
لاحظ الإنسان منذ فترة ما قبل التاريخ، وجود قوة كونية طبيعية غامضة أو إلهية Divine force، تؤثر في حياته اليومية و إدراكه للأشياء في محيطه الخاص، و لم تكن للإنسان الأول القدرة علي تفسير الكثير مما حوله، من الظواهر الطبيعية الساحرة و الأسئلة الوجودية الكبري الغامضة.
لاحظ الإنسان الأول، أن السمة الأساسية لتلك القوة الكونية و الطبيعية المُحيطة به، هي العطاء و الهِبة giving force، لكل ما يتمتع به الإنسان من حياة و خيرات، في حركة رِحلة حياته اليومية.
لكنه عَجز، و ما زال يعجز، عن إدراك ذات essence و ماهية تلك القوة الكونية الغامضة، التي سبقت وجود وعيه علي ظَهر كوكب الأرض، و ظل الإنسان يشعر بتجليات و خصائص qualities، لتلك القوة الكونية divine psychology، في وعيه الذاتي الداخلي human psychology، عبر مجموعة مستويات إتصال إدراكية نورانية عقلية متعددة.
المستوي الأول للتجلي المعنوي لتلك القوة الإلهية للعقل البشري، هو الفكرة العامة و الإحساس المعنوي، بأن هناك قوة إلهية غامضة، تتمتع بخصائص واهبة و محبة و رحيمة، و باطشة شديدة العقاب، في وقت واحد Mercy & Severity، تستوي علي عرش الأمر و النهي في منزلة الربوبية للإنسان و الطبيعة.
المستوي الثاني، الأدني من الأول، لتجلي تلك القوة الإلهية في الوعي البشري، هو إستشعار أن تلك القوة الإلهية، تتمتع بخصائص الحكمة و الرحمة و العفو.
المستوي الثالث، هو إستشعار أن تلك القوة الإلهية، تتمتع بخاصية العِلم و الفَهم و الإدراك.
المُستوي الرابع لتجلي مفهوم الإله للوعي البشري، هو إستشعار أن تلك القوة الإلهية، تتمتع بخصائص العدل و حِفظ النِظام و القوانين.
المستوي الخامس للتجلي، هو إستشعار أن تلك القوة الإلهية تَفعل و تنجز الأعمال المختلفة، و انها المصدر الأعلي للقوة.
تلك المجموعات الخمسة المختلفة للخصائص الإلهية، تَجلت للعقل البشري مُنذ القِدَم، و تم تفسيرها في البدء في بلاد الرافدين بنظريّة تَعدد الآلهة، و أن هناك إله أب و إبن و أم و آلهة أخري شَغيلة.
تطور ذلك المفهوم اللاهوتي المُتعدد لاحقاً، ليصبح كل إله مُتخصص مرتبط بكوكب و جرم سماوي مُعين مثل الشمس و القمر و النجوم و بقية الكواكب، كما في الحضارة الإغريقية القديمة و غيرها.
النبي إبراهيم، قدم رؤية لاهوتية مختلفة، و هي أن هذه الخصائص الإلهية المختلفة التي تتجلي للعقل البشري في مستويات نورانية عدة illuminations of light، كأنها آلهة متعدّدة، هي لإله واحد، غير مدرك الذات، و لكنه متعدد الأسماء و الصفات.
أيضا تمت الملاحظة، أن كل إسم إلهي يتجلي للعقل البشري، مرتبط بإدراك الإنسان لتصاريف كونية محددة.
حافظت الديانات الهندوسية و البوذية، علي الإطار العام للنظرية التعددية اللاهوتية، المبنية علي التجلي للوعي البشري، مع بعض التغييرات هنا و هناك.
في الفلسفة المسيحية، تَجلت تلك الخصائص الإلهية المتعددة في الوعي الإنساني، للإله الواحد الذات، في شكل خصائص الأب و الإبن و الروح القدس، من غيّر ان تقدح في وحدانية الذات.
لذلك، فإن النَقد المُتسرع الذي يُقدم للفلسفة اللاهوتية المسيحية، فيه كثير من قِصر النظر، لأنه لم يراعي إختلاف طوائفهم و جماعاتهم العقدية، و لم يَغص في العمق كثيراً.
