إلامَ يبثّ المعلمون أنين أوجاعهم؟ وحدةُ الكلمة تضمن لهم الكرامة

ما أكثر ما كتب المعلمون من رسائل الوجع، وما أصدق ما فاضت به أقلامهم من مرارةٍ واحتراق! ولكن، إلى متى نظلّ نبثّ الأنين ونُسكِّن الألم بالكلمات؟ إلى متى نُدوّن مظالمنا في دفاتر الصبر ولا نفتح كتاب الفعل؟ إنّ الظلم الذي يمارسه الانقلابيون على المعلمين ما عاد يُحتمل، والسكوت عنه صار جريمةً في حقّ المهنة والكرامة والإنسان.
لقد قالها أحدُ معلمي ولاية الخرطوم المكويّين بنار الواقع بصدقٍ لا يُجامل:
“معلمو ولاية الخرطوم بين مطرقة الواجبات وسندان الحقوق.
“ولقد صدق في قوله، فما أشدّ قسوة أن يُطالَب المعلم بالواجبات بينما تُسلَب أبسط حقوقه، وأن يُهدَّد بالإيقاف والفصل وهو الذي فقد بيته، وصبر على الجوع، ودرّس التلاميذ تحت ظلال الشجر وفي أطلال المدارس المهدّمة.
إنّ معلمي الخرطوم لم يُقصّروا، ولم يتقاعسوا، ولكنهم يُعاقَبون على وطنيّتهم، ويُهانون لأنهم اختاروا البقاء في أرضهم يخدمون أبناءها رغم كل شيء. ومع ذلك، ما زال بعض المسؤولين يتعاملون معهم بعقلية السلطان، لا بروح الدولة، ولا حتى بنصّ القانون أو بروح العدالة.
أين اللوائح التي تحمي المعلم من الجور؟ أين القوانين التي تضمن له كرامته حين تُهدَم مدرسته ويُقطع راتبه؟ أيّ عدلٍ هذا الذي يُشرّع الواجبات ويُعطّل الحقوق؟ إنّ الأمم لا تنهض بالجيوش ولا بالشعارات، بل تنهض بالمعلمين. فإذا أُهين المعلم، أُهين الوطن، وإذا أُضعفت المدرسة، أُطفئ المصباح الأخير في ليل الخراب.
أيها المعلمون الشرفاء، ما حكّ جلدَكم مثلُ ظفركم، وما أنصفكم غيرُ وحدتكم. لقد آن الأوان أن تتوحّد كلمتكم دفاعًا عن مهنتكم وكرامتكم، لا لتُنازعوا أحدًا، بل لتستردّوا حقًّا منحَتْكم إيّاه فطرةُ العدل قبل نصوص القانون.
وماذا سيحدث إن نهضتم صفًا واحدًا؟ لن يحدث أكثر مما حدث! فقد ذقتم أقسى ما يمكن أن يُذاق: الجوعَ، والتشريدَ، والإهانةَ، وها أنتم باقون واقفون. إنّ الخوف الذي خلّفه الظلم لا يُجدي، والسكوت الذي تذرّع بالصبر لا يُثمر. وحدتُكم هي السلاح الأخير، فاحملوه بوعيٍ ومسؤولية.
أوجاعُكم لم تَعُد حكايةً عابرة، بل صارت شهادةً على زمنٍ فقد بوصلته. فانهضوا من تحت الركام، واجعلوا من كل مدرسةٍ خيمةَ صمود، ومن كل تلميذٍ شعلةَ أمل، ومن كل مظلمةٍ عهدًا بالانتصار.
فالمعلم هو آخرُ قلاع النور في هذا الليل الطويل، وإن سقط، سقط الوطنُ كلّه.



