مقالات سياسية

ذكاء استراتيجي ألماني

عبدالمنعم عثمان

لم يعد خافيا التناغم بين ماتقوم به دول اقليمية ، لا ولن يعجبها حلول ديموقراطية حقيقية فى السودن ولا تقدما أقتصاديا هو اهل له ، وبين الولايات المتحدة تحت حكم “Tit for Tat”،الذى لايمارسه فحسب وانما يفخر به ، الرئيس ترامب . فهو لايعطى بدون مقابل أوكما قال وفعل ،بالأخص حلفائه فى الخليج واوروبا . وعليه فان انتظار معونه ، ولو اجرائيه من أمريكا ، أو انتظار معونات منقذه وضرورية من اهلنا فى الأقليم ، تعتبر، فى رأيي ، من رابع المستحيلات . وفى تقديرى فان هذه النظرة والفعل من هذين الطرفين المتناغمين تعتبر، فى تقديرى ، قاصرة وقصيرة النظر . وذلك لأسباب موضوعية قد تكون غير مرئيه او متوقعه من كليهما .

فأمريكا مثلا ، ليست فى احسن حالاتها كما يظن الرئيس ترامب ، أو كما يحاول ان يصور للشعب الأمريكى لباقى العالم . الدين الأمريكى الداخلى يفوق العشرين ترليون دولار ، وأغلب الصناعات الأمريكية ذات القيمة المعبرة عن اقتصاد حقيقى هربت للخارج وراء العمالة الرخيصة والاعفاءات الضريبيه وتحسين الأرباح ، ولا أظن أن محاولات السيد الرئيس ستنجح فى أعادتها . وقد بدا العالم التململ من تسيد الدولار الأمريكى للعالم دون وجه حق . بل أن بعض الدول بدات تتبادل بعملاتها أو باى اسلوب يبعد الدولار الأمريكى . ولدى صندوق النقد دراسة جاهزة لعملة بديله للدولار ، يؤخر تنفيذها حتى الآن النفوذ الأمريكى الذى لايزال يسيطر على المؤسسة المالية الدولية ولكن سيطرته فى طريقها للزوال. وقبل أن ننتقل الى الطرف الاقليمى ، احب أن أشرككم فى ما علمته من حديث أحد خبراء العرب الدوليين فى نظم المعلومات والعملات ، حتى يتضح مدى النفوذ بدون مبرر حقيقى والذى تتمتع به الولايات المتحده حتى اليوم . يقول : (من المعلوم انه لم يعد للدولار غطاء ذهبى منذ قرار الرئيس نيكسون بالغائه -1971. وانه منذ ذلك الحين ظلت الولايات المتحده تصدر العملة الخضراء وتوزعها للعالم مقابل سلع وخدمات حقيقية ، بحيث تتراكم هذه الدولارات فاقدة القيمة لدى البعض الذى لايستطيع ان يرجعها الى مصدرها لأنه لن يحصل على ذهب مقابلها ، وانما سيساعد فى تدهور قيمتها فيكون الأثر السالب عليه اكبر منه على المصدر )!وأضيف وهذا هو الوضع بالنسبة للصين التى تمتلك رصيدا دولاريا يصل الى اربعة ترليونات ، والحال مماثل لكثير من دول الخليج وغيرها ! ثم يواصل خبيرنا القول بحقيقة مفجعة يذكر انه سمعها من مسئول الفيدرالى الأمريكى – البنك المركزى – الذى قال أنه يتسلم فى نهاية كل يوم قائمة بعملات العالم وسعرها مقابل الدولار . وفى القائمة عمود ثالث فارغ يملأه هو برغبته لسعر كل عملة مقابل الدولارفى اليوم التالى. وبالطبع فان هذه الرغبة لاتعبر عن التوازن المالى فى اليوم التالى أو العرض والطلب او التأثيرات السياسية والاقتصادية التى س” تحدث ” فى اليوم التالى ، وانما تعبر عن الرغبات الأمريكية السياسية فى التاثير الذى ستحدثه المعالجة للعملات التى قام بها المسئول الفيدرالى !!! يحدث هذا والعالم كله يعيش خدعة العرض والطلب ومااليه من نظريات اقتصادية من أمثال ” دعه يمر… ” والتى يعلمون انها لم تعد تعمل كقوانين موضوعية لاتتاثر بفعل البشر !! ولم اندهش لحديث الخبير ، ذلك انى من خلال متابعه دقيقة لعمل البورصات الأمريكية توصلت لأنها مؤسسات تقوم على خداع صغار المستثمرين لصالح الشركات العملاقة . وهذا امر آخر ربما تتاح الفرصة للحديث عنه بتفصيل فى موضع آخر. أما فيما يخص موضوعنا ، أقول هذا يوضح هشاشة الوضع الذى يعيشه الأقتصاد الأمريكى رغم المساحيق . ويضيف خبيرنا أن الولايات المتحدة تعيش أيضا حالة هلع من جراء ضيق المسافة بينها والصين فى السباق المكشوف على المرتبة الأولى . وللتدليل ياتى تصريح مسئول امريكى بأن اهتمامهم الآن ينصب على ثلاث قضايا : الصين .. الصين .. والصين !! فهل نتوقع بعد كل هذا أهتمام حقيقي من هذا الطرف بقضايا هامشية مثل مساعدة السودان الا فى أطار مبدأ لTit for Tat .

