الروائية زينب بليل في بوح خاص : نعم.. لكل عمر كتابة تستهويه..اليوم لو قلت أكتب عن الحب (زي زمان) لن أستطيع

الحديث مع الروائية زينب بليل له مذاق خاص، فهي بأنسها وأمومتها المتدفقة تدخلك في عوالم مدهشة، وكيف لا تحتويك بأمومة فائقة وقد كرمتها مجموعة (نساء الأعمال) بجائزة الأم المثالية التي نالتها عن جدارة واستحقاق ، كما كرمتها الأسبوع الماضي (الشرطة الشعبية) كرمز من الرموز الوطنية في الكتابة الروائية وبحضور نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الرحمن وعدد من قيادات الدولة، نالت لقب (أم الكتّاب) بعد أن احتضنت عشرات الكتّاب الشباب عبر منتدى (السرد والنقد) والذي كثيرًا ما يطلق عليه منتدى (زينب بليل) كما نالت جائزة الشهيد الزبير محمد صالح عام 2006م وكرمتها العديد من المنابر والمنتديات الثقافية، كتبت روايات “الاختيار” و”كش ملك” و”نبات الصبار” كما لها الآن قيد الطبع رواية “حاملات القرابين “.
أجريت معها هذا الحوار الذي آثرت ألا أعيد صياغة بعض مقاطعه وذلك لأن اللغة الفصحى قد تحجب نكهة الحوار، كما أنني أريد أن أجاريها لأن العامية أضافت نكهة سودانية (طاعمة) لروايات الأستاذة زينب بليل والتي كان آخرها (حاملات القرابين) والتي هي الآن قيد النشر فإلى مضابط الحوار..
حوار: نجاة إدريس
*أستاذة زينب كثيرًا ما يتهم النقاد أعمال الكاتبات السودانيات بالضعف مقارنة مع منتوج نساء العالم فلماذا؟
-(النقاد ديل احترنا معاهم ) رغم أنهم زملاؤنا وأخواننا إلا أنهم حاقدون فكيف يقولون إن الكتابة النسوية ضعيفة، وكل الكتابة في العالم لم تبدأ قوية وكان الناس يتلمسون طريقهم، ولكننا الآن وصلنا حداً جيدًا في اعتقادي، والكتابات التي أقرأها لفتيات ونساء في برنامجي (منتدى القصة هي كتابات مميزة جدًا وقوية وأعمالها القصصية ليست بأقل من الكتابات العالمية التي قرأتها، ولكن النقاد يكرسون الإحساس بالدونية لنسائنا حتى لا يقلن إنهن يعرفن شيئاً، وحتى لا ترفع المرأة رأسها وأنا أتكلم عن كتابات لشابات وغير شابات وكانت هذه الكتابات مميزة جدًا (ما بقول كلو مميز، الضعيف في واللسه بتلمس طريقو في لكن المميز في).
*(مقاطعة) ولكن حتى في كتابة الرجل أيضًا هناك كتابات ضعيفة؟
– بالطبع ولكن (الرجال ديل ما بجيبوا سيرتم!!) كأنه في الأصل أي ضعف وأي عمل غير مميز هو للمرأة وهذا غير صحيح لا بد أن ننتقد بموضوعية، فأنا عندما أتحدث عن الكتابة السردية لا أرى إن كان الكاتب ولدًا أم بنتًا وإنما أحاكم النص، فلماذا تحاكم نصوص النساء وحدها، ولكن عموماً الكتابة السردية في السودان متقدمة جدًا وكتابات الفتيات جميلة جداً ومميزة.
