أخبار السودان

لم يتبق من مراسيم تشيع النظام الحالي سوى دفن جثته ومواراة ملحقاته الثرى.. مجرد التفكير في العودة لحوار النظام يعتبر جريمة

تيسير حسن إدريس

الذين ظلموا أنفسهم وشعبهم دعوة للصدق مع الذات!

المبتدأ:

لم يتبق من مراسيم تشيع النظام الحالي سوى دفن جثته ومواراة ملحقاته الثرى، عبر انتفاضة شعبية تعيد الأمور إلى نصابها، وتعالج عوار المشهد السياسي برمته، بما في ذلك عوار بعض قوى المعارضة غير الأمينة التي ظلت تتاجر بقضايا الجماهير، تأكل على مائدة النظام ليلا طمعًا في تسوية، وتصلي الفجر مع الشعب طمعًا في تغيير لا تريد دفع فاتورة استحقاقاته.
والخبر:
(1)
ما انفك بعض من الذين ظلموا أنفسهم وشعبهم يروجون لمهزلة الحوار؛ ويحلمون بإمكانية تخلي النظام طوعًا عن غطرسته وإعادة الحقوق التي اغتصبها كرها من الشعب ذات انقلاب عبوس، وقد كان بالإمكان إحسان الظنِّ في مثل هذا الطرح وأهله لو أبدى النظام الباغي في لحظة طوال فترة حكمه أدنى اهتمام برغبتهم؛ ولكن أن يظلوا بعد كل هذا التجاهل والتمنع من قبله مصرين على طرحه فذاك يستوجب وقفةً يبحث فيها المرءُ عن كنه الأمر دون المساس بحقهم في الحلم وانتظار (غودو)، فقد يأتي بعد ربع قرن آخر من زمان الغفلة مكذبًا لافتراءاتنا ؛ ولما العجلة ما دام فاتورة عجز المعارضة يسددها بؤساءٌ، مازالوا منذ عشرات السنين يفترشون الأرضَ، ويلتحفونَ السماءَ، عراةً حفاةً تمطرُهم سابحات السلطة الحضارية ما تيسَّر من براميل حارقة معبأة بسقر لا تسمع دويها مدن الصمت الذليل.

