حكايتي مع الشابة الإنجليزية فانيسا أو الإنفجار الكوني العظيم/بيق بانق.. حلقة “10”

كانت الساعة الثامنة والنصف صباحاً، نزلت فانيسا إلى الأسفل ثم عادت مدت رأسها ممسكة بحافة الأدراج الخشبية، تناديني “بيبان الإفطار”. بيبان لقب خاص بي اشتقته فانيسا بتصرف من عبارة “بيق بانق” فأصبح الإسم الذي يناديني به الجميع في المنزل بما فيهم دانيس. عندما وضعت أول خطوة على الأرض رفعت جانيت يدها اليسرى من مفاتيح الة البيانو بينما هي في نهاية مقطوعة “مونلايت سوناتا”، نادت دانيس للقدوم إلى المائدة. كان دانيس ما يزال يلعب على الكمبيوتر.
فانيسا ومارغريتا مشغولتان بإعداد المائدة. جلس دانيس في الركن الأيمن من الطاولة الفسيحة، طولها ثلاثة أمتار وعرضها مترين مغلفة الحواف بشريط من الفضة الخالصة. جاءت جانيت أصلحت من وضع دانيس على المقعد الخاص بخفة وبراعة وجلست في الناحية الواقعة من أمامي مباشرة، ومارغريتا في الركن الأيسر بينما جلست فانيسا بيميني لصيقة بي يحتك كتفها الأيسر بكتفي الأيمن بشكل تلقائي ومكنيكي.

“أتحب الشاي بالحليب؟” سألتني مارغريتا كمقدمة للمزيد من التعارف بينما هي تصب الشاي السيلاني الأسود على كوب ثلثه من الحليب الساخن، أومأت برأسي “نعم، شكراً للطفك مدام”. ناولتني فانيسا برادي الشاي والحليب ثم شرعت في إعداد طبقها من شرائح الطماطم الحمراء المقلية والفطر المملح والفاصوليا المخبوزة و الخوخ المطهي والعسل الأسود والخبز المحمص مع نصف كوب من عصير البرتقال. قدمت لي فانيسا قطعة من الفطر المملح : “جرب هذه”، كانت في الحقيقة رديئة لكنني كذبت على سنة شروط اللحظة: “يممم لذيذة”، ثم أعددت طبقي من بياض البيض والنقانق والبودنج وقليل من السلطة الخضراء وقطعة واحدة من الخبز المحمص.

كانت مارغريتا فضولية بطريقة مكشوفة، واجهتني بعدة أسئلة روتينية، عادية لكنها مقلقة وسؤال واحد نوعي قبل أن أستطيع القيام بتكتيك مضاد بمساعدة عفوية من دانيس فاستفتيتها بصورة متكلفة في أمور السياسة البريطانية وتحديداً فيما يتعلق بالتعليم والصحة والضمان الإجتماعي عاقداً مقارنة بهولندا. وكنت أعرف سلفاً بواسطة فانيسا طبعاً، الخطوط العريضة لهموم واهتمامات مارغريتا العامة كما الخاصة والأسرية. كنت على يقين أن أموراً كثيرة ستكون سهلة وأفضل في علاقتي بفانيسا وبقية أفراد الأسرة إن لاقيت رضى أو إستحسان مارغريتا وكان حلمي أن أنال إعجابها وكان هو بالضبط ما خططت له بمساعدة موعية ودفع مرتب من فانيسا.

كانت جانيت جل الوقت صامتة، شبه محايدة، فقط كانت تهز رأسها استحساناً كلما سمعت مني ما يروقها تجاه أسئلة مارغريتا النازعة إلى الكشف عن خلفياتي الأكاديمية والمهنية وعاداتي وسلوكياتي في الحياة وقياس مستوى ذكائي الإجتماعي. كانت الأسئلة تبدو بسيطة ومبررة لكنها في غاية الدهاء وبعض المكر الخفي.

