
هناك لحظات في تاريخ الأمم لا تُقاس بالخسائر المادية وحدها، بل بمدى قدرتنا على صون الكرامة في وجه المهانة. وحين رأينا صور الغطرسة الصهيونية تُعرض على الملأ بلا وجل، أيقنّا أن الدمعة التي تُمسَح بالمنديل لم تعد تكفي، وأن المنديل ذاته قد تحوّل إلى راية احتجاج صامدة تتوافق وكبرياء الأدعم (علم قطر الوطني). إنها لحظة تختلط فيها رهافة الوجدان بصلابة الرفض، ويغدو الغضب العربي غضبًا أخلاقيًا قبل أن يكون عسكريًا: غضبًا يذكّرنا بأن الصمت على الخذلان هو تمهيدٌ للعار، وأن الكرامة لا تُستعاد إلا حين تتحول الدموع إلى صرخات واعية تُقاوم الابتزاز وتفضح الزيف.
وليس عابرًا أن يكون الاستهداف موجّهًا إلى الدوحة، واحدة من أكثر العواصم التزامًا بالشرعية الدولية واحتفاءً بالسلم. فحين تُستهدف عاصمة جعلت من الوساطة لغةً، ومن القانون الدولي سلاحًا، ومن السلم خيارًا استراتيجيًا، فإن الأمر لا يعود مجرّد عدوان على دولة صغيرة، بل هو طعنٌ في فكرة السلم نفسها، واستهزاء بالمنظومة الدولية التي طالما تغنّى بها الغرب. إن الغدر بالوسيط ليس ضربًا من قلة الأخلاق فحسب، بل رسالة متعمدة لإسكات صوتٍ اختار أن ينحاز إلى الحوار لا إلى المدافع، وإلى الشرعية لا إلى العربدة.
إن الاستعمار الحديث لم يكتفِ باحتلال الأرض، بل صنع تطرفًا وغذّاه، ثم استخدمه كذريعة لتفتيت المنطقة وشل قدرتها عن الفعل الجماعي. واليوم، بعد أن شبّ هذا التطرف عن الطوق، صار عائقًا أمام التحرير الذي جاء الإسلام في جوهره ليؤسسه. لذلك لا بد أن نرفض أن نكون ألعوبة في يد الإمبريالية التي تُشعل النار وتدّعي إطفاءها.
لقد انحدرنا إلى هذا الدرك السحيق بسبب الاستبداد العروبي والإسلاموي معًا، اللذين حوّلا رسالتيّ العروبة والإسلام من لاهوتٍ للتحرير ونصرةٍ للمستضعفين إلى أداةٍ للطغيان وتبريرٍ للظلم. إننا نحتاج اليوم إلى مرونة في الاعتراف بالتنوع السياسي والاجتماعي، وصلابة في الدفاع عن الكرامة والسيادة، وقبل ذلك إلى إعادة قراءة الإسلام كرسالة تحرير تُطلق طاقات الشعوب ولا تُقيّدها، رسالةٍ تُبشّر بالعدل والرحمة لا بالاستبداد والإقصاء.
وهنا يبرز الموقف القطري — بعكس ما يروّج البعض — كخيار براغماتي لا عقدي. فقطر لم تتبنَّ الإسلام السياسي كأيديولوجيا، لكنها تقرّ بأنه جزء أصيل من النسيج الاجتماعي العربي والإسلامي، وأن استبعاده بالقوة لا يجلب إلا الخراب. المطلوب أن يُتاح المجال للتدافع الحيوي بين جميع التيارات في مناخ ديمقراطي سلمي، حيث يُهزم الفكر بالفكر لا بالاستئصال، وحيث يتصارع السياسي لا بالسلاح بل بالبرامج والخيارات.
القمة العربية والإسلامية لن تُقاس بما فيها من هتافات أو خطب رنانة، بل بما تضعه من سياسات استراتيجية وخطط عملية تنأى بالمنطقة عن الابتزاز. لقد آن الأوان أن ندرك جميعًا أن أي خذلان لبلد عربي أو مسلم هو خذلان لنا جميعًا. ولعل الكلمة التي ألقاها معالي الرئيس السوري أحمد الشرع، والتي كانت الأقصر في كل القمم العربية، تصلح اليوم شعارًا سياسيًا بامتياز، إذ اختصرت على بيت عريق للشاعر الجاهلي عمرو بن برّاقة الهمداني اليماني:
متى تَجْمَعِ القَلبَ الذَّكيَّ وصارِماً/وأَنفاً حَميِّاً تَجْتَنبكَ المظالمُ
لا يمكن للخطاب النقدي أن يكون مجرّد نفخة غضبٍ بلا مسار؛ عليه أن يحمل الشعرَ والتاريخَ والمنطق معاً. فالشعر، في لحظات الحزن هذه، يذكّرنا بأن للكرامة ذبذبةً لا تُقاس بالموازنات، والتاريخ يُعلّمنا أننا قادرون على أن ننتصر بذكاءٍ وصبرٍ—لا بالتهافت على المسرحيات الإعلامية. إننا نحتاجُ إلى استراتيجية تُترجم شعورَنا بالظلم إلى سياسةٍ تحرّرنا من أن نكون لعبةً في أيادٍ صغرت ضمائرها أمام مصالحٍ باردة.
وختامًا، فإن محاولة الغدر بالوسيط، وابتذال قيم الحوار، تمثل سقوطًا أخلاقيًا مروّعًا، ليس للمنطقة وحدها بل للإنسانية جمعاء. إنها وصمة تُضاف إلى سجل الصهيونية التي لا تهدد العرب وحدهم، بل تسوق البشرية بأكملها نحو الدمار الشامل.
فلنحوّل دمعة المنديل إلى صرخة كرامة، ولنُعِد للإسلام روحه المحرِّرة التي تحمي المستضعف وتُقوّي صوته، بدل أن نتركه مطيّةً للطغاة والمتطرفين ومظلّةً لخطابات الكراهية. فالإسلام الحق لا يُسوّغ استبدادًا، بل يفتح أفق الحرية، ويُذكّر الإنسان بكرامته التي لا تُباع ولا تُشترى.




عجبا…. أليست هي نفس الصهيونية المصابة بجنون العظمة ( Megalomania) التي دمرت عراق (البعث) بفرية السلاح النووي… وضربت سودان(الانقاذ) مثنى وثلاث ورباع… ودمرت مشروع إيران (الشيعي) السلمي فقط لانه وصل نسبة 60٪ من التخصيب … أما علاقة ما أصابنا في بلادنا وفي كل شبر من بلاد العرب بما يحدث في غزة فرابطه معلوم… أما روح الأمة ففي كتاب ربها ماكانت تدري قبله ما الكتاب ولا الإيمان… فالإسلام شعائر وشرائع (شاهدة ومشاهدة)…. أما الإيمان فهو مربط ومناط علم الله بمن ينصره ورسله.. ففي سورة (الحديد) إشارة إلي الإيمان كمناط لقيام العدل وإنزال الحديد ليعلم الله من ينصره ورسله (بالغيب)… ولم يرد فيها (الحديد) ذكر للمسلمين وإنما المؤمنين والمؤمنات ….