الإسلاميون، من أريكة المعارضة إلى وحل ممارسة الحكم

بعد فترة وجيزة من ممارسة الحكم، وانقضاء فترة غير قصيرة من التغاضي الشعبي والهدنة التجريبية، بدأت تبدو جهارا للملأ بعض الإرهاصات لممارسة الإسلاميين للحكم لأول مرة في العصر الحديث.
بقلم: عبد الكريم رضا بن يخلف
سهل أن تعترض على السياسات المتبعة، وأن تندد بعلاقات معينة، وأن تصرخ ضد أخطاء محتملة، وأن تقف في وجه أوضاع غير محبوبة، وأنت على أريكة، غير مطلع على الأمور كلها، ولا مستشعر بالأشواك الكثيرة المنتشرة في طريق الممارسين الفعليين لمسؤولية تسيير أي بلد.
لما يكون تحت مسؤوليتك إطعام الملايين من مواطنيك، وكسوتهم وتحقيق أمنهم وسلامتهم، والسهر على ازدهارهم ورقيهم، سنرى فورة المعارض، وسنرى تحركه، وسنرى مبادئه، وسنرى مواقفه، أمام الضغوطات الدولية، والشروط الأجنبية، والوقائع الدبلوماسية، ليس من سمع كمن رأى.
الإسلاميون العرب، جزء لا يتجزأ من النسيج العربي، ولعله من أكثر التيارات تأثيرا على المجتمع العربي، وقد كان الضحية الأولى لقمع أنظمة عربية متسلطة عديدة، وهذا الأمر سهل عملية سيطرة الإسلاميين على أكثر من موقع وبلد من خلال أحداث الربيع العربي، بمصر وليبيا وتونس والمغرب، وهو يبدو مسيطرا على تأطير الثورة السورية.
وبعد فترة وجيزة من ممارسة الحكم، وانقضاء فترة غير قصيرة من التغاضي الشعبي والهدنة التجريبية، بدأت تبدو جهارا للملأ بعض الإرهاصات لممارسة الإسلاميين للحكم لأول مرة في العصر الحديث، وبعض العوائق الكئودة على طريق ممارسة حكمهم، نلملمها في ما يلي:
1) المساعدات الدولية الضرورية: إذا استثنينا ليبيا مع قلة سكانها ووفرة بترولها وغازها، تقع بلدان الربيع العربي الأخرى تحت رحمة القروض الأجنبية والمساعدات الاقتصادية الخارجية، سواء العربية أو الغربية، التي لا تأتي إلا بشروط اقتصادية واضحة، ومواقف سياسية جلية، ستضع الحكومات ذات التوجه الإسلامي في حرج أمام قواعدها، فهي مخيرة بين الثبات على المواقف وتضييع مساعدات ضرورية للبلد وبين الاستجابة للشروط والتعليمات والتنكر للوعود والمواقف المعلنة التي جلبت لهم كل ذلك التعاطف الشعبي.
2) الدولة المدنية والديمقراطية الضرورية: قد نستطيع أن نقول بدون شك أن الإسلاميين قد أخذوا على غرة من جراء أحداث الربيع العربي، فإما أنهم جروا إلى مواقع الحكم جرا ليوقعوهم في أفخاخ، وإما أن عطشا ما لمزاولة الحكم قد تغلب على تؤدة كان ينبغي أن يتحلوا بها، حيث نكاد نجزم أنه لم يكن هناك مشروع دولة واضح ورؤية جلية لمراحل الدولة المدنية ذات الأصول الإسلامية المعتمدة على الديمقراطية التي يعد التداول على السلطة، واحترام حقوق الإنسان والأقليات، واحترام حرية الرأي من أهم ركائزها، تأخر استصدار دستور أو المعارضة الشديدة ضده تعد أكبر الأوصاف للمستنقع الذي تقع فيه تلك الحكومات.
3) التعامل مع الإرهاب: الحركات الإسلامية التي استولت على الحكم في بلدان الربيع العربي تصنف عدلا في دائرة الحركات الإسلامية المعتدلة، إلا أن هذا لا ينفي أنها في مرحلة أولى استفادت من أصوات حركات إسلامية متطرفة، قد يكون بعض المتطرفين منها مناضلو أو مؤيدو تنظيمات إرهابية، ولقد حاولت الحكومات “الإسلامية” أن تحيد هؤلاء وأن توجههم إلى انتهاج العمل السياسي كما وقع في تونس أو مصر، ويبدو أنهم لم يوفقوا إلا قليلا، حيث فرضت على الإسلاميين “المعتدلين” مواجهة الإسلاميين “المتطرفين” في أكثر من بلد للربيع العربي، حيث اضطر هؤلاء على إنجاز “العمل القذر”، واستطاع الغرب أن يستنزف بطريقة ما قوة الإسلاميين وأن يصطاد بحجر واحد عصفورين.
4) القمع: أخطر ما يقع فيه المرء من ورطة هو أن ينتهج سياسة مواجهة قمعية لمعارضين، كان بالأمس القريب من أشد الناس تنديدا بها، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل التحول السريع للمرء من حيث موقعه في المعارضة إلى موقعه في الحكم.
5) عدم الانتقال من فكر الجماعة إلى فكر الدولة: وهذا الأمر يشكل الاتهام الأبرز لكثير من الحكومات الإسلامية من طرف معارضيهم، سواء في مصر باتهام مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين على التأثير في قرارات الدولة، أو في تونس باتهام الغنوشي بأنه يريد أن يكون المرشد الأعلى للدولة، والاعتماد على الانتماء الحزبي للتعيينات الإدارية والمسؤوليات سواء في الإعلام أو الوزارات أو السفارات أو أجهزة الشرطة والقضاء.
أظن أن على الإسلاميين عموما أن يعودوا إلى عهد المأثورات وزمن التربية العميقة كما تمنى ذلك الشيخ حسن البنا رحمه الله، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في أواخر عمره، في ظل الاختراق والانفلات والانعطاف الذي حصل والذي هو حاصل على أكثر من مناسبة، ولا بد للإسلاميين من إعادة تشكيل العقلية الإسلامية من جديد في ظل التحولات العديدة والمستجدات الكثيرة، كما تمنى على الإسلاميين يوما الشيخ محمد الغزالي رحمه الله. لعل خاتمتي تكون أبجدية لمن يريد فعلا أن يخدم وطنه وأمته ودينه، لا أظن أن التسرع ساعد يوما مشروعا ما، لا يهم إذا غرسنا وسقينا أن ينبت الحبٌ في حياتنا أو في حياة أحفادنا.
عبد الكريم رضا بن يخلف
كاتب صحفي
[email][email protected][/email] ميدل ايست أونلاين
ديل ناس ما بهمهم الا روحهم وبس الله ينتقم لينا منهم الفي السودان الجوعو البشر الاهي لا يجعل فيهم بركة