*أنت كتبت في زمان كانت الكتابة السردية من ممتلكات الرجل عدا بعض الحالات الفردية القليلة والتغول من قبل المرأة كان مرفوضًا مجتمعياً حدثينا عن تلك الفترة؟
(والله هو ما كل شيء هو حق الرجل) المال والوظيفة والبنات يتكرموا عليهم بالوظيفة عندما لا يتقدم إليها شاب، أنا متأكدة أنني لست المرأة الوحيدة التي كتبت حينها، ولكن غيري لم يجد فرصة للنشر في ذلك الزمان لأن الكتابة وقتها كانت مشكلة كبيرة، وأنا عندما قدمت عملي الأول للجنة النصوص حتى أحصل على رقم إيداع قال لي الموظف المسؤول (والله دا كتير يجي من بت) كأن هذه الفتاة محاكمة أو محاصرة أو ممنوعة من أن تكون إنسانة لها خبرات وتجارب وأنا كنت وقتها صغيرة عندما قيل لي هذا الكلام فأحسست كأنني أرتكبت جرماً أو قلت (كلام ما صاح) ولو سمعت هذا الكلام الآن لرددت عليه .
ــ هل قيل هذا الكلام لرواية (الاختيار) لجرأتها؟
أنا أعتبر أن رواية الاختيار لم يكن بها فحش أو بذاءة أو شيء مهين، ولكن عندما نقول كلام حب نحارب (فالبنات ما يجيبن كلام الحب في خشمن).. غايتو أنا تجرأت وكتبت لأن الكتابة كانت تمثل لي ثقلاً أحمله على رأسي وعندما كتبت أفرغت هذا الثقل، أنا وجدت فرصة للنشر لكن قد تكون هناك أخريات لم يجدن الفرصة وقد تكون كتابتهن أجمل مما كتبت.
*(مقاطعة) أو احتمال قالوا ليهن نفس الكلام وانزوين؟
احتمال مثلما خفت أنا وخجلت من عبارة (كتير يجي من بت) احتمال تكون هناك من قيل لها نفس الكلام وانزوت ولم تجرب ثانية.
*ألم تقابلك أي اعتراضات من الأسرة على الكتابة وقتها؟
(ناس البيت ما كان ليهم أي دخل بالكتابة ولا بالكتاب ولا بالمدرسة.
*طيب ما في زول شجعك؟
-ما في زول شجعني عشان أكتب وإذا كان هناك تشجيع فسيكون من القراءة الكثيرة التي قرأتها فقررت أن أكتب، ولكن ما في زول شجعني لا أمي ولا أبوي ولا أخواني وإلا كانوا مستاءين لأن عندهم بت بتكتب.
*طيب كلام الحب ما قرأوه ولا اتفاجأوا بيهو بعد النشر؟
زي بعمل شيء ما غلط ولكن احتراماً لي سكتوا خلوني، وقالت لي ابنة أخي أن والداها شاهدها تقرأ في رواية (الإختيار) ولسوء الحظ في مشهد حب فانتهرها وأخذها منها.
*إذاً تفاجأت الأسرة بالكتاب بعد الطبع؟
-أيوه ما في زول عارف نحن بنسوي في شنو، ونحن ذاتنا عشنا في زمن الزول ذاتو ما عارفنو بقرأ في سنة كم، وما عارفين بعد الوسطى في شنو!
ــ هل كانت الطباعة والنشر بعد الزواج؟
الطباعة كانت بعد الزواج وبعد أنجبت الزول نمرة أربعة وقبلها لم أجد فرصة للطبع.
*ذكرت قبل الآن أن رواية الاختيار هوجمت من قبل أحد السودانيين الموجودين في أبوظبي ولكن الهجوم لم ينقص من عزيمتك..حدثينا عن ذلك؟
-عندما أردت نشر رواية (الاختيار) كنت مغتربة في أبوظبي فذهبت للجنة المطبوعات التي كان رئيسها جزائري يسمى بدا فأعجب بالكتاب لأنه قريب الشبه بالمجتمع الجزائري وطلب مني أن يكتب مقدمة الكتاب ولكنه اعتذر عن الطباعة حتى لا يدخل السودانيين في مشكلة كما قال لي وحولني للسفارة السودانية والتي استلمت الكتاب وأثناء تقليبهم لأوراق الكتاب وجدوا حواراً بين البنت وشقيقها وكانت تسأله ببراءة عن السودان (ليه السودان فقير وكئيب ومجهول الغد) فقال لها (فقير لأن أهلو حرامية وكئيب لأنهم مقهورين وبقضوا وقتم في السكر ومجهول الغد دي ما بعرفا ..الغد عند الله).. فقال لي السفير الكتاب دا ما بنسمح ليهو بالنشر عشان ما ننشر غسيلنا القذر عبر القارات، بعدها أخذت الكتاب وقدمته لدار جامعة الخرطوم للنشر وقد طبعت رواية الاختيار في عام 1984 والتي قيلت فيها المقولة السابقة (يعني البت لا تتبرم ولا تكتب في السياسة ولا في أي شيء.