(2)
مخطئٌ من ظنَّ أن إثمَ النظام الإسلاموي الأعظم قد تمثَّل في إضعاف الأحزاب وتهشيمها فقط، فقد اتَّضح أنَّه كان أكثرَ ذكاءً وأذًى من ذلك وهو يخترقها، ويخلق داخلها تيارات تعينه على البقاء في السلطة، والاستمرار في الحكم، منها ما هو عميل تربطه مصالح ويدري ما يفعل، وآخر يساعد على بقاء النظام بنشر الفزع والجزع وسط الجماهير من المواجهة بحجة شراسة النظام، وعدم توفر البديل تارة، وتارة أخرى بحجة الخوف من انهيار الدولة، أمَّا الأخير الذي لم يجدْ مفرًا من خيبته سوى الركون إلى مقولات عدم نضوج الظروف (الذاتية والموضوعية)، وعدم نضوج شروط (الأزمة الثورية) التي اجتزأها وأخرجها عمدًا من سياقها النظري، ففيه تتجلى مأساة قوى المعارضة ويتعرَّى بؤسُها للعيان.
(3)
إنَّ المقولاتِ الفلسفيةِ حمَّالاتُ أوجهٍ، ومثلما يمكن أن تكونَ منهجَ تحليل يساعد على قراءة الواقع واستنهاض الجماهير وحشدها في طريق الثورة، يمكن أيضًا إذا ما أُخرِجت عن سياقها العام أن تتحول لكوابح معطلة لحراك التغيير، فمقولات ضرورة نضوج الظرف (الذاتي والموضوعي) وإنضاج شروط (الأزمة الثورية) على الرغم من مصداقيتها وأساسها النظري السليم إلا أن هذه الشروط الواجب إنضاجها ليست ثمرةً على شجرة في غابة ينام الفرد ويصحو ليجدها ناضحةً فيقطفُها، ولا هي أقدارٌ تتنزل من السماء فيتلقفُها حامدًا شاكرًا؛ بل تنضجُ على جمر التجارب النضالية الحقيقية وسط الجماهير التي تستمِدُّ وعيَها وقوةَ دفعها الثوري من تنظيماتِها وأحزابِها السياسية.
(4)
ومعلوم أيضًا أن التغيير (حتمية تاريخية) لكن ما يحاول البعض تجاهله هو صيرورة الحراك الثوري التي تؤثر عليه جملة من العوامل تعجل أو تأجل حتف انتقاله الحلقي من حلقة إلى أخرى، وهو ما يناقض قدريته المطلقة التي يحاول أن يشيعها أصحاب الغرض ويعلي من كعب تلك العوامل المؤثرة، والتي من أهمها دور الأطر المنظمة لحياة المجتمع من أحزاب سياسية ومنظمات مدنية في نشر الوعي، وحشد الجماهير وقيادتها في مراحل نضالها المختلفة؛ ومن هنا تنبثق أهمية الانتماء، ويأخذ أبعاده العملية، وحالما تخفق هذه الأطر السياسية في لعب الدور المحفز والمفجر لطاقات الجماهير، تكون فقدت مبرر وجودها، وغدت تجمعات بلا هدف، من الأجدى اعتزالها وترك (الحتمية التاريخ) تفعل فعلها في إنضاج شروط التغيير ولا داعي لرهق الانتماء أو النضال، ويكفي الفكر الثوري شرف أن تستمد من دفاتره العتيقة مقولات تخدر الجماهير وتصبرها على تحمل الأذى، وتستقى تبريرات تحفظ ماء وجه ثوار (المهلة) ومحطات الانتظار!!.
(5)
التنظيم السياسي الذي تختل معادلة الحقوق والواجبات فيه يفقد فاعليته، ويغدو إطار هلامي من قواعد عاطلة، وقيادة متبطلة تتكسب من الهتاف الأجوف، وتمارس أرذل أنواع خداع الجماهير، مثل هذه التنظيمات لا يمكن أن تلعب دورا إيجابيا في حياة شعوبها ؛ بل تظل تنتظر وترقب دون حراك (الصدفة) لتهرول خلفها، وتمتطي ظهر الجماهير طمعا في مجد نصر لم تصنعه، ووصولا لسدة حكم تظن أنها الأحق به، متجاهلة العلاقة الجدلية بين الأسباب والنتائج، هذه الممارسة ربما كانت مقبولة في فترات ماضية، وشهد المواطن السوداني بالفعل شيئا منها خلال الثورتين السابقتين، بيد أنها اليوم لم تعد كذلك بحكم تراكم التجربة واندياح الوعي في أوساط الأجيال الجديدة، ومن يصر على ممارستها بعد الآن ستركله الجماهير كما ستركل النظام الحالي؛ ويبقى المستقبل ورسم معالم المشهد السياسي القادم بيد التنظيمات والأحزاب التي صدقت الجماهير وتقدمت الصفوف منافحة عن قضاياها.

(6)
إن مجرد التفكير في العودة لحوار النظام الذي تمنع طوال ربع قرن يعد جريمة في حق ضحاياه الذين عبدوا طريق الانعتاق من الظلم بدمائهم ، فلا وقت لمهادنة نظام لا يرعوي، وقد مضى زمن التسويات الرمادية والحلول المجتزأة، وحان وقت التغيير، وقوى نداء السودان التي قطعت عهدا بأن قيام الانتخابات يعني طي ملف الحوار نهائيا، والاتجاه نحو خيار إسقاط النظام؛ وتعهدت على لسان قادتها بأن الحوار “القومي الدستوري” المطروح من قبلها هو حوار “الفرصة الأخيرة” وأن مقررات مؤتمر (برلين) ستنتهي صلاحيتها إذا ما مدد البشير لنفسه عبر انتخابات مزورة عليها الوفاء بوعودها والتزاماتها لجماهيرها والمضي قدما نحو خيار الانتفاضة حفاظا على كرامتها وماء وجهها.