فاذا جئنا الى وضع دول الأقليم ، فاننا نجد انها بالأضافة الى وقوعها تحت السيطرة الأمريكية المالية ، وربما بسببها ، فان احوالها المالية ليست بخير . تتعدد الأسباب ولكن النتيجة تدهور سريع وخصوصا بعد النوبة التى اصابت اغلبها بالسعى الى نفوذ سياسى يقابل الثروة الكبيرة ذات المصدر الواحد القابل للنضوب والمهدد بوجود مصادر أخرى للطاقة وخصوصا لدى امريكا التى اكتفت ذاتيا واصبحت فى طريقها لأن تنضم الى أسرة المصدرين ، وبالتالى فان البترول لم يعد عاملا هاما فى تحديد اتجاهاتها السياسية كما كان . ولهذا فقد ظننت ان هذه الدول الأقليمية ستتجه الى دعم البلدان ذات الموارد ، مثل السودان ، باستثمار حقيقى يفيدها ويفيد تلك البلدان ويحد من النفوذ الغربى عموما والأمريكى على وجه الخصوص وذلك بسحب مايمكن من الارصدة المتراكمة هناك والتى تفقد كثيرا من قيمتها بسبب الأزمات المتكررة ، عوضا عن المحاولات البائسة وغير المجدية لخلق موطن نفوذ سياسى وعسكرى تشبها بالدول الكبرى . غير ان الذى يحدث فى حالة السودان هو التماهى مع اللعب الأمريكى الذى يعطى دليلا فى كل يوم على السعى لتنصيب دكتاتور جديد وذلك بصرف وعود مجانية لااثر لها على الأرض والتلكؤ حتى فى اصدار القرارات ناهيك عن مد يد العون الأقتصادى الضرورى لفك الاختناقات المعيشية التى تحيط بسودان الثورة التى لايزالون يتغزلون فى تفردها !

فى هذا الوقت يظهر الذكاء الاستراتيجى للسياسات الألمانية : وزير الخارجية الألمانى أول مسئول دولى يزور السودان بعد الثورة ، فقرار البرلمان الألمانى دعم السودان ثم زيارة رئيس الدولة وأخيرا الترحيب الذى لقيه الدكتور حمدوك والوفد المرافق عند زيارة ألمانيا. وقد كشفت المفاوضات والكلمات المتبادلة عن نية ألمانيا الدخول بثقلها فى علاقة اقتصادية وسياسية لمصلحة الطرفين . ولا أظن ان هناك فى الكرة الأرضية من لايعرف الموارد التى يذخر بها السودان ولا الامكانيات المادية والتكنولوجية لدى الطرف الألماني.
عبدالمنعم عثمان
[email protected]