ـ أنت تعرضت لنقد وصمدت فهل يجب أن تسد الكاتبة أذنيها من النقد؟
-النقد يخضع لرأي الناقد وماذا يعني له الكاتب وقد قال الطيب صالح “أجمل النقد ما كتب عن محبة” فاذا أحببنا الكاتب فسيكتب عنا جيدًا وإذا استمعت لكلام النقاد فلن أكتب شيئاً، فالنقاد قد لا يحبونني وبالتالي فلن يشجعونني وقد لا يكون لدي أصدقاء نقاد.
*هل هناك خطوط حمراء تضعها الروائية زينب بليل عندما تكتب وهل تقف “التابوهات الثلاثة” أمام كتابتها؟
-شوفي هو لازم يكون في خطوط حمراء حتى بين الإنسان ونفسه، يجب على الكاتب الا يتعدى على عقائد الآخرين والا يحرجهم باعتبار أنه حر، مثل هذه الاعتقادات قد تجعلك تفلت، وحتى الكتاب الكبار الذين نقتدي بهم ويكتبون كل شيء لكنهم لا يحرجون أحدًا عندما يكتبون بحرية، وهذه هي الكتابة الجادة التي يتسابق إليها الناس، فهم قد يتكلمون عن الدين أو الجنس أو السياسة ولكن دون إحراج أحد، يمكنك أن تتكلم في كل هذه الأشياء ولكن في حدود الخطوط الحمراء لك ككاتب راق تسعى لإصلاح المجتمع.
ـ كثيرا ما تدعين أبناءك الكتاب للكتابة عن المهمشين والمقهورين والشماسة وتنهيهم عن الكتابة في الحب في حين روايتك الأولى (الاختيار) كانت تدور في فلك الحب.. هل لكل عمر كتابة تستهويه؟
– نعم لكل عمر كتابة تستهويه، أذكر أنني قرأت كتاباً يحكي عن امرأة عجوز كانت كاتبة روسية، وكانت هناك جهة ما تحدد لها مبلغاً لكل موضوع تكتب فيه ولكن عندما تكتب في الحب كانوا يتركون لها حرية الاختيار في أن تضع المبلغ الذي تريده ، وهذا يعني أنها رائعة في الكتابة عن الحب بالرغم من أنها عجوز، ولكن رغم هذا فلكل عمر كتابة تستهويه، فأنا عندما أطلب من الشباب الكتابة عن المهمشين والمسحوقين لأننا نكون قد شبعنا من ملذات الدنيا ففي وقت الشباب (ما كنا جايبين للحاجات دي خبر) ولكننا الآن بعد أن نضجت تجربتنا عرفنا أن الحياة ما حب وبس توجد أشياء مهمة جداً، الحب أيضًا مهم لأنه اذا لم يوجد هناك حب لكانت الحياة جافة جداً ولكن قصص الحب التي يأتي بها الشباب مكررة أما موضوعات المهمشين فهي موضوعات ساخنة وملفتة لنظر القارئ.
*هناك من يعتقد أن جيل السبعينيات هو الجيل الذهبي للقصة القصيرة.. أنت راعية لمنتدى “السرد والنقد”ماذا ترين في الأفق؟
-أرى أن كتابة الشباب تطورت كثيراً لأنهم أخذوا منا كما أخذوا من أدوات العصر الحالي، وكتابنا الشباب فيهم حوالي خمسة عشر شخصًا جميعهم من المميزين ليس في السودان فحسب بل حتى في العالم العربي، أما جيل السبعينيات فنحن لا ننكره تاريخياً ولكن عيالنا لازم يفوتونا لأنهم أخذوا خبرتنا ووسائل العصر.
الصيحة
عافي منك
عافي منك