تَبنّي الإسلام ذات الفلسفة اليهودية، للخصائص الإلهية المتعددة different qualities، المُتجلية لِوعي العقل البشري في مستويات إدراكية نَورانية عدة 10 sefirots، بتحويلها الي أسماء حسني different names لإله واحد الذات، تتوزع بدورها علي خمسة مجموعات خصائص رئيسية groups، و ذلك علي حسب التشابه في الخاصية و الصفة الوظيفية.
مِن ذلك كله نَستنتج، أن مسألة القول بوجود إله من عدمه، هي مسألة عقلية بإمتياز، و هي وليدة وعي العقل البشري الأول مبتدر السؤال، و مُتجددة في نفس الوقت.
أيضا يجب أن نُفَرِق بين كُنه و ذات ذلك الإله، التي لا تتجلي concealed، و بين خصائصه و أسماءه، التي تتجلي revealed للعقل البشري في مستويات إدراك أنوار معنوية عِدة.
الطريقة أو المستوي، الذي يتجلي لك الإله فيه في وعيك الدّاخلي، يحدد طريقة تخيلك له، و نوع تديّنك، و مرتكزاتك العقدية، في عملية مزدوجة أشبه برجع الصدي.
قد يتجلي لك الإله في مستوي واحد، أو مستويين، أو في كل المستويات في وقت واحد، أو قد يتأرجح وعيك بين كل تلك المستويات في أوقات مختلفة في عشرة درجات معنوية.
في بعض الديانات تتجلي الخصائص المُزَكرة المُوجبة للإله، كالقوة و العقاب و البطش و غيرها، و في ديانات أخري تتجلي الخصائص المؤنثة السالبة للإله، كالرحمة و اللطف و المغفرة و غيرها، مما يجعل كأنه يوجد تناقض أو ثنائيات duality عند النظر في الكون.
لكن الإله في الأصل غيّر معلوم الذات، و لا يجوز له التأنيث أو التزكير، علي عكس ما في الحضارة الإسلامية العروبية التي تُمجِد الرّجل.
أيضاً حَصر قَضية الإله، في المجتمعات البشرية الأولي مَنبع التساؤل، و ربطه بالتخلف العلمي آنذاك، يُعتبر تصور قاصر، لأن ذات الأزمة و الجدلية الوجودية المتعلقة بالإله و الأسئلة الكبرى في الكون، مستمرّة الي الآن في الوعي المُشترك لشبكة العقل الجَمعي الإنساني، بالرغم من التطور العلمي و التقني الهائل الذان تشهدهما البَشريّة.
الفرق الوحيد، هو أن تَصور العقل البشري لمفهوم الإله أو المُطلق، يتغير و يتطور بإستمرار، بالتوازي مع التطور في المقدرات العلمية و المعرفية الإنسانية، بصورة يومية، و بذلك تصبح قضية مفهوم الإله خاضعة للعقلنة البشرية المستمرة.
لذلك من المفيد جداً للبشرية الآن، إيجاد تصور جديد عقلي معاصر لمفهوم الإله new concept ، و عدم ترك هذه الساحة الانطولوجية المهمة خالية تماماً، للخرافات و الأساطير و المرويات التاريخية، و لتصورات رجال الدين و عمليات الإستغلال السياسي.
بإمكانك أن تلغي الإيمان تماماً من حياة النَّاس، و بإمكانك أن تُبقي عليّ الإيمان مع النزع منه للأيدولوجيا و الدوغما و الصور الذهنية التاريخية، و هذا ما تحتاجه المُجتمعات البشرية المعاصرة.
هذا النوع من الإيمان الجديد المتجدد، الذي أدعو له و أبشر به، يمكن أن يؤثر و يتأثر إيجاباً بالمنجزات العلمية و التقنية المعاصرة، و يقوم في نفس الوقت بتنمية الخيالات البشرية المختلفة، و يفتح أفاقاً جديدة للتفكير العقلاني المُثمر المفيد.
إيمان جديد new faith يُدرك فيه الفرد أنه جزء من كل، و أن الحكمة الإلهية الكليّة The totality تتحقق بتكاتف حكمة أفراد البشرية، و أن الرؤية المُتعالية الترانسدنتالية المجرّدة الموضوعية هي بمثابة عَيّن إلهية God eye، تتحقّق حين يتحد الإنسان المُتيقِظ مع ذاته الإنسانية العُليا في أعلي درجات الوعي العقلية The highest consciousness، و فيها يتحد الإنسان أيضا مع مجموع الآخر الإنساني، باعتبار أنهم نُسخ فردية له في أبعاد زمكانية و حركية مختلفة.
