثة أحداث كبيرة تسيطر على المشهد في السودان وتجعله في حالة غليان: الخطوة التي أقدم عليها رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان بالتطبيع مع إسرائيل، والطلب الذي قدمه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك للأمم المتحدة بوضع السودان تحت البند السادس، والأزمة الاقتصادية، يضاف إلى ذلك موافقة الحكومة على تسليم مطلوبي المحكمة الجنائية الدولية وعلى رأسهم الرئيس السابق عمر البشير.

ويمرُّ السودان بمرحلة حرجة وتقف ثورته التي أطاحت بنظام الانقاذ العام الماضي، في مفترق طرق، فشريكا الحكم (المكونان المدني والعسكري) في حالة توجس أقرب للتشاكس، والصراع والأزمة الاقتصادية تخنق الشعب وتكاد تكتم أنفاسه وتضعف بالتالي حماسه للوضع القائم، وفلول النظام السابق وبعض المغامرين من العسكر ينتظرون (الفوضى) للانقضاض على السلطة.

ويرى المحلل السياسي صلاح الدومة أن ما يحدث في السودان الآن مؤشر لوجود تصدعات بين المكون العسكري والمدني في الحكومة الانتقالية. ويشير في حديثه لـ”القدس العربي” إلى أن اللقاء الذي تم بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هو الذي أدى لهذا التصدع، باعتبار أن خطوة البرهان غير دستورية.

ويضيف أن حمدوك والمكون المدني حاولوا لم الموضوع تحت الطاولة بإجراءات وأحاديث دبلوماسية “لكن الأمر خرج للعلن خاصة بعد مساندة الجيش لقائده البرهان، الأمر الذي أدى لإحراج الشق المدني في الحكومة”. وحسب الدومة، فإن قطاعات عريضة في السودان ترى أن حكومة الإنقاذ ودولتها العميقة والمجلس العسكري الذي تحول إلى السيادي، هي كيان واحد ويجب عدم الثقة فيه.

وينظر الدومة لخطوة حمدوك بطلب تدخل الأمم المتحدة لبناء وحفظ السلام عبر البند السادس، بوصفها محاولة وقائية لقطع الطريق أمام أي مغامرة يقوم بها الطرف الآخر، سواء أكانت فوضى خلّاقة أو انقلابا عسكريا كاملا، ويضيف إليها الاتفاق على تسليم مطلوبي المحكمة الدولية، وعلى رأسهم الرئيس السابق عمر البشير.

ويخلص إلى أن قوى الحرية والتغيير (المكون المدني في الحكومة الانتقالية) محتاجة لاتخاذ خطوات حازمة وحاسمة حتى تقطع الطريق أمام الإسلاميين الذين يعملون على عودة النظام السابق والمغامرين الذين يتحينون الفرص للانقضاض على الحكم، لكنه ورغم ذلك، يرى أن الثورة دخلت مرحلة لا خوف عليها من البطش العسكري، ويراهن على وجود شارع متوحد ضد عودة فلول النظام السابق وإن بدا مختلفا في ما بينه.

وصايا جديدة

ويقول رئيس تحرير صحيفة “المستقلة” توفيق البدري إن المشهد السياسي في السودان تسيطر عليه حالة من التوجس، خاصة العلاقة بين المكونين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية التي تكونت بعد سقوط البشير، ويضيف في حديثه لـ”القدس العربي” إن الربكة الأخيرة سببها طلب رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، من الأمم المتحدة التدخل ويقول: “الطلب المنطقي بعد سقوط البشير هو إزالة كل أشكال القيود المفروضة على السودان من قبل المجتمع الدولي ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وليس طلب وصايا جديدة”.

ويرى أن البلاد محكومة حاليا ببنود الوثيقة الدستورية التي يفترض أن ينفذها الشريكان المدني والعسكري، ويشير إلى أن التوجس هو الذي يسيطر على المشهد الآن ويضيف: “ربما تتحول هذه الحالة إلى تشاكس ثم صراع يُفشل الفترة الانتقالية ويُدخل البلاد في مرحلة صعبة”

وحسب توفيق البدري فإنّ الوضع الحالي، صرف الحكومة عن التفرغ لقضايا ملحة وضرورية وهي معاش الناس وتوفير ضروريات الحياة مثل الخبز والوقود والتحكم في أسعار السلع، ويخشى إذا استمرت الأحوال كما هي عليه أن تفقد الحكومة الدعم الشعبي .

