قوانين (وضعية) أم (وضيعة) !!

للأسف أصبحت جرائم إعتصاب الاطفال تتزايد في بلادنا بصورة مخيفة ، لدرجة تجعل المرء يتساءل هل نحن حقا نعيش في ذلك الوطن الذي عرف عنه أن أعظم ثرواته هي قيمه وأخلاق أهله الخيرين . إن المرء ليعجب حقا من صمت ولاة الامر وسلبية الجهات المعنية تجاه هذا الخطر الداهم ، كيف لا وأطفالنا قد اصبحت حياتهم في خطر دائم وتحت نيران الذئاب الذين وجدوا بيئة تتيح لهم ارتكاب افعالهم الإجرامية في أي وقت دون رادع أو مانع وهم يعلمون تمام العلم أنهم سينجون بفعلتهم ، وفي هذه عليك فقط ان تطالع تلك الاحكام المثيرة للسخرية التي تصدر في حق المدانين وتضاعف من معاناة الضحايا ، هذا إذا ما وضعنا في الأعتبار الجانب النفسي إذ أنه من الصعب أن تقتلع من ذاكرة الطفل مثل تلك الاحداث المؤلمة الا بمعالجات نفسية طويلة لا تتوفر لدينا.. لقد تحولت أحاجي الجدات الخيالية في الماضي إلى حقيقة ، تلك الأحاجي التي كان القصد منها عدم خروج الاطفال خاصة عند مغيب الشمس باخافتهم بـ : (البعاتي ? ام بعلو ? الغول) إلى شخوص آدمية بدمها ولحمها لا تظهر فقط عند مغيب الشمس بل في رابعة النهار ، بل في كل وقت تفعل ما تريــد بدون وازع من دين أو ضمير . إن هذه الجرائم تضعنا في فوهة البركان مما يحتم على الجميع التحرك قبل فوات الآوان .
إنني هنا لست بصدد تشخيص الحالة ، لكنني فقط أريد أن أشير إلى هذه القوانين التي تمنح المجرمين أحكاما مخففه. هذه القوانين مستمدة من القانون الانكليزي أي أنها من صنع البشر . لقد سميت هذه القوانين بالقوانين الوضعية لانها من وضع الانسان وحيث أن الانسان كائن غير كامل فإنه من الطبيعي أن تكون القوانين التي يضعها غير كاملة . إن أمر السماء في هذا الشأن بائن وواضح لا لبس فيه وفي القرآن الكريم الكثير من الأيات التي تجزي في هذا الشأن وقد أورد القرآن كذلك ما جاء في التوراة من تغليظ في حق هؤلاء وما يستوفيهم من عقاب . لقد تلهى حكامنا للاسف عن الاهتمام بحال المواطن وابتعدوا عن قضاياه ومشاكله وهموهه فكان هذا الانهيار الذي طال كل مضمار وحتى إن أدركوا شيئا فبعد خرابه .
إذن ماهو الحل ؟ الحل واضح ولا يحتاج إلى كثير عناء وهو يكمن في تغيير هذه القوانين ، في الهند مثلا والتي تحكمها ذات القوانين (القانون الانكليزي) والتي نكبت بهذه الظاهرة القبيحة منذ سنوات وأصبحت حياة الفتيات في خطر ، تضامن الرأي العام بشكل قوي ورائع ، كلهم رجال نساء ، فتيات شبان اطفال واخذوا يسيّرون المظاهرات ويقيمون الاحتجاجات بشكل شبه يومي امام تصاعد هذا الخطر الداهم فأضطر البرلمان الهندي في 21 مارس 2013 إلى إجازة قوانين يعتبر فيها المطاردة ، أختلاس النظر والتحرش الجنسي جريمة يعاقب عليها القانون والاعدام لمن يكرر هذه الاعتداءات أو لمن يزهق روح ضحية في حالة الاغتصاب . إن تحرك الراي العام أمر هام وضروري وفي السودان قام بعض الاخوان والاخوات مدعومين ببعض المحامين وبشكل طوعي في المضي قدما في هذا الاتجاه لكن ذلك لا يكفي فالجهات المعنية تحتاج إلى ضغط أكبر وتحرك واسع النطاق مسنود بالاعلام بكافة أطيافه، أما المواطن فلم يعد له حول ولا قوة وهو يجاهد ويصارع من أجل أن يكفل لاسرته ما يسد به الرمق وغاية ما يمكن أن يفعله هو الدعاء بالتوفيق . إن هذه الحركة تحتاج إلى دعم متواصل حتى يتصاعد زخمها وتصل اصوات المقهورين إلى اذان الجهات المعنية وإنني أعجب حقا بأن تأتي مثل هذه المبادرات من اشخاص او من منظمة من منظمات المجتمع المدني . اليس من المفروض ان تخرج مثل هذه المبادرات من داخل قاعة البرلمان . اليس هؤلاء ممثلو الشعب ؟ هل يحتاجون إلى من يسمعهم بضرورة تغيير هذه القوانين التي أسميها قوانين وضيعة وليست وضعية ، الا يقرأون ؟ ألا يسمعون بما يجري حولهم ؟ ثم ماذا يناقشون تحت ذلك السقف ؟ هل هناك قضية أهم من القضايا التي تتعلق بحال المجتمع وأخلاق الأمة . ليس هم وحدهم بل أنني أنادي كذلك كل القضاه المحامين في الجسم القضائي والعدلي أن يتحركوا في ذات الاتجاه وأن يعملوا على صد ذلك الوحش القادم الذي صار فحيحه يسمع في كل مكان .
ياهؤلاء يامن رفعتم شعار (المشروع الحضاري) أتقوا الله في هذه الامة فغدا ستذهبون وتسألون أمام الله فعليكم أن تلتفتوا إلى فلذات اكباد هذه الامة وتؤمنوا لهم الحماية اللازمة فهم أضعف شرائح المجتمع حيث لا حول لهم ولا قوة وهم ينظرون إلى الكبار باعتبارهم الحماة فكيف اذا ما انكشف ذلك الغطاء ؟ نعلم أن البلاد مواجه بتحديات كثيرة لكن عليكم أن تدركوا بأن الأمن الاجتماعي لا يقل أهمية عن الأمن القومي . أحموا نسيج هذه الامة وبادروا اليوم قبل الغد على جعل هذه القوانين اكثر ردعا وحسما لهؤلاء المجرمين . إفعلوا خــيرا وأعملوا على حفظ اطفالنا فهم أمل هذه الامة وثروة غدها المأمول ، شــكرا .
[email][email protected][/email]