«عيد الجيران» الكندي يبدأ بلقمة عيش وينتهي بتعارف وتعايش

تتفشّى في المجتمع الكندي نزعة فردية، يكون فيها المرء محور النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية وغيرها. ويتجلّى هذا النزوع الفردي في غياب العلاقات الاجتماعية بين سكان الحي الواحد. ينعزل بعضهم عن بعض، ضمن حدود مصطنعة. فالجار يتجاهل جاره وتندر بينهما التحيات والزيارات المتبادلة حتى في الأفراح والأتراح، وكأن كلاً منهما يعيش في كوكب مختلف عن الآخر.

وتلافياً لهذه «الظاهرة المرضية ذات المنشأ الرأسمالي»، والتي تنسحب تداعياتها على مجمل النسيج الإجتماعي الكندي، شهدت أحياء كثيرة ظاهرة مغايرة تجلّت في إقامة «عيد الجيران» الهادف إلى توطيد أواصر العلاقة بين مكوّنات المجتمع على شدّة تنوعه الإثني والثقافي. وتعاونت البلديات ومنظمات المجتمع المدني في تنظيم حملات توعية وإرشاد وتثقيف ترمي إلى إيجاد أجواء من المحبة والإلفة والتعاون والتضامن، وتقريب السكان وعائلات الأحياء بعضهم من بعض.

يتحوّل «عيد الجيران»، الذي تحتفل به مقاطعة كيبيك غداً، مهرجاناً شعبياً يضجّ بنشاطات متنوّعة فكاهية وترفيهية وثقافية. ويشارك فيه سكان الأحياء كباراً وصغاراً. وتختصر الناطقة باسمه إليز ماركيز أجواءه الاحتفالية «بتعزيز المواطنة وتأصيل فكرة الانتماء وتسهيل عملية الاندماج والتسامح والتعايش الحضاري».

ويجرى الاحتفال بهذه المناسبة في حدائق الحي والحدائق العامة. وتتركّز النشاطات فيها في شكل أساسي على عروض لمختلف أنواع المطابخ والأطعمة الأفريقية والآسيوية والأوروبية والشرق أوسطية. ويتهافت الجيران على تذوّق الأطعمة والتعرف إلى طريقة تحضيرها ومكوّناتها ومميزاتها الصحية. فمفتاح التعارف بهذا العيد «قد يكون لقمة»، على حد قول هيلين بينيت إحدى المشاركات بالمناسبة.

وتعمّ المظاهر الاحتفالية الأحياء المجاورة، ولا تقتصر على فئة من دون أخرى. وهناك من يتوجّه إلى الألعاب الرياضية أو ينهمك لتجاذب أطراف الحديث في مواضيع مختلفة، ومنهم من ينشغل بتحضير الطعام أو بتذوّق بعض الأصناف أو بتوزيع المشروبات، ومنهم من يأخذ قسطاً من الراحة تحت اشعة الشمس.

عيد الجيران مناسبة سنوية لا للتعارف بين أبناء الحي الواحد فحسب، وإنما لجلوسهم جنباً الى جنب. ولا فارق بين كندي ومهاجر أو امرأة سافرة أو محجّبة أو تاجر أو عامل أو مالك أو مستأجر. فالفوارق الطبقية والاجتماعية والثقافية ومشاعر العنصرية تكاد تختفي تماماً، لتسود محلها روابط الإلفة والمحبة والتسامح. كما تسود روح «الجماعة» على «الأنا» الفردية، وكأن الجميع يعيش في ظلّ «هيئة أمم وشعوب مصغّرة يتحاور أفرادها بألسنة متعددة، ويتعرّفون إلى «الآخر المختلف»، من دون خلفيات فكرية أو ثقافية أو أحكام مسبقة.

باختصار يبقى هذا العيد السنوي فرصة مثالية لإعادة اللحمة إلى الأجواء العائلية المفقودة، وتمضية فسحة من الوقت يسودها الفرح وراحة البال والطمأنينة، بعيداً من مشاعر العزلة والتهميش وغيرها من منغّصات الحياة اليومية.

الحياة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..