معابد الأحجار

طموحات الشباب المثقف كبيرة جدا وهو يتمنى ثورة ثقافية تؤدي الى التغيير الابستمولوجي في الوعي الجمعي ، طبعا هذه امنيات طوباوية ؛ فالوعي الجمعي لا يأتي بالثورات بل بالتجارب القاسية التي تفرض على الشعوب أن تعيد تقييم نفسها ، أن تقيم معارفها ، تقاليدها ، منهج تفكيرها ، تاريخها المعرفي وردود افعالها.
لابد من تجارب قاسية تستدعي فكرة الخوف ، الخوف من العودة الى الماضي اي الى ذات التجارب القاسية. هكذا حدث ﻷروبا ، التي خاضت حرب الثلاثين عام والمائة عام والحربين العالميتين قبل أن يتهالك الجميع لاهثين من فرط الألم وقساوة الوضع واختاروا أن يتقبلوا العقلانية رغم احباطهم من قيم الحداثة وتشاؤمهم من ما بعدها . لذلك قرروا منح الاتحاد الأوروبي جائزة نوبل ، لكي يدعموا السلام والاستقرار الذي جافى منام العين الأروبية قرونا طوال.
نحن أيضا لن ننال الثورة الثقافية بسهولة ﻷن الأنفاس لازالت عالية والدماء حارة في عروقها ، لم نصل مرحلة التقييم الحقيقي لقدراتنا لنتواضع ونقلل من غرورنا الفارغ وامتلاءنا الأجوف . لا زال العقل لم يستوي بعد ولم ينضج ، ولازلنا نعتقد بأن الكون كله يدور حولنا نحن ولا شيء غيرنا ، وأننا نتصدر العالم عبر قيم زائفة يكشف زيفها النعرات القبلية والعنصرية والانتهازية السياسية. لم نتعرى بعد أمام أنفسنا لنكتشف سوءاتنا ، لم نقيم صحة أو خطأ ما نحمله من معتقدات واعتقادات وتصورات. المفاهيم لازالت تدور حول الأنا والرؤية ضبابية ، ورغم ذلك فنحن في حالة استعلاء معرفي كبير جدا رغم ضئآلتنا المعرفية بالنسبة الى أصغر دولة متقدمة . لابد ولكي نصل الى ثورة الوعي أن نجلد ذاتنا بقسوة وأن نصل الى مرحلة النفس اللوامة ، الذات الخائفة ، الخائفة من الماضي ومن أن يعيد التاريخ نفسه . نشاهد اليوم انهيار الدولة أمام أعيننا ، انهيارها في كل المجالات وكافة الميادين ، علميا واقتصاديا وقانونيا ومؤسساتيا وثقافيا ، نشاهد ونحن عاجزون تماما عن أن نقلب الطاولة على الواقع والحاضر ، نشاهد ذوبان الصنم الذي عبدناه دهرا ، صنم أنفسنا الفارغة ، صنم الأنا الزائفة ، ولكن هيهات أن تكون هذه هي التجربة القاسية ، لازلنا بعيدين عنها ، إن مؤشر الهبوط لم يصل نقطة الصفر في احداثياته بعد ، نحن فقط في مرحلة التسخين ، مرحلة الضبابية والفوضى العارمة ، والتمسك بالأمل ، كمن يسير في الظلام على ومضات النجوم ، نحن في البداية ، ولن يرعوي العقل السوداني الا عندما يرى الكارثة رأي العين وبعد أن يخوض حرب الكبرياء الزائف ومعركة الكرامة الأخيرة ، حينها سيسقط في يد الجميع ، سيكتشف الجميع بطلان العقل السوداني وسيندموا على ما مضى من سنوات التيه وصلواتهم في معابد الأحجار.
