انتخابات مبكرة..

عثمان ميرغني

ستكون (غلطة العمر) إن حاولت الحكومة السودانية التدخل في ما يجري في دولة جنوب السودان الشقيقة.. فالصراع الدائر الآن في جنوب السودان (سياسي) بامتياز، لكنه يستخدم سيف ودرع الحمية القبلية..

بداية النهاية كانت في التصريح الذي أدلى به قبل عام أو يزيد الدكتور رياك مشار (نائب الرئيس آنئذ) وكشف فيه نواياه المنافسة لمنصب رئيس الجهورية في الانتخابات المقبلة.. الرئيس سلفاكير ميارديت (أسرها في نفسه ولم يبدها لهم) وانتهز أول سانحة ليقيل نائبه (في يوليو 2013) حتى ينزع عنه لباس الدولة الذي قد يساهم في شحن الرصيد لحملة منافسه مشار..

حملة (التغيير) في جنوب السودان طالت قيادات (تاريخية) أخرى في الحركة الشعبية لتحرير السودان على رأسهم باقان أموم الأمين العام للحركة وتعبان دينق أحد أقوى تروس الدولة.. وآخرون..

يبدو أن سعة مساحة الديمقراطية وحريات التعبير والعمل السياسي في دولة جنوب السودان ساعدت في حصر النزاع في حيزه (السياسي) فترة من الزمن حتى حان موعد اجتماع مجلس التحرير (أعلى سلطة في الحركة الشعبية).. وكان واضحاً أن خصماء الرئيس سلفاكير استعدوا جيداً للاجتماع فعززوا موقف الأصوات التي ينتظرون أن تغير لهم معادلة الحكم في الحكومة عبر الوسائل الديمقراطية السلمية..
لكن مجموعة الرئيس سفاكير استخدمت ذات الخبرة التي لجأ إليها حزب المؤتمر الوطني هنا في السودان.. حينما حرم الإصلاحيين من دخول اجتماع مجلس شورى الحركة الإسلامية (في نوفمبر 2013 بضاحية العيلفون)..

الأصوات المساندة للدكتور مشار والمتعاطفون معه خرجوا من اجتماع مجلس التحرير.. وكان ذلك كافياً للتعبير عن الاحتجاج.. لكن يبدو أن المرارات والاستفزاز انتقل بسرعة إلى أخطر موقع مشحون بالبارود القابل للانفجار.. الحرس الجمهوري الرئاسي..

في تقديري الأمر لم يكن محاولة (انقلاب عسكري) بالمعنى التقليدي.. بل كان ممارسة لسياسة (حافة الهاوية) من الجانبين.
لكن الجنود الذين أخرجوا البنادق من أغمادها أصبحوا أسياد الموقف على الأرض بحيثيات القوة قبل العقل.. وتنتهي السياسة حينما تنطلق الرصاصة..

يبدو أن الرئيس سلفاكير شد أشرعته في اتجاه الرياح.. ليستثمر تداعيات (الاشتباك) العسكري المحدود لإزاحة خصومه أقصى مسافة ممكنة من حرم السلطة.. لكن الذي فات على الرئيس سلفاكير أن خصومه يمسكون بـ(السلطة الاقتصادية).. ففي مناطق نفوذهم القبلي ترقد الغالبية العظمى من الثروة النفطية التي تمد دولة جنوب السودان بشريان الحياة..

وفعلاً.. بدأت المدن تتساقط في يد المتمردين على الرئيس.. نفس المدن التي ظل الجيش الشعبي يحارب لاحتلالها أكثر من عشرين عاماً ولم ينجح.. التهمها القائد الفريق (بيتر قديت) في ساعات قليلة.. مدينة بور (مسقط رأس الزعيم الراحل جون قرنق) وحاضرة ولاية (جونقلي).. بل واكتسح أمس مدينتي بانتيو وربكونا.

