البنسلين يا تمرجي

من قبل أن يعرف السودان البترول والذهب وديكتاتورية الجبهة الإسلامية،كان العلاج والدواء مجاناً في المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية،وحكى لي زميلنا الدكتور محمد هلال أنه لما كان بمستشفى وادي حلفا في أقصى الشمال،كان الدواء يشحن لهم بالقطار من الإمدادات الطبية بالخرطوم،وفق برمجة تعتمد على مخزوناتهم بالمستشفى حتى لا ينقطع الدواء،وكل المعدات الطبية كانت تصلهم في وقتها المحدد،وللمستشفيات اعتماداتها المالية للصيانة أو التوسع في المباني،وأجور الدكاترة تكفيهم وتزيد حتى يتفرغوا لمهنتهم،وكذا أجور الكوادر الصحية الأخرى..آنذاك كان المصدر الأساسي لتمويل الميزانية هو القطن الذي يزرع في مشروع الجزيرة والصمغ العربي وصادرات الجلود ومنتجاتها .
وجاء الإنقلاب العسكري في 1989،وبحجة ثورة الإنقاذ الصحي المتطابقة مع شروط وأوامر صندوق النقد الدولي سحبت مجانية العلاج والدواء،وفرضت على الناس أن يدفعوا الثمن،وأنشأت الصيدليات الشعبية بديلاً عن صيدليات المستشفيات الحكومية والتي أفرغت من الدواء.
ومع ذلك ظلت المستشفيات القديمة في الخرطوم وامدرمان وبحري ملجأ الفقراء الذين يقصدون أقسام الحوادث طمعاً في علاج رخيص الثمن،ولكن الطفيلية كانت لهم بالمرصاد،فصدر قرار جمهوري بأيلولة المستشفيات العامة للوزارات الولائية،وشهدنا في الخرطوم تجفيف وتشليع المستشفيات وضرب الأطباء والممرضين والسسترات بالبمبان والعصي داخل مكان عملهم عندما سيروا المواكب احتجاجاً على هذه المؤامرة.
وفرض التأمين الصحي بقرار جمهوري،كيما تنتزع أموال الناس قسراً بحجة معالجتهم فلا يجدون العلاج في أي مرفق،ومعظم الأدوية التي يحتاجونها خارج التأمين .
وتم تحويل هيئة الإمدادات الطبية إلي صندوق تجاري،والسمسرة سيدة الموقف،ومن ضمن ما جاء في قانونه الجديد أنه يحق للصندوق أن يستورد الأدوية وإن كانت غير مسجلة قانوناً بالسودان،ومعناها وإن كانت غير مطابقة للمواصفات،وإن كانت ضارة بصحة المواطن السوداني..فدخلت الرأسمالية الطفيلية إلي سوق الدواء من أوسع أبوابه.
ولم ينس بنك السودان دوره في هذه المهزلة فتم إلغاء المنشورات الخاصة بتخصيص سعر خاص للدولار الدوائي،ومعناها يا شركات الدواء اذهبي للسوق الأسود وافرضي السعر الذي تريدين على الدواء،وهذا ما حدث،وارتفعت أسعار الدواء بدرجة كبيرة وازدهر معها السوق الأسود للدولار .
والنتيجة إرتفاع معدل الوفيات،والنتيجة إنتشار الأوبئة،وكثرة العاجزين عن شراء الوصفات الدوائية،وكم من مريض أو مريضة صعد في حافلة ركاب يتسول الناس رسوم العملية أو تكلفة بخاخ الأزمة،وبينما يحدث هذا ترتفع أرباح المستوصفات الخاصة،بارتفاع تكاليف الفحوصات والمقابلات وسعر الأشعة وسعر الغرفة.
واقلب الصفحة لتجد الكليات الطبية المملوكة للسدنة وهي تقبل الطلاب بنسب متدنية والحاسم في الأمر فقط دفع القروش،واقلب الصفحة لتجد الجملة المعهودة(لا توجد وظائف)معلقة على أبواب وزارات الصحة المركزية والولائية،وفرضوا على نواب الإخصائيين أن يدفعوا ثمناً لقاء عملهم بالمستشفيات أما أطباء الإمتياز فهم عاطلون عن العمل إلي حين إشعار آخر.
طريق المقاومة وانتزاع الحقوق يقلب هذه المعادلة.هيا إلي الإنتفاضة .
Like
الدواء نفسه بعد ارتفاع اسعاره سيظل في الرفوف في الصيدليات لعجز الناس عن شراءه واتجاههم إلى بدائل شعبية أو أن يأتيهم الدواء من أقاربهم في السعودية أو مكان آخر وعندما تنتهي مدة الدواء أو تقارب نهايتها لن يستطيع الصيدلاني أن يبيعه مفروشاً على الأرض بسعر أقل كما هو الأمر مع أغذية الكيزان التي قاربت نهاية صلاحيتها ولم يتم شراءها فإما أن يخسروا الصيادلة بإعدام الدواء أو إلصاق تاريخ صلاحية مزيف على الدواء وبيعه للمرضى حتى يهلكوا بالدواء والمرض معاً، ولا نتوقع محاكمة لصيدلاني فعل ذلك فصعب جداً إثبات جريمته الناتجة عن جريمة الطغمة الحاكمة المتمثلة في رفع أسعار الدولار وعدم توفير العملة الصعبة لشراء الدواء – لا بل واستيلاء بعضهم على ملايين الدولارات المخصصة للدواء ولم يسألهم عن ذلك سائل ولم يتم استعادة ولا حتى ألف دولار فقط من دولارات الدواء ولا نتوقع عدلاً في ظل نظام ظالم!
الدواء نفسه بعد ارتفاع اسعاره سيظل في الرفوف في الصيدليات لعجز الناس عن شراءه واتجاههم إلى بدائل شعبية أو أن يأتيهم الدواء من أقاربهم في السعودية أو مكان آخر وعندما تنتهي مدة الدواء أو تقارب نهايتها لن يستطيع الصيدلاني أن يبيعه مفروشاً على الأرض بسعر أقل كما هو الأمر مع أغذية الكيزان التي قاربت نهاية صلاحيتها ولم يتم شراءها فإما أن يخسروا الصيادلة بإعدام الدواء أو إلصاق تاريخ صلاحية مزيف على الدواء وبيعه للمرضى حتى يهلكوا بالدواء والمرض معاً، ولا نتوقع محاكمة لصيدلاني فعل ذلك فصعب جداً إثبات جريمته الناتجة عن جريمة الطغمة الحاكمة المتمثلة في رفع أسعار الدولار وعدم توفير العملة الصعبة لشراء الدواء – لا بل واستيلاء بعضهم على ملايين الدولارات المخصصة للدواء ولم يسألهم عن ذلك سائل ولم يتم استعادة ولا حتى ألف دولار فقط من دولارات الدواء ولا نتوقع عدلاً في ظل نظام ظالم!