مقالات وآراء

ما لكم لا تعقلون

نور الدين بريمة

نصبت إستخبارات قوات الدعم السريع، بإشراف من النيابة العامة السودانية، كمينًا وُصِف بالمُحكم في إثنتي عشرة منطقة متفرقة، في ولاية الخرطوم، أدّي إلى ضبط مواد متفجرة، عبارة عن ثمانمائة وخمسون لوحًا من الـ (تي إن تي)، وثلاثة آلاف وخمسمائة أربع وتسعون كبسولة تفجير، وأربع جوالات من نيترات الأمونيوم، وثلاث عشرة ألف لفة سلك، يتم إستخدامها في توصيل مواد التفجير؛ كما تمّ القبض كذلك، على إثنين وأربعين مُتهمًا؛ وتمّ فتح بلاغات في مواجهتهم، تحت المواد (٢٣، ٢٤، ٢٦) من قانون الأسلحة والمفرقعات، والتعامل بالبيع والشراء في المواد المُتفجّرة؛ ممّا يشِي ويُنذر بحدوث كارثة، ما لم تسارع الحكومة، إلي ذلك سبيلًا، وحسُنًا فعلت وعقدت مؤتمرها الصحفي، في السابعة عشر من سبتمبر الجاري، لتِبْيان خُطورة القضية، وتوضيح مُلابساتها للرأي العام.

وبغضّ النظر عن زيادة الأرقام، أو نقصانها، أو صحة المعلومات، أو عدم صحتها، أو رغبة الحكومة، أو عدم رغبتها، في صرف شعبها، عن قضايا المعاش، وقلّة حيلتها أو عدم قدرتها، في كبح جماح الطامعين من الرأسماليين الطفيليين، وتوجيه رسَن السوق إلي ما فيه: الرخاء، والخير، والنماء؛ نعتقد جازمين أنه بات من المؤكد، وبما لا يدع مجالًا للشك، أن الأوضاع ذاهبة إلي ما لا يُحْمد عُقباهُ، لأنّ تعقيداتها أصبحت تُشكّل تهْديدًا للإسْتقرار، خاصّة وأنّ المُتربّصين والمُتآمرين علي الثورة، ما زالوا في غيّهم وضلالهم يعْمهُون، سيّما وأنّهم ما زالوا في فسْحةٍ من أمرهم، يُدبّرُون ويكيدون المكائد، وقد قالوها من قبل صراحةً- وما زالُوا- يردّدُون بأنّهم يُعكّرون صفْوَ الشعب، والعودة به إلي أتُون (جوّعْ كلبَك يتْبعَك)، والقمْع والإسْتبْداد؛ ومُحاولة الإغتيَال الفاشلة لحمدُوك، رئيس مجلس الوزراء، ليست ببعيدة عن الأذْهان؛ وها هُم اليوْم ثانية، يُعيدونها ويسيرُون علي خُطي التفجير، للخرطوم- أي كلها- بما فيها وما عليها، يعني بالواضح (كدَا ما بالدّسْ)، ما عايزين لا أسير ولا جريح، وما عايزين كمان أعباء إدارية؛ تلك هي لغتهم التي طفقت العالمين، وبالتالي ما عندهم حاجة ليكُم؛ لذلك ينبغي علينا جميعًا وكل الفاعلين في القوي الثوريّة الحيّة؛ فتح البصيرة والبصائِر والقيام بواجب الوطن حِيال هؤلاء الفاسدين الطامعين إلي السلطة، وقطْع دابرهم وشهْوتهم؛ وقطعًا فإنّ أمن أمتنا ليس بالأقلّ شأنًا من معاشِهم، لأنّها إحدَي لوازِم العِقد الإجْتمَاعي، بيْن الحَاكم والشّعب.