السؤال العادي لم يكن عادياً كان موجهاً لي وفانيسا بذات القدر: “كيف وأين التقيتما؟” ألقت مارغريتا بالسؤال على الطاولة ثم نظرت ناحيتي تنظر الإجابة متجاوزة فانيسا بنظراتها ، فأجابت فانيسا على وجه السرعة ممازحة نيابة عني وأصالة عن نفسها: “ألتقينا في السديم قبل البيق بانق”، ضحكت جانيت وأبدت مارغريتا دهشتها من كلام فانيسا: “أتمنى أن تتحلي ببعض الجدية”، “ماما، أنا جادة” قاطعتها مارغريتا بحزم: “إن كانت الإجابة عصية فلن أدخل أياً منكما السجن” ثم ألتفتت ناحيتي من جديد وبدت فكهة لأول مرة “ماذا فعلت بالبنت؟، لقد كانت منطقية في السابق”. ضحكنا أربعتنا وضحك أيضاً دانيس بشكل تلقائي ثم ترجل وجاء وقف بجانبي متسائلاً عن الألعاب التي أحب وعن أسماء لعيبة الكرة الإنجليز الشهيرين الذين أعرف كاشفاً عن معرفته الواسعة في الضد مني في مجال ألعاب الكمبيوتر و “البلي إستيشن” ولعيبة كرة القدم وكنت كما هو متوقع ومنطقي أعطيه الأولية في الاستماع والاستجابة متخذاً منه مهرباً من أي سؤال آخر ربما تباغتني به مارغريتا من المحتمل أن يعكر صفو الانتصارات النسبية التي حققتها في الجولات الأولى من مارثون التعارف القلق.

“أتريد المزيد من الشاي” لاطفتني جانيت بينما هي تطلب من دانيس إلزام موقعه من المائدة، صبت لي الشاي، أندس دانيس خلف مقعدي، شعرت بالملعقة التي يحملها تلتصق بظهري، كانت معطونة في العسل الأسود، بللت قميصي، لزمت الصبر، حتى أنقذتني فانيسا “ما هذا دانيس” وبخته في دلال ثم حملته على حجرها، سرعان ما رقد على بطني وساقاه على حجر فانيسا وهو يطلبني للعب معه بالخارج: “ستلعب معي الكرة على ضفة النهر؟”، “طبعاً سنفعل”، “وفانيسا معنا؟”، “طبعاً”. نهض دانيس دار عدة مرات حول المائدة، سقطت منه الملعقة على الأرض بجانب مارغريتا، أنحنى عليها فرفعتها مارغريتا قبل أن يصلها، قبلته على خده بصوت مسموع ثم أمرته بغسل يديه وفمه قبل أن تعطيه الملعقة من جديد ليضعها في حوض الغسيل.
لمست فانيسا قميصي من الخلف التصق أصبعها ببقعة النسيج المعطونة بالعسل وضعت أصبعها على لسانها: “اصبحت بطعم العسل”، صحكنا معاً، لم يعد هناك أحد غيرنا على المائدة. في اللحظة التي انتهينا عندها من وضع الأواني في الغسالة جاء دانيس بالكرة: “هيا بنا بيبان إلى النهر وانت أيضاً معنا فانيسا”.

يتواصل.. حكايتي مع الشابة الإنجليزية فانيسا أو الإنفجار الكوني العظيم/بيق بانق.. محمد جمال
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يبدو أن الرحلة شارفت على وصول الشاطئ.

    سؤال . كنت أتأمل حال فانيسا لو أنها كانت مسلمة.وحبست نفسها على زوجهافقط في رباط شرعي .هل كانت سوف تبدو في مثل هذه الحالة من السعادة؟ ويارترى هل سوف تهتم بنفسها هذاالاهتمام مع بيبان ؟ وهذا البيبان لو عنده زوجة أجمل من فانيسا هذه هل سوف يكون شهما معها بهذه الطريقة. يقوم الصبح يجيب فراشي الأسنان والأجبان بهذه الفرحة؟

    ( أن غايتو مع جماعتي بمشي أجيب الفرش وأطنطن :دا وكت يطلعوا فيه ؟ أس الدكاكين كلها مقفلة. نحن البارح ما كنا بر ما كان تقولي؟ حاجة تجيب الضغط. كل مرة فرشة فرشة . أس الفرشة دي ياريت تلمها للمرة الجاية . تجي تاني تقول لي فرشة من الصباح . حاجة تكره. كل مرة تقول لي فرشتي الزرقا ولا الحمرا) أجي داخل البيت أتصنع أنني عادي. وقلبي يغلي حتى الشاي ما عندي فيه رغبة .