9 مايو 2016
[email][email protected][/email]
يبدو أنك تحلق فى سماوات لا تشبهنا، فنحن سيدى لسنا الشعب الوحيد الذى يعتز بنفسه رغم ضآلة إمكانياته وضحالة معارفه التى (تعايرنا بها) فنحن نعرف أننا لا نمتلك مؤسسات علمية مثل تلك التى توجد فى الدول المتقدمة، أو الكثير من المؤسسات الأخرى، بل نحن لا نملك مؤسسات فى الأصل. ولكننا كشعب نعرف لماذا تقدمت تلك الدول، ولماذا تخلفنا عنها. لا تخدعك المظاهر فإذا كنت تتحدث عن مستوى الكسب الشخصى، فهناك فى هذه الدول المتقدمة أناس وهم الأغلبية الأعم فى غاية الضحالة المعرفية والبعض منهم يعيش حالة من البؤس المادى ومع ذلك يعتزون بإنتمائهم الوطنى، ونحن سيدى أنفسنا ليست فارغة كما ذكرت، ولكن ظروفنا هى التعسة، وذلك له أسبابه. كما أن مقارنة السودان بالدول المتقدمة فيه ظلم كبير للإنسان السودانى، الذى طفقت تجلده بذنب ودون ذنب، فنحن مثلنا مثل شعوب الأرض الأخرى نعتز بقيمنا وعاداتنا وتقليدنا وتاريخنا وإنتماءنا لهذا الوطن، ونحن لسنا بدعاً فى ذلك عن بقية شعوب العالم. وهذا هو واقع حالنا، ولا أعتقد أن هناك من قال لك إننا نريد أن نصبح بين عشية وضحاها من أحدى الدول العظمى هذا ليس حلمنا على المدى المنظور ناهيك عن الوقت الراهن. كل ما نحلم به الآن هو وطن يتساوى فيه أهله، يحكمه نظام ديمقراطى يفصل بين السطات الثلاث، تتحقق فيه درجة من الرقابة على المتنفذين فيقل الفساد وتشيع الشفافية التى تتيح للأعلام أن يضطلع بدوره فى كشف ناس (خلوها مستورة). يعنى أحلامنا كلها بسيطة وطبيعية، حققناها من قبل، حين كان لنا منظومة خدمة مدنية متينة ومتناغمة نعيش فى ظلها ونصدرها خبرةً للآخرين، وليس بيننا من يقبل الرشوة وبالتالى ليس بيننا من يدفعها. ولنا منظومة تعليمية تجد التقدير فى دول الجوار والعالم، ولنا جيش ندفع به لحلحلة مشاكل الآخرين، وهذه أشياء يمكننا تحقيقها لو أن الإنقاذ أرجتنا إلى حيث كنا، أى بمعنى آخر يمكننا تحقيقها لو أزلنا آثار الإنقاذ. فهل رأيت الفرق الكبير بيننا وبين الدول العظمى، التى تنخر فى عضدها الرأسمالية وتأكل لحم وعظام أبنائها، أى أن لها مشاكلها ولكنها متقدمة وقد أقتحمت الفضاء حتى كادت تخرج عن المنظومة الشمسية برمتها، والجميع يقر بذلك، وليس لدينا طمع لما فى أيديهم، فقط نحن نريد وطن طبيعى وطن عادى غير مختطف من قبل مجموعة مهووسة تحيله لدولة حزب كل موارده تذهب لجيوب وأشداق الطقمة المتنفذه الفاسدة التى تتلفع بثوب آيديولوجى مهترئ.
يجب النظر للسودان فى ظل واقعه لا وفقاً لواقع الآخرين، وبدلاً من مقارنته بالدول الغربية والحكم عليه بنفس معاييرها، ومن ثم الإفتراض بأن عليه أن يعايش ما عايشت من ويلات وعذابات وضنك حتى يلحق بها أو يحقق بعضاً من منجزاتها، فهذا حكم يبدو شاطاً و(شاطحاً)، لا أعتقد أن علينا أن نحذو حذوها، فنحن لسنا مضطرين لأن نجتر نفس التجربة، فذلك واقع وقد إنقضت أيامه (والعاقل من إتعظ بغيره). وتجارب الشعوب أصبحت اليوم متاحة للجميع ولا يحتاج أى إنسان حيثما كان أن تسقط على رأسه قنيلة هايدروجينية حتى يختبر ويعايش عذابات سكان هيروشيما وناكاذاكى فى الحرب العالمية الثانية، ومن ثم يعلن موقفه الثابت ضد إنتشار أسلحة الدمار الشامل. ليست هناك حاجة لإستنساخ تجارب الشعوب كما هى من أجل اللحاق بها. فقط علينا دراسة الظروف التى ساعدتهم فى تحقيق ما أنجزوه. وليست الدول الغربية فحسب بل كل العالم لماذا لا ننظر للدول الآسيوية، فها هى اليابان وقد خرجت من الحرب العالمية مهزومة وفى حالة يرثى لها، لم تتبع وصفتك بأن عليها أن تعيش قرون من الويل والثبور قبل أن تتطور. ومع ذلك سوف أنظر للأمر بنفس منظارك، منظار القهر والعذاب والإنكسار النفسى قبل الشروع فى عملية التطور، وعليه سوف أفترض أن اليابان قد كتب عليها أن تعايش محن السنين ولكن