(7)
فالمنطق السياسي والأخلاقي يفرض على قوى المعارضة الانتقال لخيار إسقاط النظام، وإلجام ألسن بعض قادتها الذين يصرحون بتصريحات يشتم منها رائحة الخنوع، والرغبة في العودة لمنصة الحوار من جديد، وإلا ستفقد ما تبقى من ثقة الجماهير، وتغدو مسخرة الشارع والنظام معا؛ إن ما يتناثر هنا وهناك من تصريحات على لسان بعض قادة الفصائل المعارضة عن إمكانية التسوية مع نظام رفضه الشارع السوداني وقاطع انتخاباته المزورة، يعني ببساطة إن هذه القيادات تتاجر بأوجاع الشعب وما خيار الانتفاضة الذي تلوح به سوى فظاعة تستغلها للضغط وصولا لتسوية أو مساومة مع النظام تنال بموجبها بعض من فتات كعكة السلطة؛ ولكن واهم من ظن أن مثل هذا الحل تقبله الجماهير التي قالت كلمتها وأسقطت فعليا النظام وأذنابه من حساباتها، وهي تقاطع الانتخابات الهزلية الأخيرة.
(8)
سيترك الشعبُ الصبورُ مَنْ يهرولُ مستجديًا الحوارَ لهرولته، ويذرَ من يحلمُ بإمكانية موافقة النظام على تفكيك نفسه لحلمه الورديِّ يضاجعه، أو يفاخذه كيف شاءَ، ويمضي نحوَ التغيير بعد أن شربَ من كأس الحواراتِ العقيمةِ حتى ارْتَوَى، واستمعَ لوعودِ الانتفاضة حتَّى صمتْ الشعاراتُ أذنيه، وهو في صبره الأيوبيِّ على الأذَى ما بين مطرقةِ النظام المتمنع وسندانِ المعارضة المتريثة، قد راكم من التجارب ما ينيرُ طريقَ الخلاصِ تشهدُ على ذلك تظاهراتُ الشبابِ في سبتمبر من عام 2013م، وتؤكدُه اعتصامات المدن والأرياف التي وصلتْ ذروتَهَا باعتصام (لقاوة) الباسلةِ، وتلك جميعُها دروسٌ مجانيةٌ في الوطنيةِ والفداءِ (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ([ق: 37] “صدق اللَّهُ العظيم” .
الديمقراطيةُ قادِمةٌ ورَاشِدَةٌ لا مَحَالَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُنَافِقُونَ.
تيسير حسن إدريس 02/05/2015م

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. (( مجرد التفكير في العودة لحوار النظام يعتبر جريمة ))
    سامع الكلام دا كويس ياالصادق المهدى ؟؟؟ شد حيلك .. لغاية الان انت كويس حسب موقفك الحالى .. اوعك تتفنس .. وخليك مع ارادة شعبك الذى استنكر خلعك عبر الدبابة وانت الرئيس الشرعى .. يارئيسنا الشرعى اوعك تتفنس وترتكب الجريمه كما سماها صاحب المقال ..وهى حقيقة .

  2. مبروك هذا هو القول الفصل الذي ينفذ من القلب ويستوعبه العقل علي الجماهير تجاوز قيادات الأحزاب البالية والنزول الي الشارع لدفع فاتورة التغيير ولو غيرت الدماء لون ماء نهر النيل

  3. يا السيد الصادق نحن الان كوبسين مالك ومال الحوار لقد اقتربت سا عة الصفر الناس ديل هم إلى مثواه الأخلاق الدفن اقترب

  4. دعو الاحلام و الاوهام فقد انتصر النظام سياسيا بقامة الانتخابات في موعدها و لو كانت مزورة المهم كامر واقع انتهت المرحلة بسلام
    كذلك نجح النظام في كسر شوكة اكبر حركة متمردة في دارفور
    اخفقت المعارضصة و المتمردين في تحقيق اي نصر سياسي او عسكري
    فشلت المعارضة في عمل الانتفاضة التي تحلم بها
    لم يبق امام المعارضة بشقيها الا الحوار
    لاول مرلة يحسن الامام الصادق المهدي قراءة الاوضاع و يعود للحوار
    النجاح الذي حققه تحالف السودان مع السعودية ضد الحوثي له ما بعده علي العلاقات الدولية للسودان
    لهذا و ذاك لا سبيل للمعارضة بشقيها الا الحوااااااار

  5. ادا وافق السيد الامام على اى نوع من الحوار يكون قد دفن ماضيه وحاضره ومستقبله السياسى وطعن الشعب السودانى من الخلف ولن نسامحه كشعب ابدا