    في الفرفشات المخرمجة مع المطلقات اللاتي ملهن أزواجهن وهن كرهن العيش معهم لدرجة كره الحياة كلها يتدفق أدرنالين أحيانا أحمر وأحيانا أبيض رقيق.

    سؤال لماذا يتوقف تدفق كل الأدرنالين والحليب بعد الرباط الشرعي.

    كنت أنا على وشك أن أسألها : هل سوف تظلين معي هكذا في حال تزوجنا؟؟؟؟

    ولا بعد شوية توريني نجوم النهار وتخليني زي المجنون أكوس الدكاكين من صبحك يا رحمن.

    ياريت نسمع إجابات صادقة.

  2. هوامش سردية :
    بالنسبة لي فأهمية هذه الحكاية هو تركيزها على وصف الحياة اليومية الأوربية في بريطانيا . وكلما جنحت القصة للوصف وهو في رأيي وصف صادق كلما اتسعت عيناي وشرعت أبحاث في طوايا التفاصيل لأرى إن كان الشيطان بداخلها أو أحد الملائكة بالطبع .
    الشاي بالحليب يشربه أيضا البرتقاليون وربما الإسبان بحكم الجوار الجغرافي والتاريخي . وإذا كنا رأينا في الحلقة الأولى من هذه الحكاية التي تغوص في لحظة ما أوربية أن الإنجليزي يشبه السوداني في الإسراف في الشراب على اختلاق مايشربانه من سموم سودانية قاتلة تؤدي إلى الموت والدمار والفقر ونبيذ أحمر أو أبيض إنجليزي أو ألماني يدخل في عالم الكرنفالات والأعياد فإن البرتقالي يشبه أيضا السوداني في أنه يأكل خبزا صباحا مع الشاي باللبن وإن كان يختلف عنه بحكم برودةالطقس في وضعه الخبز في فرن التحميص بينما يتناوله السوداني باردا وبائتا وربما يابسا .
    الفطر لا يؤكل في السودان . وينظر الناس إليه على أنه طعام قذر وخطر . والخطورة موجودة ولكنني لم أجد طعاما أو ( دمعة ) تضاف لمأكولات أخرى كاللحم أو المكرونة أفضل وأجود وأقيم من الفطر . ولكن بعضه كما هو معلوم سام والبعض الآخر قيم ومرتفع الثمن , وفي الصيف يقوم الآطفال بحملات في الغابات من أجل جمع أكثره قيمة وأجوده مذاقا . وهو طعام الأثرياء عندما كانت حبة الفلفل تساوي وزنها ذهبا

    أما فانيسا التي تلبس ( الهتش )وتعتز به فتلك ناحية أخرى لها علاقة بالحداثة وبالنظرة للجمال والتجريب والقفز لتطوير الحس الجمالي وفرض معان إجتماعية جديدة تضع العرف والتقاليد في محمكمة الأسئلة والتجديد وتسائل عن ماهية ما نحتويه وندافع عنه من مشاعر وقيم وأخلاقيات .
    من هنا أدعو الذين يحاولون تقديم حياتنا بما فيها من أساطير وحكايات وحكمة للأوربيين أن يحاولوا تقديم حياة الأوربيين لنا بما فيها من أسرار وأنماط حياة ومنظومات قيم . نحن نحتاج لمعرفتهم وكشف أسرار حياتهم ..

  3. جميل ومبدع يا محمد جمال …فقط اعذرني فقد بدات القصة او الرواية تفقد ( الحبكة) اذ انك تستطرد في الشرح والتفصيل في مواضع لا ينبغي فيها الاسهاب فتصبح الحكاية فعلا مملة…نصيحتي لك اثناء كتابتك ان تتخيل في نفس الوقت القارئ…فهو ملول بعض الشئ…لا تنسى ان تعيره اهتمامك…وربنا يوفقك ….وفي انتظار القادم منك..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..