في ذلك الوقت فقط، يمكن أن يتطوّر منظور جديد ناضج لمفهوم الإله، يختلف تماماً عن مفهوم إله المُجتمعات الطفولية الأولي للبشرية، أو إله العصور الوسطي المُظلِمة المُستغَل سياسياً عَبر بوابة طبقة إكليروس الفقهاء.
بهذا التَطور الهام، يمكن أن تقترب الإنسانية أكثر و أكثر إليّ جوهر المعني الحقيقي الموضوعي لمفهوم الإله المُطلق المُجرد، أو مَنبع التساؤلات الوجودية الأولي، في رِحلة الانسان اليومية المستمرة للبحث عن الهدف و المعني و أسرار الوجود الكبري، في إطار عملية المعرفة الإنسانية الصَاعِدة و التي يقابلها وحي مُقدس هابط.
إن النظريات الفلسفية المعاصرة، التي تتحدث عن موت مفهوم الإله، نسيت أنها بتعصبها الدوغمائي الأعمي ذلك، قد دفنت المعني الأول المُجرد مع الاله، و الذي كان من الممكن الاحتفاظ بذلك الجوهر للمعني مع التسليم بنهاية الفكرة الأسطورية الطفولية الأولية للإله، ليتم ولادة فكرة جديدة لمفهوم الإله تكون أكثر نُضجاً، و تُعبر عن جَوهر المعنى الأول و الفكرة الأولي لخلق الكون و البشرية، و التي تناسلت منها المعاني المتشابكة الي يومنا هذا.
تشريح مفهوم الإله.
الفصل ١٦ من كتابي: علمنة الدين و علمنة التصوف.
الصادر من دار نور للنشر.
يونيو ٢٠١٧ م. متوفر في أمازون.
د. مقبول التجاني
[email protected]
((الخصائص المُزَكرة المُوجبة للإله، كالقوة و العقاب و البطش و غيرها، و في ديانات أخري تتجلي الخصائص المؤنثة السالبة للإله، كالرحمة و اللطف و المغفرة و غيرها)) !
((كن الإله في الأصل غيّر معلوم الذات، و لا يجوز له التأنيث أو التزكير، علي عكس ما في الحضارة الإسلامية العروبية التي تُمجِد الرّجل.)) !!
المُزَكرة مقابل المؤنثة؟ و التزكير مقابل التأنيث يا دكتور؟ وإذا كتب الأمازون فيها أخطاء زي دي فمن الذي يشتريها؟
أما من حيث الموضوع تقول ((إيمان جديد new faith يُدرك فيه الفرد أنه جزء من كل، و أن الحكمة الإلهية الكليّة The totality تتحقق بتكاتف حكمة أفراد البشرية،)) ؟!
والصحيح هو قولك ((…يتحد الإنسان أيضا مع مجموع الآخر الإنساني، باعتبار أنهم نُسخ فردية له في أبعاد زمكانية و حركية مختلفة))، وسأبين لك سبب التناقض والاختلاف إذا لم توافق على هذه الملاحظة.
دا كتاب خيري غير ربحي.
الرجاء تبيين سبب التناقض و الإختلاف بين القولين !
محاولات الانسان التاريخية منذ طفولته العقلية لمحاولة فهم كنه الكون والوجود جلبت له الكثير من المآسي المتربطة بالأديان الجامحة الخيال، وما زال يتخبط في لجة هذه التراجيديا الدينية الى أجل غير معلوم.
ملحوظة:
في المقال أعلاه: واو الاضافة يجب أن تلتصق بالمضاف اليها – لا يجب أن تكون هناك مسافة بينهما- وهو الأفضل عند معظم اللغويين.
شكراً علي المرور.
واو الإضافة أجمل تتفصل..