فى فترة زمنية وجيزة، أى إنها لم تحتج لكل تلك القرون من ضنك العيش والتردى التى إحتاجتها أوروبا حتى تنهض، ولذلك فهى وأوروبا فى العذاب سواء والإختلاف فقط فى طول الفترة الزمنية، وبالمناسبة اليابانيون من أكثر شعوب الأرض إعتزازاً بأنفسهم وقيمهم رغم أنها تحوى الكثير من الأساطير والخذعبلات، فهم لا زالوا يؤلهون الأمبراطور، ونحن لا نفعل. ثم ماذا عن كوريا والنمور الآسيوية. وأخيراً ماذا عن الإتحاد السوفيتى الذى أصبح اليوم فى معظمه روسيا، وماذا عن الصين التى كانت حتى عام 1949 تبيع الشاى وتشترى بثمنه مخدرات، وماذا عن الهند التى رغم تعدادها السكانى الهائل وتنوعها الثقافى والدينى المتسع لدرجة النشاز، تعيش اليوم ظروفاً إجتماعية وإقتصادية مستقرة. وهناك غير هذه الدول من حققت الكثير من النجاحات دون أن تبتلى بما إبتلت به أوربا، وبالطبع حتى هذه البلدان هى ليست فى أفق طموحنا الراهن، نحن أكثر تواضعاً من ذلك، فقط نحن نحلم بدولة ديمقراطية، فهل يحتاج منا ذلك أن نعايش حالة من الإذلال الذاتى والإنكسار النفسى والتمرمق فى التراب.
لا أدرى لما يريد البعض هذه الأيام أن يدفع بنا دفعاً إلى ذل المسكنة والأستكانة والصبر الطويل الذى يقتضى القرون، من أجل إنتظار لحظة خلاص. هل هذه هى (الموضة) التى يسعى البعض لتسويقها من أجل إشاعة حالة من الإحباط، ربنا يكضب الشينة.
يبدو أنك تحلق فى سماوات لا تشبهنا، فنحن سيدى لسنا الشعب الوحيد الذى يعتز بنفسه رغم ضآلة إمكانياته وضحالة معارفه التى (تعايرنا بها) فنحن نعرف أننا لا نمتلك مؤسسات علمية مثل تلك التى توجد فى الدول المتقدمة، أو الكثير من المؤسسات الأخرى، بل نحن لا نملك مؤسسات فى الأصل. ولكننا كشعب نعرف لماذا تقدمت تلك الدول، ولماذا تخلفنا عنها. لا تخدعك المظاهر فإذا كنت تتحدث عن مستوى الكسب الشخصى، فهناك فى هذه الدول المتقدمة أناس وهم الأغلبية الأعم فى غاية الضحالة المعرفية والبعض منهم يعيش حالة من البؤس المادى ومع ذلك يعتزون بإنتمائهم الوطنى، ونحن سيدى أنفسنا ليست فارغة كما ذكرت، ولكن ظروفنا هى التعسة، وذلك له أسبابه. كما أن مقارنة السودان بالدول المتقدمة فيه ظلم كبير للإنسان السودانى، الذى طفقت تجلده بذنب ودون ذنب، فنحن مثلنا مثل شعوب الأرض الأخرى نعتز بقيمنا وعاداتنا وتقليدنا وتاريخنا وإنتماءنا لهذا الوطن، ونحن لسنا بدعاً فى ذلك عن بقية شعوب العالم. وهذا هو واقع حالنا، ولا أعتقد أن هناك من قال لك إننا نريد أن نصبح بين عشية وضحاها من أحدى الدول العظمى هذا ليس حلمنا على المدى المنظور ناهيك عن الوقت الراهن. كل ما نحلم به الآن هو وطن يتساوى فيه أهله، يحكمه نظام ديمقراطى يفصل بين السطات الثلاث، تتحقق فيه درجة من الرقابة على المتنفذين فيقل الفساد وتشيع الشفافية التى تتيح للأعلام أن يضطلع بدوره فى كشف ناس (خلوها مستورة). يعنى أحلامنا كلها بسيطة وطبيعية، حققناها من قبل، حين كان لنا منظومة خدمة مدنية متينة ومتناغمة نعيش فى ظلها ونصدرها خبرةً للآخرين، وليس بيننا من يقبل الرشوة وبالتالى ليس بيننا من يدفعها. ولنا منظومة تعليمية تجد التقدير فى دول الجوار والعالم، ولنا جيش ندفع به لحلحلة مشاكل الآخرين، وهذه أشياء يمكننا تحقيقها لو أن الإنقاذ أرجتنا إلى حيث كنا، أى بمعنى آخر يمكننا تحقيقها لو أزلنا آثار الإنقاذ. فهل رأيت الفرق الكبير بيننا وبين الدول العظمى، التى تنخر فى عضدها الرأسمالية وتأكل لحم وعظام أبنائها، أى أن لها مشاكلها ولكنها متقدمة وقد أقتحمت الفضاء حتى كادت تخرج عن المنظومة الشمسية برمتها، والجميع يقر بذلك، وليس لدينا طمع لما فى أيديهم، فقط نحن نريد وطن طبيعى وطن عادى غير مختطف من قبل مجموعة مهووسة تحيله لدولة حزب كل موارده تذهب لجيوب وأشداق الطقمة المتنفذه الفاسدة التى تتلفع بثوب آيديولوجى مهترئ.
