وداعا امين

كيف لي – من بعيد – تأبين رجل مثل امين مكي مدني !؟، إن أشق الكتابة – في ظني – هي سطور التأبين والرثاء، رغم ان اجمل سطور التاريخ، هي المدونات التي التي انفجرت في لحظات حزينة.
ما بين اللحظتين، اللقاء الأول والوداع الأخير، أصبحت الحالة المبهمة ، قابلة للتعليل ، فقد اكتشفت بعض أسباب الانجذاب اليه ، القدرة علي التمييز بين الجوهر والقشور ، الوضوح والحماس ، صفاء المعدن والاخلاص ، الحرص الوطني وصلابة المواقف ، الفروسية والتواضع.
فقد استضافني مراراً في مكتبه بالخرطوم حيث تشارك مع شقيق روحه ورفيق عمره مولانا التجاني الكارب. للحديث عن القضايا العميقة ، شئون التغيير (الحلم والمبتغى والقضية) وفضائل دولة القانون ومعاني حقوق الانسان ، وأشهد انه كان عقلاً متفتحاً، وقانونيا ضليعاً ،وسياسيا محنك ومعلما ومربيا.،ودوداً مع الناس كافة .
إن ما شاع عن سيرته ، باعتباره محاميا قديراً ومدافعا ً عن حقوق الانسان وداعياً لدولة القانون والمؤسسات ، ليست كافية لرسم ملامح شخصيته وهي لا تكفي لتبرير مكانته في قلوب أصدقاءه وزملاءه ، وأغلب الظن أنه استمد مكانته الفريدة ، من جوانب إنسانية بحتة ، تنبعث من ” المنبت والقيم والخصال والمواقف ” .
ما من شك أن إحتراف القانون يغرس قيم الحق والعدل والمساواة ، غير ان هذه القيم لا تنمو اذا لم تبذر في تربة صالحة ، فالمنبت ، في المطاف الأخير ، هو المسؤول عن ما يتبناه الرجال من قيم وما يكونون عليه من خصال ، وأغلب الظن ، أن سلالة كريمة ، هي من غرس فيه هذه القيم .
انني علي وجه اليقين ، غير قادر علي إحصاء خصاله ، فقد كان بسيطاً في مسلكه ، صلباًفي مواقفه ، شديد الاعتزاز برأيه متواضعا امام رأي الآخرين ، عفيفاًفي حياته قريباًمن الزهد ، هادءاً وصبوراً نزيهاً في حكمه علي الناس والوقائع والظروف وواقعياًفي فهمه للحقائق ومرناً حين تشتد الحاجة للتسويات ، رغم صلابة النضال والحماس الوطني وضخامة ما يراوده من الأحلام، لقد كان – علي الإجمال – رجلاً من طينة الكبار، سنوات ، أجبرتنا الظروف فيها على التباعد المكاني ؛ جسده المنهك من طويل المسير وصدق النضال وترحالنا سعيا إلى غصن رحيم ، تابعته من بعيد وهو يواصل دفاعه عن ( مقدساته ) حقوق الانسان ، دولة القانون وعقيدة الدستور ، بتلك الصلابة التي اعرفها . ثم فجعنا بفقدانه ، في وقت عصيب ، يعرف الناس خصائصه . ورغم أنني علي يقين من أن ( لا أحد يرحل قبل أوانه ) فقد تمنيته حياً الْيَوْمَ ليواصل النضال في الدفاع عن حق جديد من حقوق الانسان ، أفرزته الظروف وهو ( حق الحزن ) ، فأنا – وأمثالي – في الغربة ، نمارس حزننا منقوصاً ، علي الفقيد وغيره من الأحبة.
تذكروا ، أن الناس ؛ لا تدفن في التراب غير أثمن الأشياء ( الكنوز ورفات الأحبة ) أما الأرث العظيم للأسلاف فيبقي ، يبعث علي الفخر ويحصن الأجيال الجديدة عن الوقوع في مواطن الزلل.
فيا أبناءه وتلاميذه ومحبيه ، تمسكوا بإرثه ، ليس إرث الدراهم والدنانير ، بل الباقيات الصالحات ، خصاله وقيمه ومسلكه . رحم الله امين فقد كان امينا على قلوبنا واحلامنا كان امينا على الوطن . [email][email protected][/email] مصطفى محمد عمر
٢٢ نوفمبر ٢٠١٨
القاهره

تعليق واحد

  1. اللهم أغفر له وأرحمه بقدر ما دافع عن حقوق شعبه المقهور ومقاومته للظلم والظالمين باسم القانون والمتسلطين على شعبنا

  2. اللهم أغفر له وأرحمه بقدر ما دافع عن حقوق شعبه المقهور ومقاومته للظلم والظالمين باسم القانون والمتسلطين على شعبنا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..