العشابون والموت البلدي

كان متوقعاً أن تزيد نسبة اللجوء إلى العلاج البلدي في السودان بعد ارتفاع تكاليف العلاج والدواء لأن ثقافة المجتمع السوداني التقليدية هي في الأصل لم تكن ثقافة عيادات ودكاترة بل ثقافة البصيرة والشيخ والعشاب.. وقد اقتنع الكثير من السودانيين بعد جهد طويل من التوعية وتطور الحياة بأن يذهب الواحد فيهم للطبيب في عيادته طالباً العلاج أو يأخذه أبناؤه إلى الطبيب بعد أن تسوء حالته بسبب عدم اكتراثه بأعراض المرض وعدم حرصه على الشكوى من المرض في مراحله الأولى .
ثم بعد أن ارتفعت تكاليف العلاج والدواء وجاء زمان الوزير بدر الدين ودكتور مأمون حميدة كملت (الناقصة)، ولم يعد الكثير من الأبناء يمتلكون نفس الحماس القديم لـ(تحنيس) والدهم أو والدتهم وبذل كل ذلك المجهود الذي كان يبذل لأخذهم إلى الطبيب .
خاصة وأن حكاية التداوي بالأعشاب ولافتات المحتالين والمتوهمين بأنهم فعلاً يقدمون علاجاً ناجعاً للكثير من الأمراض أو معظمها كانت قد انتعشت هذه الحكاية في سوق حكايات الأزمة التي نعيشها .
وزارة الصحة تحذر من مراكز العلاج بالأعشاب والحكومة الأخرى ـ حكومة المحليات والإيصالات ـ تمنح التصاديق لمن يسمونهم بالعشابين .
أحدهم وصف تركيبة عشبية لأحد أقاربي قبل سنوات لعلاج قولون تقريباً ففعلت تلك التركيبة بمعدة قريبنا هذا ما لم تفعله قوات الأسد في حلب في اليومين الماضيين، وعاش بعد ذلك سنوات طويلة من عمره بين عيادات الدكاترة يبحث عن علاج لما أحدثته تركيبة ذلك العشاب من مشاكل مستفحلة في معدته وإمعائه .
وشخصياً ومنذ ما قبل تحقيق الزلزال الذي نشرته (اليوم التالي) لم أعد أطالع أخبار وتصريحات وزير الصحة بولاية الخرطوم بثقة وافرة في دوافعها وأهدافها وهذا أمر يخصني طبعاً.. لكن أظنه ليس إحساساً حصرياً لأنني لا أعرف مأمون حميدة وليست لي معه أية مشكلة شخصية .
المهم، مهما تكن دوافع حميدة في تصريحه التحذيري الذي طالب فيه بتكثيف الحملات على العيادات الوهمية ومنتحلي صفة طبيب والعشابين فإن الأمر الذي طالب به هو أمر مطلوب وبإلحاح شديد ..
بل يجب إلغاء تصاديق مراكز التداوي بالأعشاب بشكل كامل، وهذا القرار قد يكون صعباً، لكن لا مبرر لوجود أية جهة تصف علاجاً علمياً آمناً لمريض سوى المستشفيات فقط .
ولا يجب أن يكون هناك مكان لصرف أو بيع الأدوية والعقاقير الطبية غير الصيدليات .
لا تجعلوا حياتكم وصحة أبنائكم وأهلكم رهينة لخيارات الأزمة يا سادة يا كرام.. كفانا انتكاسات، كفاناً ارتدادات للخلف، كفانا عودة لخيارات متخلفة في جوانب أخرى من حياتنا تحت الضغط الاقتصادي .
قد تنتهي الأزمات الاقتصادية ويفرج الله عليكم فلا تصنعوا أزمات أخرى مرتبطة بالأزمة الاقتصادية مثل انتكاسات الوعي والعودة إلى نقاط متخلفة كنا قد تجاوزناها وتجاوزها مجتمعنا بصعوبة .
الضغوط الاقتصادية يجب أن نعمل على محاصرة الآثار المترتبة عليها بكافة الوسائل وبقدر الإمكان، لأن أزمات الثقافة وأزمات الذهن الذي نفكر به لن تنتهي حين تنتهي مشاكلنا الاقتصادية التي نرجو لها فرجاً قريباً أو نتمناه .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين
اليوم التالي
يا جمال إن تعلقك بالإنقاذ ينتقص صدق مقالك. أبعد يا جمال عن الإنقاذ فهم بإختصار شديد…لصوص ، ولا تكن للخائنين نصيراً
اخ جمال اختشي على نفسك الناس في شنو وانت في شنو خليك زول وطني نحن في الناس الجابوا العشابين يعني داير شجرة العشر تطرح عنب ارتفع لمستوى المسؤلية