وعلي المُتشكّكين والمُعتقدِين، أنّ ما جاء في المؤتمر الصحفي فِرية، وضربّا من ضُروب الخِداع، أو أنه يُنبؤ عن فشل الحكومة، في إدارة الشأن العام؛ نقول لهم: إنّ ثورتنا الديسمبريّة، ثورة قيمٍ ومبادئ، ومحرُوسةٌ بوعْي وإدراك كندَاكاتها وشفّاتتِها؛ وعليه من الصُعوبة بمكان إيهَام النّاس وصرْفهم عمّا يجري عن قضاياهم الأساسية، كالمعاش والأمن والخدمات؛ والنّاظر إلي حديث النائب العام، تاج السر علي الحبر، في ذلك المؤتمر الصحفي، إستناده علي تقرير الأدلة الجنائية، الذي نبّه ثمّ حذّر، من خُطورة تلك المواد المُتفجّرة؛ وقال: (إنّ ظهور الخَلايا الإرْهابيّة في العاصمة، تُعتبر ظاهرة مُزعجة للأجهزة الأمنيّة والنيابيّة).

ولكنّا نزيد بأنّها تُشكّل تهْديدًا لِلنسيجَ الإجْتماعي، والأمْن القومي، وعلاقات الجِوار؛ وأنّ عُلوّ كعْب خُطورتِها يكمُن، في ضعف سيطرة القوات المسلحة علي هذه المواد، أو وجود من يُسهمُون في إنسيَابها للمدَنيين، دُون رقيبْ؛ ولكأنّما الأمر تمّ تدْبيره بليلٍ لِصمّ آذان الحُكّام، عن جرَس الإنْذار المُبكّر، وهُو ما ذهب إلي تأكيده، المُتحدث بإسْم قُوات الدّعم السّريع، جمال جمعة؛ وهو يلْفِت النظر إلي خُطورة الأمْر، وهو يكشْف في المُؤتمر الصّحفي، عن مصدر هذه المواد المُتفجّرة بقوله: إنّها شركات قابضة، تقوم بإسْتيرادِها من الخارج، بهدَف إسْتخدامِها في مجال التعْدين عن الذّهب؛ ثم يُرعبنا في إشارته إلي وُجود تسْريب لهذِه المواد من بعص المُؤسّسات العسكرية الرسْمية، وهنا مكمن الخطر؛ ثمّ يضيف بقوله: إنه يتم الإتْجار فيها من خلال خلايا مُغلقة.

وبالطبّع لا يَنكر أحد إلا مُكابر، أو مَن بعيْنه حَورٌ أو رمدٌ، خُطورة هذه المواد المُتفجّرة؛ وفي البَال أنّ مَنْ تمّ توقيفهم سُودانيين؛ ربّما سجّلوا إعْترافاتٍ قضائيةٍ؛ علاوةً علي أن تقرير الأدلة الجنائيّة أكد حساسيّة المواد المُتفجّرة، وشدّتها في الإنْفجار، خاصّة وأنّ بعْضها مدَني يتمّ إسْتيرادِه بواسطة شرِكات مدنيّة، بينما مادّة (تِي إنْ تِي) لا تُوجد إلّا في المُؤسّسات العسْكريّة، وهو ما يُعزّزه الناطق بإسم الدعم السريع؛ بأنّها مُتفجّرات في غايَة الخْطورة، تُستخْدم في العمليات الإرْهابيّة حول العالم، وهي أساسية في صُنع سلسلة تفْجيرات متكاملة، تهدّد وتُزعْزع الأمن القومي، وتهْدف إلي عمل تخريبي، للتأثير على الحكومة وأدائها؛ وأنّ تنفيذ مثل هذه العمليات، كان سيؤدي إلى دمار كبير في البلاد، لا تقلّ عن الإنفجارات التي شهدتها بيروت مؤخرًا؛ سيّما وأنّ عناصر النظام المعزول، لا زالوا يسوحون في الأرض، ويحجّون في فيافيها، وبلادنا ما زالت مفتوحة علي مصْراعيْها، من كل حدْبٍ وصَوب، تفتح شهيّة المتآمرين والمتكازرين ضد الوطن، في الداخل والخارح، للقيام بأعمال تخريبية، تُعرْقل مسَارات: التغيير، والسّلام، والإسْتقرار، الذي ينشُده الشّعب السُوداني.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..