مقالات سياسية

مذابح العسكر 

يوسف السندي
 
مذبحة جديدة نفذتها المليشيات العسكرية بالأمس في الخرطوم ، زادت من الغضب الشعبي والجماهيري على الانقلاب البائس الذي يحاول فرض وجوده عبر استخدام السلاح ، ناسيا ان القوة والقتل لو كانت تديم سلطة لادامتها للمخلوع ومن قبله السفاح نميري .
الدماء التي سالت بالأمس تزيد من كلفة الجرائم التي يتحملها الانقلابيون ، وتوسع من الشقة بينهم وبين من يريدون ان يوقعوا معهم اتفاقا سياسيا او تسوية ، وتجعل طريق الشعب الواحد هو اسقاطهم ومحاكمتهم والقصاص منهم لدماء الشهداء .
القتل والإرهاب الذي تمارسه السلطة الانقلابية في ظل فرض حالة الطواريء يجعل قادة الانقلاب مجرمين قانونيا ، ولا يمكنهم الهروب من تحمل المسؤلية او رميها على صغار الجنود او طرف ثالث كما هو المعتاد من القتلة ، وهو ما يؤكد بان فتح تحقيق دولي في مجازر المجلس العسكري سوف يقود لا محالة إلى ادانة البرهان وحميدتي وبقية قادة الجيش والمليشيات والاجهزة الامنية ، وهذا ما يتطلب شروع القضاة والمحامون الشرفاء فورا في بناء عريضة الاتهام وتدعيمها بالأدلة اللازمة وهي (على قفا من يشيل) وإرسالها لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي .
مطالبة الجيش بالخروج من السياسة في الفترة الانتقالية لم تكن نية الجماهير في البداية ، ولكن استغلال سلاح الجيش من قبل قادته الممثلين في المجلس العسكري وانقلابهم على الشرعية الدستورية في ظل صمت بقية قادة وافراد الجيش ، ادخل البلاد فعليا في حكم انقلابي جديد ، مما جعل الشعب يتحمل مسؤليته كما هي عادته في مواجهة الانقلابات ، ومطالبته بخروج الجيش من السياسة لإغلاق هذه الثغرة الخطيرة إلى الأبد .
دخول الجيش في السياسة عبر انقلاب عسكري او عبر دعمه لأي سلطة غير شرعية (بمعنى سلطة لم تأتي عبر الانتخابات او لا تستند على دستور وطني متفق عليه) هو السبب الذي يؤدي بالآخرين إلى حمل السلاح وظهور الحركات المسلحة ، وهو ما يدخل البلاد في دوامة الحروب والنزوح والانفصالات ، وهي الدوامة التي لا يمكن معها ان يتطور البلد او ان يعيش اهله حياة كريمة ، هذه الدوامة التي يدخلنا فيها الانقلاب هي ما يهدد الوطن فعليا وليس المظاهرات ولا الدولة المدنية التي تعطي كل شخص كامل الحرية في إيصال صوته والتعبير عن رفضه لأي ممارسة.
وجود الجيش الذي يحمل السلاح بعيدا عن الصراع السياسي ، مع التزام الاحزاب السياسية بعدم اختراق الجيش ، هو المانع الأخلاقي والموضوعي الوحيد لكل من يفكر في استخدام السلاح للمطالبة بالحقوق ، وهو ما سينهي أسطورة الحركات المسلحة ووجود الجيوش المتعددة داخل البلد ، ويوحد الجيش ويغلق باب الانقلابات ، لذلك اي حديث عن دعم لحكم المجلس العسكري ومليشياته هو دعم لتفتيت السودان واغراقه مجددا في الحروب والانفصالات.
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..