  6. لا حوار ولا مصالحة مع النظام ان النظام الان بعد ان انكشفت ادعاءته الكاذبة بانه يملك شعبية كبيرة وتعرى تماما محليا واقليميا ودوليا يحاول جاهدا ان يغير من شكله ولكن الشعب راصدا له ولن يحقق له مايريد سواء بالحوار او ادعاء انتصارات كاذبة في ساحة الحرب الدافوروية او استمالة بعض الزعماء من الاحزاب القديمة زات الثقل القومي والديني وانه الان يوارى الثرى وقد هلك

  7. المشكلة السيد الصادق عندو ولدو مشترك مع النظام وهو محاسب من كل الجرايم الارتكبت في حق الشعب السوداني لذلك الصادق المهدي يحبذ الهبوط الناعم والتسويات علي التغيير عن طريق الانتفاضة ولكن الشعب قال كلمتو ولكن تظل جزء من احزاب المعارضة تلعب دور الحجاز والمتل السوداني بيقول الحجاز ليهو عكاز واسع نحنا بنقول البيفاوض ليهو المحاسبة ذيو وذي النظام في الحد السواء

  8. هذا النظام الضعيف المتهالك قد أثبت لنا فى مرات عديدة انه نمر من ورق لا قوة له امام المجابهات التى إختُبر فيها سوى ان كان عند هروبهم من ارض المعركة فى أم كرشولا و غيرها فى جنوب كردفان وتركه لأسلحته أو فى مجابهاته للمتظاهرين سلمياً فى سبتمبر 2013 ..

    المؤكد أن هذا النظام المستبد الفاسد سوف لن يترك السلطة طواعيةَ بل يجب إقتلاعه عنها عنوة بقوة السلاح لإنقاذ ماتبقى من وطن تم تدميره من نظام فاقد للقيم و للاخلاق ..

    هذه العصابة الحاكمة ومن لف حولها لا تفهم و لا تعرف سوى منطق القوه و البأس , بل هذا هو قولهم انفسهم فى مواقف كثيره “الدايرنا يقابلنا فى الميدان .. الداير يقلعنا يشيل سلاحو و يجينا” و غيرها من العنتريات التى لا تقتل زبابة ..
    فماذا تنتظر المعارضة و جماهيرها بعد أقوالهم هذه ؟؟

    لقد فات وقت الحوار مع هذا النظام المُراوغ و المُخادع و جاء وقت إقتلاعه عنوة و بقوة السلاح , ف شعب السودان ليس لديه مايخسره أكثر مما خسر ..

  9. لقد أصبح النظام أوهى من خيط العنكبوت :أرجو ألا نضيع الفرصة ونتمسك بحبل الحوار البالي المهترئ … النظام لا زال متشبث بكرسيه وخرج من الانتخابات الزائفة بانتصار كذوب, ولازال شعبنا يقاسي الحروب, حيث لا مناخ لحوار معطوب ,واسقاط النظام هو المطلوب : فلنسارع لانقاذ ما يمكن انقاذه حتى لا نضيع حق شعبنا المنكوب

  10. رغما عن محاولات قادة الوطني الاتيان بتصرفات طبيعية في محاولة لمداراة خيبتهم في الانتخابات التي اقاموها بدون الشعب والمعارضة الا ان تصرفاتهم تفضحهم حتى محاولاتهم التحدث كرجال دولة لم تكن موفقة وغير مرتبة وتنم عن ارتباك وخوف وهذا شئ طبيعي ائما مايخاف السارق من العقاب وقد سرق المؤتمر الوطني ارادة الشعب السوداني كما سرق اموال الشعب السوداني بالفساد والافساد وقبلها سرق السلطة من حكومة ديمقراطية بجانب العديد من الجرائم الفظيعة واحداها قتل شهداء سبتمبر 2013م
    لقد فعل المؤتمر الوطني ما يشاء ودون وازع من ضمير ولا اخلاق وبمنتهى الجلافة والفظاظة ولم يتبق الا الحساب والعقاب لذلك يمارس المؤتمر الوطني القمع والقتل والبطش ضد الشعب السوداني على امل ان لا ينتفض الشعب السوداني ويطيح بحلم الاخوان المسلمين الذي ظلوا يخططون طوال عقود للاستيلاء على السلطة والمال لذلك فهم يهربون من السجن والعقاب والاعدام والمصادرات للاموال المنهوبة
    ولكن هل من مفر؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..