الاوضاع الانسانية فى السودان ….. الواقع والحلول

عمر محمد الحسن الجزولى
المجتمع الدولى يتحدث عن فتح الممرات الانسانية لتوصيل المساعدات الانسانية ، بعيدا عن الاهداف والاجندة الخفية للمجتمع الدولى نجد ان المساعدات التى يتم تقديمها غير كافية وغير ملائمة وانها تصل الى عدد محدود من المواطنين المحتاجين مقارنة بالعدد الكلى. نظرة سريعة الى الدعم المقدم من المنظمات الدولية وبرنامج الغذاء العالمى منذ بدء الحرب تؤكد ذلك. سلة المواد الغذائية التى قدمها برنامج الغذاء العالمى وسيستمر فى تقديمها للفرد الواحد تشتمل على:
1. 450 جرام من الذرة
2. 25 جرام من زيت الطعام.
3. 15 جرام عدس
4. 5 جرامات ملح.
هذه هى سلة الغذاء التى تمنع الجوع والتى ملأ برنامج الغذاء العالمى والمنظمات الدولية من اجلها الدنيا ضجيج. بينما نجد ان العائلة تحصل على 180 الف جنيه سودانى فى حالة استبدال المساعدات العينية بمساعدات نقدية. والعائلة ليست هى الاسرة فتعريف العائلة هو الافراد الذين يتناولون ويعدونه فى نفس المطبخ (مطبخ مشترك). المعروف ان الاسر النازحة تسكن فى مجموعات تشمل الاخوان وزوجاتهم وابناءهم واحفادهم فمتوسط عدد افراد العائلة الذى اعتمدته الامم المتحدة وهو 6 افراد غير صحيح وكانت نتيجته التقدير المنخفض لقيمة المساعدة النقدية. المساعدات النقدية تقدم لمدة ثلاثة اشهر فقط لكن فى معظم الاحيان تكون لشهر واحد فقط. كما ان هناك تفاوت كبير بين المنظمات فى مقدار المساعدة النقدية.
ضعف المساعدات وعدم كفايتها وملائمتها يرتبط بشكل اساسى بضعف التمويل وضعف استجابة المانحين واهدار المنظمات مواردها فى الصرف على الموظفيين الدوليين الى جانب المهددات الامنية المرتبطة بوجود الدعم السريع
وتعديه على موارد المنظمات وتعدى الحكومة على استقلاية المنظمات وتقييد حركتها.
فى بيان صادر من اللجنة الدولية للانقاذ فى مارس من هذا العام نجد ان المجتمع الدولى وفر فقط 5% من الاعتمادات المالية المطلوبة لتغطية الاحتياجات الانية للمتأثرين بالحرب فى السودان وان العجز يبلغ 2.56 مليار دولار اما مكتب تنسيق المساعدات الانسانية اوشا فقد نشر فى موقعه ان العجز يبلغ 1.8 مليار دولار و ان 31% من الاحتياجات تمت تغطيتها.
رغم بؤس المساعدات المقدمة وضعفها من حيث الجودة وعدم كفايتها من حيث الكمية نجد ان المنظمات قدمت مساعدات لحوالى 35% من المستهدفين فى خطة المساعدات الانسانية التى تم اعدادها فى شهر يناير 2024م. فقط 5.2 مليون من جملة 14.9 مليون شخص المتأرين بالحرب فى ذلك الوقت ، علما بأن عدد المحتاجيين لمساعدات قد ارتفع الى 25 مليون بنهاية شهر يونيو 2024م. هنا لا بد من الاشارة الى ان 2.5 مليون شخص فقط قد تحصلوا على مساعدات غذائية بينما تلقى البقية مساعدات فى قطاع المياه وصحاح البئية والصحة.
عدم ترشيد الصرف والصرف البذخى على الموظفيين الدوليين. المئات من الموظفيين الدوليين يقبعون اما فى نيروبى او بورسودان يعملون عن بعد ولا يفعلون شئيا سوى تقديم التوجيهات بينما يستأثرون على الجزء الاعظم من ميزانيات المنظمات حيث يتمتعون بعشرات الامتيازات وتتراوح كلفة الموظف الواحد شهريا ما بين 5 الف دولار الى 8 الف دولار فى المنظمات الدولية و 9 الف دولار الى 25 الف دولار فى وكالات الامم المتحدة رغم انه فى احيان كثيرة يشغلون وظائف يمكن ان يشغلها موظفيين محليون ويديرون نشاطها بكفاءة. نجد ان المنظمات التى تملأ الدنيا ضجيجا عن المجاعة قد قامت بتسريح موظفيها السودانيين عند اندلاع الحرب ثم اعادت تعينهم لاحقا. فقد سرح برنامج الغذاء العالمى كل موظفيه فى نوفمبر من العام الفائت وكذلك فعلت المفوضية العامة لشؤون اللاجئيين لكن الادهى والامر ان كلا المنظمتين احتفظت بالموظفيين الدوليين. علما بانه منذ اندلاع الحرب قتل 27 موظفى سودانى وجرح 31 وتعرض 7 للخطف بينما جرح فقط 4 من الموظفيين الدوليين.