ويعتقد الكاتب الصحافي عبد الحميد عوض أن الفترة الانتقالية ستكتمل رغم العثرات الظاهرة، ويستبعد فرضية الانقلاب العسكري ويرى أن الاتجاه لانتخابات مبكرة سابق لأوانه ومرتبط بما تؤول إليه الأوضاع في الفترة المقبلة.

ويقول إن المؤتمر الاقتصادي المقرر له شهر نيسان/أبريل المقبل سوف يحدّد مستقبل حكومة الفترة الانتقالية ويفسر حديثه قائلا: “إذا حصلت حكومة حمدوك على دعم كبير من هذا المؤتمر فسوف تعبر الكثير من المطبات والصعوبات لأن المشكلة الملحة الآن اقتصادية”.

ويصف عوض الحكومة السودانية بأنها تصدر الكثير من القرارات المهمة من دون مؤسسات بشقيها المدني والعسكري، ضاربا مثل بالموقف الذي اتخذه رئيس المجلس السيادي برهان وبما فعله حمدوك رئيس الوزراء من طلب وضع السودان في البند السادس للأمم المتحدة وكذلك تعهد الحكومة بتسليم مطلوبي المحكمة الجنائية الدولية.

ويقول إن تلك الخطوات تكون مقبولة إذا صدرت بتوافق تام بين المجلسين (السيادي والوزراء) خاصة إذا سبقها نقاش مستفيض وتشاور كبير وإشراك للرأي العام “لكن الطريقة التي اتخذت بها تنم عن وجود خلل مؤسسي في إدارة الدولة”.

النهج التوافقي

وترى الناشطة السياسية، رباح الصادق، أن التطورات الأخيرة زادت الوضع الهش هشاشة. “فمن أهم أولويات نجاح الفترة الانتقالية النهج التوافقي، واحترام المواثيق”. وتصف خطوة رئيس مجلس السيادة بالتطبيع مع إسرائيل بأنها خرقت المتفق عليه من صلاحيات المجلس “فقد قام بخطوة كبيرة في ملف حساس بشكل سري مما فتح الباب على مصراعيه للرفض والاستهجان”.

وتضيف بأن طلب رئيس الوزراء تدخل الأمم المتحدة قد يكون مفهوما في إطار الانقسام المتزايد والتصرفات غير المحسوبة من شركاء الحكم الانتقالي “لكنه بدلا عن تقديم حلول يزيد الطين بلة، فمهما كانت تطمينات مكتب رئيس الوزراء حول محدودية المهمة وأنها تصب في دعم المنظمة لعمليات بناء السلام، إلا أنّ صلاحيات مجلس الوزراء تنفيذية لا تشريعية، وأي خطوة كهذه ما كان لها أن تكون بدون الاتفاق التام عليها مع قوى الحرية والتغيير، الذراع السياسي للحكومة”.

وتشير إلى أن الأزمات الاقتصادية هي نتاج ثلاثين عاما من النهب والفساد، إضافة لأعمال قوى الردّة الشيطانية لإفشال الثورة. وتقول: “هذه القوى بلا شك نستعد بانقلابها ونؤمن بأن الشعب السوداني سوف يحبط أعمالهم.”

وتخلُص رباح الصادق إلى أن خيار الانتخابات المبكرة لا يطرح إلاّ باعتباره آخر الدواء ، وتضيف: “لكن قبل الذهاب إليه في رأيي ينبغي الإسراع في إبرام ميثاق شرف يلزم الجميع بتجنب التحركات الانفرادية، وتعجيل تكوين المجلس التشريعي للبت في القضايا الكبيرة كلها”.