في تقديري أن الأمر لا يحسمه بصورة نهائية إلا (توافق كامل) بين الفرقاء على رئيس (قادم) بعد نهاية فترة الرئيس المنتخب سلفاكير وهو بين خيارين إما أن يكملها حتى العام 2015.. أو ? وهو الأفضل- يتفق الجميع على انتخابات (رئاسية مبكرة) في غضون ستة أشهر.. بشرط أن يدخلها الجميع بـ(رئيس توافقي) لأن أي تنافس سياسي في الوقت الراهن سيفجر بارود القبلية ويعيد إنتاج الحرب الأهلية

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. الاخ عثمان..لك التحية
    لفت انتباهي عنوان مقالك(ستكون (غلطة العمر) إن حاولت الحكومة السودانية التدخل في ما يجري في دولة جنوب السودان الشقيقة.
    الحرب الدائرة الان بين مجموعة رياك مشار و ل اقول النوير لان المجموعة تتكون من جميع القبائل الجنوبية بما فيها الدينكاومعظم قبائل الاستوائية خاصة ققبيلةالباريا و المورلي و الشلك وهذه القبائل تحس ان هنالك هيمنة من الدينكا علي الحكم في الجنوب ..اذا فهي حرب سياسيةاكثر من كونهاقبلية …
    حكومة الخرطوم في حيرة من امرها..فلا ندري ما تخطط فعلها .. هل تستمر في دعم المعارضة و هذا سيوثر علي الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها مع حكومة الجنوب بما فيها اتفاقية ترحيل النفط , ام تدعم الرئيس سلفاكير و في هذه الحالة ستدخل في مزيد من الغلاغل مع المتمردين في جنوب كردفان و النيل الازرق وحتي في الشمال…
    مكاتب الحركة الشعبية قطاع الشمال بدأت تهتز و تفقد الروية لانهم ايضا في حيرة من امرهم ففي حال تأييدهم لحكومة الجنوب من اجل بقائهم في جوبا سيدخلون مع مجموعة رياك مشار في حرب تستفيد من نتائجها حكومة الخرطوم لانها اي الحرب ستضعف و تنهك الحركة الشعبية شمال…
    الحكاية دايرة حسابات صحيحة من كل الاطراف…
    ( الحالة دي زي الزول الماسك كلب سعران وواقف بيه, خايف منو لو فكاه و يعضيه و خايف منو وهو قابضو)

  2. المكرم : عثمان ميرغنى .. صباح الخيرات من مدينة الدندر ..

    * على الرغم من أهمية ما حصل فى(جوبا)إلا أن موقفاً واضحاً من النظام الحاكم لم يصدر يُوضح موقفه تجاه أزمة في بلد تجمعه وإياه مصالح استراتيجية وأمنية عاليه .. فما يجرى فى جنوب السودان هو صراع على (السلطة) فالحرب الأهلية لا مفر منها خاصة بعد انقسام الجيش الذى يجمع فى تكوينه الحركات المسلحة والثورية التى قادت معارك الانفصال مع الدولة الأم.. والسودان سيتأثر سلباً وإيجاباً بكل ما يجري من أحداث في دولة الجنوب ..

    * للاسف تحول حُلم دولة الجنوب لـ(كابوس) فيما تلوح فى الأفق رائحة فتنة(الحرب الأهلية) بعد تصاعد حدة القتال بين القوات الحكومية والقوات الموالية لريك مشار المتهم بتزعم محاولة انقلابيه.. فالبلد الجنوبى على أعتاب حرب أهليه ..

    * أن إدارة سلفاكير القائمة على العسكرة والاستبداد والفساد فشلت فى بناء الدولة الوليدة ..
    فما يحدث الآن كان متوقعاً منذ بداية (الانفصال) لأن شعب الجنوب تحكمه القبلية وثقافة الانقلابات حيث إن دولة الجنوب قامت على أساس حركة تمردية كما أن دوافع الانقلاب قبلية في الأساس الأول بعد اقصاء قبائل النوير من المناصب المهمة في الدولة التي تسيطر عليها قبيلة الدينكا المنتمي إليها سلفاكير…

  3. بكون لعلمك يا عثمان مرغني وغيرك ،،،، إذا فشلت الأطراف المتنازعة في الجنوب في حسم هذه المهزلة في غضون ال 72 ساعة القادمة ،،، صدقني ستصبح المسافة بينك وبين الولايات المتحدة الأمريكية أقل من 3000 كليومتر !!! لا تنسى بأن دولة جنوب السودان تقبع لازالت تحت البند السابع !!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..