مقالات وآراء

تربية تنجب أحراراً ، وتعليم يحرر المواهب

حسن عبد الرضي

إن التخطيط الجيد لمناهج التعليم هو السبيل الوحيد الآمن لتغيير واقع تعليمنا الفاشل ، الذي يظهر ، عياناً ، في سلوك تلاميذنا وطلابنا ، والذي يخلق من خريجينا طبقة لا تهتم بحالة مجتمعهم البائسة. فكيف لنا أن نلحق بركب الأمم المتقدمة ، إن كانت تلك مناهج تعليمنا. إن كان ما ذكرته صحيحاً ، إذاً ، لا بد لنا من تصميم منهج للتعليم يعصم خريجينا من أن يكونوا طبقة لا تأبه لحالة البؤس التي تعاني منها أسرهم ومواطنوهم وعامة شعبنا. وتظهر حالة الفصام التي يعانيها خريجونا في سلوك حكامنا ووزرائنا ومسؤولينا ومثقفينا ومتعلمينا، كمنتوج معاش لتخبط تلك المناهج الخاوية ، إذ لم تؤهل مناهج التعليم عندنا، المتعلمين ليكونوا قادرين على تفهم حالة مواطنيهم ، وإعانتهم على الخروج من مستنقع التخلف والتدهور المستمر في كل مناحي حياتنا التى تحتاج لخريجين ينهضوا بها ويطورونها ، وبدلاً من ذلك، صار هؤلاء (المتعلمون) عبئاً ثقيلاً وهماً يجثم على صدور مَنْ دفعوا ، بسخاء ، لتعليمهم ، حتى قلّت حماسة المهتمين بالتعليم ، وأصبحوا زاهدين في إصلاحه ، بسبب نتائج مناهجنا الكارثية ، التي جعلت مقولة (القلم ما بِزِيلْ بِلَمْ) تبدو أقرب للمسلّمات.

إن الصور الصادمة لمخازي بعض المتعلمين التي أفرزتها مناهج التعليم ، تحتم علينا السعي الحثيث إلى وضع مناهج تجعل من خريجينا طلائع من الإنسانيين الذين يسعون لإسعاد أهليهم ، بل ولإسعاد البشرية كلها ، والذي لن يتأتى إلا بتعليم جيد ، نتواضع على إعادة النظر في مناهجه ، وذلك يوجب علينا قيام ثورة ثقافية ، وثورة فكرية تتوج ثورة ديسمبر المجيدة ، التي فجرها شعبنا لتحقيق شعارات (الحرية والسلام والعدالة) ، والتي ما زال يحلم أن ينزلها إلى أرض الواقع. ويقيني ألا حرية ولا سلام ولا عدالة بغير تعليم جيد موجه ، يفجر مواهب طلابنا ، ويجعل منهم خريجين مفيدين لمجتمعهم في شتى المهن التي تخدم التنمية في جميع أصقاع بلادنا الواعدة. ودلت التجربة العملية في غضون الأعوام القليلة الماضية ، على أن لن تنزل شعارات الثورة العظيمة لأرض الواقع بلا تربية تنتج أفراداً مفكرين ، ناضجين إنسانيين.

يتضح مما سبق ذكره حاجتنا الماسة لفلسفة ثورية في مجالي التربية والتعليم ، إذ إن غرض التعليم ، هو إكساب الفرد الخبرة المهنية التي تجعله مفيداً للمجتمع في الميدان الذي خلق وهو مستعد له ، بما ركز في فطرته من موهبة. وهو ضروري ليسلح الأفراد بالقدرات العلمية ، والفنية ، والإدارية ، والتكنولوجية ، لتنمية حضارة مجتمعهم ، وللتسامي بها في مراقي الكفاءة والكفاية. وفي التعليم يقع التخصص ، ويقع التمييز ، ويسود الاتجاه إلى التخطيط لحاجة المجتمع. كما يقع التمييز بين الرجال ، والنساء ، ويقع التمييز بين الرجال ، والرجال أيضاً ، ذلك بأنه إنما يرمي إلى تنمية ، وتغذية الموهبة عند كل موهوب ، حتى يخدم مجتمعه في الميدان الذي خلق وهو مستعد له استعداداً فطرياً ، بيد أن هذا التمييز الذي يقع في ميادين الإعداد لخدمة المجتمع لا يحمل معه أي امتياز اجتماعي ترتفع به ، تلقائياً ، مكانة فرد فوق فرد آخر. وأما غرض التربية ، فهو تحرير المواهب الطبيعية: العقل ، والقلب ، من أسر الأوهام ، والأباطيل. فبسلامة القلب من الخوف ، وصفاء الفكر من الأوهام ، تتحقق حياة الفكر ، وحياة الشعور ، وهي غاية كل حي. وهي مهمة التربية. وللتربية وظائف كثيرة هي في جملتها نقل الإنسان من الاستيحاش إلى الاستئناس ، حيث تصبح عاداته جميعها إنسانية ، ومهذبة. وحيث يحاول ، بجهد الطاقة ، أن يترك كل شيء على صورة أحسن من التي وجده عليها. والتربية ، بخلاف التعليم ، لا يقع فيها التخصص، ولا التمييز بين الرجال والنساء وإنما هي حق أساسي لكل فرد بشري ، وهي تشمل حتى الأطفال ، ولا تُحد إلا بطاقاتهم على التلقي ، والإدراك ، والتنفيذ. والقاعدة الذهبية في التربية هي أن تضع الأفراد أمام المسئولية ، وأن تعينهم ، بكل الوسائل ، على تحمل المسئولية ، ذلك بأن غرض التربية هو إنجاب الأفراد الناضجين. وملخص غايات التعليم يتمثل في تحرير المواهب الطبيعية عند كل الرجال وكل النساء ، وإكساب كل فرد رجل أو امرأة المهارة الفنية والعلمية التي تجعل حياته نافعة له ولمجتمعه.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..