‫2 تعليقات

  1. صدقت في تحليلك مائه في المائة ، و ذلك ان القرن القادم هو قرن من يملك مصادر الغذاء . و السودان هباه الله موارد طبيعيه متنوعه و قيمه من ثروه حيوانيه و معدنيه و ثروه غابيه و ثروه مائيه و ثروه اختلاف نباتي رهيب بسبب تعدد مناخي عجيب من استوائية و شبه استوائية و مناخ سافني و مناخ شبه صحراوي و اراضي زراعيه شاسعه مترامية علي امتداد هذا التنوع الزاخر العجيب و بتنوع نباتي عجيب بجانب موارد مائية عديده و روافد و فروع عديده للنيل بجانب انهار موسميه عديده و مياه ارتوازية غنيه و امطار كثيفه و اراضي خصبه بالملايين الأفدنة مستويه قليله التكلفة الاصلاحيه و ذات قدرات انباتيه عجيبه مع مخصبات طبيعيه صحيه يسيل لها لعاب الأوربيين بسبب المنتجات العضوية المرغوبة دوليًا ، بجانب الموقع الجيوبولوتيكي العجيب الرابط بين القارات و بين شعوب عديده و عمق جغرافي و ديموغرافي عجيب لتكتلات سكانيه عديده لأكثر من خمسمائة أصول انثروبولوجيه عجيبه و لروابطها العميقه الي داخل قلب أفريقيا من جهه و الي داخل الدول العربيه و الاسيويه من جهه اخري و التي قد تجعل من السودان اقوي مركز من مراكز الاقتصاد العالمي و ذات نفوذ مذهل و ذلك كله للقبول و الوعي الشعبي الجمعي المعمقه بقيم انسانيه نبيله الذي يمتاز به السودانيين و تقبلهم للغرباء خلافا لدول عربيه و افريقيه عديده مما يعزز من مكانته ليصبح قلب اتحاد دولي لكتله الولايات الافروعربيه العظمي في مستقبل قريب بما يملكه من إمكانيات تعزز له فرص الجلوس علي هذا العرش بجداره . فالسودان معروف منذ القدم بتلك الإمكانيات و الأكثر الشعوب درايه بتلك الأسرار عن السودان هم الانجليز و لكن لسوء طالعهم نظرتهم كانت استغلالية و استعماريه اكثر و ثم انتقلت هذه النظرة الضيغه الي أمريكيان باعتبار امريكا ابنه بريطانيا العظمي أصلا و نمت علي أنقاضها ، لذلك الأمريكان نقلوا من الانجليز النظرة الاستغلالية خارج النديه و كانوا وراء نكبات سودانيه عديده لتركيع السودان لقبول الاستغلال لمواردها من وجه نظر استعماري صرف . لكن ألمانيا كانت فعلا الصديق الوفي للسودان منذ القدم منذ الحرب العالميه الاولي حينما حاولت الدخول السودان مرات عديده تم صدها بمؤامرات انجليزية ، في وقت الانجليز كانوا يشوشون علي السودانيين لابعاد الألمان عنهم بينما الألمان كانوا جادين بالوقوف مع السودان حتي بعد الاستقلال عن الانجليز غير ان مثقفي الثقافة الإنجليزية ما زالوا يتبعون نفس النظرة الإنجليزية حيال الألمان مما افقد السودان فرص عديده للنهضة و التطور . و هذه الحقيقة يعرفه الكثيرون في السودان و بالذات في غرب السودان في كل من دارفور و الكردفان حيث هناك العديد من المساعدات الالمانيه و مشاريع كادت ان تقام لولا الحروب الأهلية المفبركه لاغلاق مناطق من التدخل الألماني . و في منطقه سلارا بجبال النوبه هناك قبيله النيمانق ما زالوا يطلقون علي أنفسهم جيرمان و احيانا الألمان من شده إعجابهم بالألمان و هناك قصص عجيبه خلف تسميتهم هذه ، لا يسع مجال لذكرهم هنا . فالخلاصة ان الألمان صادقون في صداقتهم للسودان خلاف الانجليز و الأمريكان و الذين لا يرون من السودان الا تلك الحديقه الخلفية الذي يحجزونه لأجيالهم القادمة . لذلك نطالب الحكومه و باسم الثوره الشعبيه المجيدة بان تتعامل مع المانيا بجديه و هي ستخرج السودان من هذه الورطة الاقتصادية المصنعة من دول شعوب لا ترد للسودان خيرا .

  2. نتوقع الدعم الكبير في اتجاه التعليم التقني و الفني المدرسي و في الداخل تقنين الصناعة الحرفية و التأسيس لها ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..