يجب النظر للسودان فى ظل واقعه لا وفقاً لواقع الآخرين، وبدلاً من مقارنته بالدول الغربية والحكم عليه بنفس معاييرها، ومن ثم الإفتراض بأن عليه أن يعايش ما عايشت من ويلات وعذابات وضنك حتى يلحق بها أو يحقق بعضاً من منجزاتها، فهذا حكم يبدو شاطاً و(شاطحاً)، لا أعتقد أن علينا أن نحذو حذوها، فنحن لسنا مضطرين لأن نجتر نفس التجربة، فذلك واقع وقد إنقضت أيامه (والعاقل من إتعظ بغيره). وتجارب الشعوب أصبحت اليوم متاحة للجميع ولا يحتاج أى إنسان حيثما كان أن تسقط على رأسه قنيلة هايدروجينية حتى يختبر ويعايش عذابات سكان هيروشيما وناكاذاكى فى الحرب العالمية الثانية، ومن ثم يعلن موقفه الثابت ضد إنتشار أسلحة الدمار الشامل. ليست هناك حاجة لإستنساخ تجارب الشعوب كما هى من أجل اللحاق بها. فقط علينا دراسة الظروف التى ساعدتهم فى تحقيق ما أنجزوه. وليست الدول الغربية فحسب بل كل العالم لماذا لا ننظر للدول الآسيوية، فها هى اليابان وقد خرجت من الحرب العالمية مهزومة وفى حالة يرثى لها، لم تتبع وصفتك بأن عليها أن تعيش قرون من الويل والثبور قبل أن تتطور. ومع ذلك سوف أنظر للأمر بنفس منظارك، منظار القهر والعذاب والإنكسار النفسى قبل الشروع فى عملية التطور، وعليه سوف أفترض أن اليابان قد كتب عليها أن تعايش محن السنين ولكن فى فترة زمنية وجيزة، أى إنها لم تحتج لكل تلك القرون من ضنك العيش والتردى التى إحتاجتها أوروبا حتى تنهض، ولذلك فهى وأوروبا فى العذاب سواء والإختلاف فقط فى طول الفترة الزمنية، وبالمناسبة اليابانيون من أكثر شعوب الأرض إعتزازاً بأنفسهم وقيمهم رغم أنها تحوى الكثير من الأساطير والخذعبلات، فهم لا زالوا يؤلهون الأمبراطور، ونحن لا نفعل. ثم ماذا عن كوريا والنمور الآسيوية. وأخيراً ماذا عن الإتحاد السوفيتى الذى أصبح اليوم فى معظمه روسيا، وماذا عن الصين التى كانت حتى عام 1949 تبيع الشاى وتشترى بثمنه مخدرات، وماذا عن الهند التى رغم تعدادها السكانى الهائل وتنوعها الثقافى والدينى المتسع لدرجة النشاز، تعيش اليوم ظروفاً إجتماعية وإقتصادية مستقرة. وهناك غير هذه الدول من حققت الكثير من النجاحات دون أن تبتلى بما إبتلت به أوربا، وبالطبع حتى هذه البلدان هى ليست فى أفق طموحنا الراهن، نحن أكثر تواضعاً من ذلك، فقط نحن نحلم بدولة ديمقراطية، فهل يحتاج منا ذلك أن نعايش حالة من الإذلال الذاتى والإنكسار النفسى والتمرمق فى التراب.
لا أدرى لما يريد البعض هذه الأيام أن يدفع بنا دفعاً إلى ذل المسكنة والأستكانة والصبر الطويل الذى يقتضى القرون، من أجل إنتظار لحظة خلاص. هل هذه هى (الموضة) التى يسعى البعض لتسويقها من أجل إشاعة حالة من الإحباط، ربنا يكضب الشينة.