إقتباس//
في الفلسفة المسيحية، تَجلت تلك الخصائص الإلهية المتعددة في الوعي الإنساني، للإله الواحد الذات، في شكل خصائص الأب و الإبن و الروح القدس، من غيّر ان تقدح في وحدانية الذات….إنتهي
هل المسيحية فلسفة أم ديانة ..؟؟ وأنت تنسب قول للمسيح عليه السلام لم يقله وإنما قاله اليهود أن الله ثالث ثلاثة … أراك قطعت بأن المسيحية فلسفة جاءت بأن الله ثالث ثلاثة …؟؟ هذا شطط لا يليق بك يا دكتور
بعدين تعال … هل تعتقد أنك بأسلوب كتاباتك هذا سوف توضح للعامة من الناس ما ترمي إليه من معني يمس طريقة تعبدهم وفهمهم للإله …؟؟
سيدنا موسي عليه السلام حينما سأله فرعون عن القرون الأولي رد عليه سيدنا موسي عليه السلام بأن علمها عند الله في كتاب لا يضل ربي ولا ينسي … لم يتكذلك موسي ويتفنن في القول عن شيء لا يدركه وهو نبي وفي مقالك أجدك قد أحطت بطريقة تعبد القرون الأولي التي لم يعلم عنها موسي عليه السلام شيء وأفتيت بضلالها في تشريح معني الإله علي حد تعبيرك …!! يا صاح أنت كذاب
أي دين يحتوي علي مكون فلسفي داخله.
لم أنسب الثالثوث للسيد المسيح شخصياً.
كيف نوضح للناس و نعمق فهمهم لمفهوم الإله بصورة أعمق ؟
الآية لم تنص علي أن موسي لا يعلم عن طريقة تعبد القرون الأولي.
هل تعلم لماذا سأل فرعون عن القرون الأولي ؟ و لماذا تجنب موسي الإجابة ؟
كل النظريات الفلسفية حول الدين ومفهوم الإله هي أفكار مشوشة وناقصة . والإيمان الحقيقي بوجود الله وصفاته هو ماجاء به الوحى الإلهى وأنزله على خاتم النبييين سيدنا محمد ( ص ) .
ما تجتهد أنت في إثباته حاوله غيرك الكثيرون على مر العصور … وكلها محاولات تدور أو يجب أن تدور حول الفهم المتجدد بلغة العصر بما بشرت به الديانات السماوية … فالتجديد هنا فليآلية التفكير و الفهم وليس في كينونة المعبود .
الناقص نتمو.
كيف تجعل شخص لا يؤمن بالوحي يؤمن بأن هناك إله ؟
التجديد في فهم و معرفة أكثر بالمعبود ضروري و مركزي لعملية تجديد الأديان و فهمها.
كيف تفهم دين و أنت لا تفهم مرسله ؟
أول سؤال لفرعون كان هو: ما رب العالمين !
ما: سؤال حول المفهوم.
يمكنك ان تشرح ماتعرفه ولايمكنك ان تشرح ما لاتعرفه معتمدا على تاريخ مصطلحات الانسان لمفهوم الاله فى حقب تاريخيه مختلفه وكثيره .
ما أعرفه ولا يمكن ان يلغى ايمانى ان الله او الاله ليس كمثله شئ وهو السميع العليم .
إيمانك دا عايزين نعقلنو و نرشدو ليك.
بالطبع لم يتثنى لى قراءة كتابك ولكن يبدو مما كتبت انه نفس الجدل العقيم عن وجود الاله. لا يمكن ان نؤمن بان هذا الكون بهذا النظام اتى من لا شىئ ولاكن نفس الشىئ يمكن ان يقال عن الاله كما ان السرمديةوالابديه مفهومان لا يمكن تصورهما لكن لابدمن التسليم بان فى مرحلة ما اتى شيئ من لاشىئ .هذا الشىئ قد يكون الاله للمؤمنين او الكون للملحدين. هذا الجدل كان من الممكن حصره فى نطاق الفلسفة و الفكر دون ان يؤثر على حىاة الانسان لولا دخول عامل الدين ومفهوم الاخرة والجنة و النار.في تقديرى ان الفكر والجدال يجب الا يكون حول وجود الاله من عدمه فهذا لا جدوى منه ولكن فىما اذا كان الدين من الله واى من الاديان هو الحق. تقديرى
بالعقلنة يمكن أن يقترب مفهوم الإله من وعي الكون و الطبيعة.
لدي مقال آخر عن علاقة الدين بالإله.
بالطبع لم يتثنى لى قراءة كتابك!! ههه الكائن التائه… صحيح الجهل مصيبة بالطبع ههه لايخجل من جهله لأنه لا يدري أنه لايدري ههه سنعلمه هها يتثنى يعنى يتلوى ويتعرج، قل يتسنى فهي تعني يتيسر يمكن يتاح لي قراءة .. وكفاية كده