يُدوِّن.. ويُدَندِن

زمان مثل هذا

يُدوِّن.. ويُدَندِن

الصادق الشريف

? السفير البريطاني نيكولاس كاي كتب بعض آرائه في الحكومة وسلوكها.. في مدونته الخاصة.. ظناً منه أنّ الأمر لا يعدون كونه (حرية تعبير). ? فإذا بصحيفة (التيار) تنفرد بما ورد في مدونة الرجل.. وتنشره في سبق صحفي مبين.. ثمّ تلتفت اليه الصحف بعد ذلك.. وأخيراً تلفت وزارة الخارجية الى المدونة. ? وعلى عجل تستدعي الخارجية سفير حكومة جلالة الملكة.. وتعلن الخارجية في خطاب رسمي أنّ الحكومة وبخت الرجل على فعلته وطلبت منه توضيحاً. ? هذا ما قالته المحاضر الرسمية.. ولكن بعد وثائق ويكيليكس.. إتضح أنّ المسؤولين الحكوميين يعيشون بأكثر من وجه. ? وجهٌ يخاطب الناس/ الرجرجة/ الدهماء/ العوام/ الغوغاء بلغة تلتهب بالكلمات.. كلماتٌ تسبُّ أمريكا وتلعنُ سنسفيلها.. لكنّ ذلك ما بدا لنا.. إذ أثبتت وثائق الويكي-إيكي أنّ مانراهُ هو مجرد بوهية.. وأنّ الذين يلعنون واشنطن جهراً هم الذين يسبحون بحمدها ويطلبون ودها بشتى الطرق سراً.. ونستغفر الله. ? الحكومة قالت أنّها وبخت السفير.. والى أن يتبين لنا العكس.. سنرددُ ما قالت بأنّها وبخت السفير البريطاني.. ولقنته درساً في العمل الدبلوماسي. ? لكن تبرز من ثنايا القصة.. قضية الفصل بين الحياة الخاصة والعامة.. وهي قضية في غاية التعقيد.. لأنّ بينهما شعرة دقيقة لا يستطيع العبور من خلالها إلا القليل من الناس. ? السيد يوهانس بيتر برونك الشهير بيان برونك.. رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان الأسبق.. قال في مدونته الخاصة كلاماً عن الحكومة السودانية.. لا ليس كلّ الحكومة السودانية.. بل القوات المسلحة.. ومنذ ذلك الوقت أصبح الرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة في السودان.. ثمّ الرئيس الأسبق للبعثة.. بعد طرده من البلاد. ? التدوين بالنسبة للأوربيين يختلف عنه في شرقنا العربي.. فهنالك تكون الوظيفة من خلف زجاج شفاف.. ينظر إليها دافع الضرائب ويرى أدق التفاصيل. ? ولا يملك الموظف/ الوزير/ السفير سوى تنفيذ المهام التي توكل إليه من إدارته العُليا.. لكنّه في ذات الوقت يرى أن إمكانيات وضعه الوظيفي تسمح له برؤية أعمق مما يتيحه له الوصف الوظيفي. ? ولهذا يلجأون الى التدوين.. لتبصير دافع الضرائب ب(دول وقضايا) في هذا العالم تذهب اليها ضرائبه.. وتعود بفائدة أو لا تعود.. ولتمليكه الحقائق بالشكل الذي يجعله ينظر الى الصورة الكاملة.. من خلال المقارنة بين الصورة التي ترسمها الحكومة وتلك التي تأتي من مدونات الموظفين الحكوميين. ? نحنُ على النقيض تماماً.. فالتدوين عندنا هو حالة طارئة تستدعيها (كون المدوِّن معارضاً للحكومة).. ولا يلجأ المواطن العربي/السوداني الى التدوين إلا إذا شعر أنّ الأبواب الأخرى قد أغلقت في وجهه. ? بمعنى أنّ التدوين ليس أصلاً في ثقافة التواصل في المجتمعات العربية.. فلا فرق بين (يدوِّن ويُدَندِن) وقد يُعزى هذا الى أنّ التدوين نفسه ثقافة جديدة.. فلم تنل حظاً وافراً من الإعلام.. لذا لم تتوجه أنظار الناس إليها.. وأكبر دليل على ذلك أن الحكومة لا تعلم ما يُكتب في المدونات إلا بعد أن تلفت الصحف نظرها إليه.. ثمّ تتولى الأمر من هناك.. فتطرد.. وتوَّبِخ.

التيار

تعليق واحد

  1. أستاذ الصادق

    وتصديقاً لما دونته…لم يقم أحد منذ البارحة بالتعليق مما يدعم نظرتك الثاقبة وتحليلك

    نحنا نحتاج لسنين طويلة لنحرز تقدماً فى نمط حياتنا …أتمنى لك التوفيق

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..