المهدد الامنى لا يقتصر على الموظفيين فقد خسرت المنظمات والامم المتحدة اصولها فى ولايات دارفور والجزيرة والخرطوم وسنار نتيجة هذه الحرب. نجد ان العشرات ان لم تكن المئات من مخازن المنظمات والامم المتحدة قد تعرضت للنهب وتم سرقت اكثر من 200 عربة مملوكة للمنظمات الدولية والامم المتحدة. تجدر الاشارة الى ان معظم هذه الحوداث كانت فى مناطق سيطرة الدعم السريع. بالمقابل نجد ان المنظمات الدولية فى اماكن سيطرة الحكومة تتعرض للمضايقات التى تتراوح ما بين الاستدعاء ، الاعتقال للموظفيين الى تأخير المصادقة على الاتفاقيات الفنية والحصول على اذونات التحرك لانجاز الاعمال الروتينية اليومية حيث يجب ان تصادق عليه مفوضية العون الانسانى وجهاز الامن والاستخبارات العسكرية فى كل الولايات بما فيها الولايات الامنة وتعتبر ولاية القضارف هى الاسوأ من بين تلك الولايات.
وجود الدعم السريع وانتشاره فى المناطق الريفية والتعدي على حقول ومخازن المزارعين هو السبب الرئيسى وراء تدهور الامن الغذائى ومسبب رئيسى للمجاعة. فالعنف الغير مبرر والنهب السبب الرئيسى الذى دفع المزارعين لهجر قراهم ومناطقهم ومنعهم من حصاد حقولهم خلال الموسم الشتوى الفائت وعدم زراعتها خلال هذا الموسم (الصيفى).
على ضوء الخلفية نخلص الى الاتى :
• المساعدات المقدمة غير كافية من حيث الكمية وفقيرة من حيث النوعية ولا تلبى احتياجات المتاثرين بالحرب.
• المجتمع الدولى ليس لديه الاستعداد والارادة لتوفير الموارد اللازمة لتغطية احتياجات المتضررين من الحرب.
• تعدى الدعم السريع على ممتلكات واصول المنظمات الانسانية والامم المتحدة اضعف المنظمات ومنعها من تقديم المساعدات اللازمة فى دارفور وغيرها.
• تعنت وبروقراطية الحكومة والجيش فى الولايات الامنة اعاق عمل المنظمات وادى الى بطء استجابتها واهدار مواردها نتيجة لفساد وابتزاز بعض موظفى الدولة فى العديد من الولاية.
• تواجد الدعم السريع فى المناطق الريفية والقرى يهدد الامن الغذائى والموسم السريع ويؤدى لافقار المزارعين وتهجيرهم من مناطق الانتاج.
• اهدار موارد ضخمة على الموظفيين الاجانب الذين يعيشون فى نيروبى لاسياب تتعلق بالسلامة او نتيجة لعدم حصولهم على تاشيرات. المئات من موظى المنظمات والامم المتحدة يعملون عن بعد. الصرف على هؤلاء الموظفيين يكون خصما على الموارد المتاحة لمساعدة المتأثرين بالحرب فهو اهدار للموارد وعدم ترشيد لاستخدامها.
الحديث عن فتح الممرات الانسانية لمرور الاغاثة ينطوى على العديد من الاجندة السياسية والعسكرية كما انه لن يكون عمليا وقابل للتنفيذ وذا جدوى فى ظل استمرار الحرب. على سبيل المثال وصلت مئات الاطنان من المساعدات الانسانية الى دارفور عبر معبر الطينة من تشاد ولكن لم تصل الى الفاشر بسبب القتال الدائر لذا يجب اعطاء الاولوية لايقاف الحرب. اما على المدى القريب فيجب:
• الضغط على الدعم السريع للخروج من المناطق الريفية الخالية من اى وجود عسكرى وعدم التعرض للمزارعين.
• الضغط على الحكومة لتسهيل حركة موظفى المنظمات وانسياب المساعدات وعدم التدخل فى نشاطهم.
• التواصل مع المانحيين لتوفير التمويل اللازم والتنويه بضرورة تقديم المساعدة الكافية والملائمة وتوطين العمل الانسانى بالاعتماد على الموظفيين السودانيين والمنظات المحلية لضمان وصول المساعدات وعدم اهدار الموارد الشحيحة فى الصرف على الموظفيين الدوليين.
المصادر :
1. IRC warns unfettered humanitarian access and scale-up of funding needed to avert catastrophic hunger crisis in Sudan – Sudan | ReliefWeb
2. Cash Working Group Sudan: Multipurpose Cash Assistance (MPCA) Guidance Note for the Sudan interim Minimum Expenditure Basket (MEB 2023) and setting of Transfer Value (TV) – May, 2024 | OCHA (unocha.org)
3. Sudan | OCHA (unocha.org)
4. Security incident data | Aid Worker Security Database
5. Sudan | Situation Reports (unocha.org).




شكرا على المقال