ويرى المحلل السياسي يوسف الجلال، أن تقويض المرحلة الانتقالية ليس في مصلحة أي طرف من مكونات الحكومة الحالية باعتبارها حكومة ثورة وجدت تأييدا كبيرا من المجتمعين الدولي والإقليمي وهما يرفضان فكرة الانقلابات العسكرية والتغيير الذي يؤدي لمخاطر كبيرة.

وحسب الجلال فإن ثورة السودان محاطة حاليا بأخطار كبيرة تتمثل في عسكر يتربصون بها الدوائر، وقوى ثورة مضادة ممثلة في فلول نظام البشير، ونزوع داخل المكون العسكري للوجود الفاعل ويتمثل ذلك فيما قام به البرهان من لقاء لنتنياهو، فهي كما يقول محاولة لإيجاد مكان لرئيس المجلس السيادي في المشهد السياسي، ورسالة للأمريكان بأن هناك رجلا يمكن أن يُعتمد عليه.

ويقول إن الخطر الحقيقي الذي يهدد البلاد هو التدهور الاقتصادي والأداء المهتز وبطء الحكومة في معالجة القضايا المتعلقة بضروريات المواطن، وفي تقديره أن ذلك “أكبر مهدد لحكومة حمدوك” ولا يستبعد الاتجاه لانتخابات مبكرة إذا استمرت الأزمة الاقتصادية في خنق الحكومة، مضيفا أن بعض قوى الثورة أبدت استعدادها لهذه الفرضية ويخص بالذكر حزبي الأمة والمؤتمر السوداني.

ويقول المحلل الاقتصادي، محمد الناير محمد النور، إن هناك تراجعا في معالجة الملف الاقتصادي المرتبط بمعاش الناس، مشيرا لتجدد الأزمات السابقة بصورة أكبر والفشل في توفير الخبز والوقود ويُرجع ذلك لعدم إدارة الأزمات بشكل صحيح وغياب مبدأ المحاسبة لمن يقصرون في أدائهم.

ويضيف الناير في حديثه لـ”القدس العربي” بأنه لا يُلقي اللوم على الحكومة الوليدة في معالجة الأزمات على المديين المتوسط والبعيد، لكنه يرى أن الحكومة مقصرة في معالجات المدى القصير ولديها الإمكانات لذلك وينتقد احتكار تصدير الذهب لجهة واحدة هي شركة الفاخر، مطالبا بفتح الفرص لـ 20 أو 30 شركة .

ويعيب على الحكومة الانتقالية عدم تحفيز المغتربين للاستفادة من تحويلاتهم بالعملات الأجنبية ويدعو لعدم تحرير سعر الصرف “لأن السوق الموازي سيقفز” ويطالب باسترداد الأموال المنهوبة ويحذر من رفع الدعم، ويقول إن الحكومة تعوّل كثيرا على مؤتمر المانحين في نيسان/ابريل المقبل وإن المانحين ينتظرون أن يطبق وزير المالية روشتة البنك الدولي وفي مقدمتها رفع الدعم عن الخبز والمحروقات، مشيرا إلى أن ذلك سوف يؤدي لانفلات كبير في أسعار السلع والخدمات.

احتمالات

أما القيادي في تجمع المهنيين، صلاح شعيب، فيقول إن الوضع في السودان الآن مفتوح على عدة احتمالات وذلك لثقل تجربة الإنقاذ، والتي يرى أنها قوّضت كل ركائز الدولة وأدخلت البلاد في متاهة التحالفات الإقليمية والدولية.

ويشير شعيب إلى أن المطلوب لمجابهة هذه التحديات الشاملة هو “وحدة القوى الثورية التي حملت عبء النضال من أجل إسقاط مشروع الحركة الإسلامية الاستبدادي”. ويرى أنّ هذه الوحدة تمثل صمام الأمان لنجاح الفترة الانتقالية والحفاظ على وحدة السودان وترسيخ نظامه الديمقراطي الذي يعالج القضايا الجوهرية التي جابهها السودانيون منذ الاستقلال، ويخلص إلى أن “أيّ تشظٍ في وحدة قوى إعلان الحرية والتغيير التي تمثل واجهة التغيير سيدخل البلاد في أتون الفشل الكامل”.

صلاح الدين مصطفى

القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..