راقدين خيط

« راقد خيط » وفي رواية « راقد سلطة » بفتح السين،هذه وتلك من إبداعات الثقافة الشعبية في وصف من تبدو عليه ملامح الضعف والإرهاق والتعب، أما إذا قال لك أحدهم إن هذا الشيء «راقد قش» أو «راقد هبطرش» فإنه يعني الكثرة والوفرة..جاء في بعض صحف الأمس أن نائبا بتشريعي الخرطوم أقر في تعليقه على تقرير أداء وزارة الصحة الولائية بوجود مشكلة في التغذية لدى عامة المواطنين ، عازيا سبب نسبة التردد العالية بالمستشفيات لضعف الغذاء ، وكأني به يريد أن يقول « الناس راقدة سلطة » ، وعطفا على حديث هذا النائب أذكر تماماً أن وزارة الصحة «لم أتذكر أيهما الولائية أم الاتحادية ويرجح عندي أنها الأخيرة»، كانت قد قالت للناس قبل نحو ثلاثة أعوام ما معناه بالعبارة الشعبية «إنتو راقدين سلطة»، وذلك من خلال تصريح منشور في توصيف الحالة الصحية العامة في البلد، مفاده أن الحالة العامة للمواطنين تعاني ضعفاً في المناعة الطبيعية، ما يعني أن الأجسام لم تعد تقوى على مقاومة الأمراض ودحر الجراثيم والميكروبات بالكفاءة والقدرة المطلوبتين لوسائل دفاع الجسم الطبيعية، بما يؤدي إلى الضعف والهزال العام والقابلية للإصابة بالأمراض..كما نشرت من قبل الغراء «اليوم التالي»، ملخصا لدراسة أجراها عدد من أساتذة الطب،ورد فيها أن 60 في المائة من مرضى ولاية الخرطوم يعانون من الأمراض «النفسو جسدية» التي يتداخل فيها المرضان النفسي والجسدي، وعزت الدراسة هذه النسبة العالية من الإصابة بهذا المرض المشترك بين ماهو عضوي وما هو نفسي، إلى الضغوط الحياتية المتزايدة، وإذا ما قرأنا هذه الدراسة الأخيرة لمجموعة من أساتذة الطب مع التقرير السابق لوزارة الصحة وما قاله مؤخرا نائب تشريعي الخرطوم، سيتأكد لنا فعلاً أن الكثير منا «راقدين سلطة » ..
وقد صدقت الوزارة ومن بعدها دراسة أساتذة الطب ومن بعدهما النائب، فمن يرى الحالة العامة للناس في الشارع العام أو في مواقف المواصلات أو داخل البصات والحافلات، أو هم يتحلقون داخل وحول مستشفيات الميري أو في أي ملتقى أو تجمع شعبي، يلحظ بوضوح الرهق والتعب والضعف البائن على محياهم وخطواتهم المتكاسلة، بل إنك قد لا تحتاج أكثر من أن تنظر لنفسك وتقيّم حالتك الصحية لتكتشف أن مناعتك قد ضعفت وصرت أكثر قابلية لاستقبال الأمراض، إذا عطس جارك أصبت بالإنفلونزا لا محالة وعلى ذلك قس?
وكيف لا تضعف المناعة ولا تصاب نسبة كبيرة بالأمراض «النفسو جسدية»، وقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية وبلغت سقفاً لم يستطع بلوغه السواد الأعظم، بل إن عدداً كبيراً جداً ممن بلغوه قد بلغوه بشق الأنفس وعلى حساب عدد من الضروريات الأخرى، وهذا وحده من أكبر أسباب إضعاف المناعة التي يحتاج بناؤها إلى التغذية الكاملة المتوازنة وبكمية معلومة صحياً، وإلى عدد معلوم كذلك من السعرات الحرارية التي تمد الجسم بالطاقة والحيوية، هذا غير حاجتها إلى الراحة والهدوء والنوم الهانئ لساعات كافية.. إذن كان من الطبيعي مع البوش والحشو أن تضعف المناعة، وكان من الطبيعي أيضاً مع الهموم و«المساسقة» واللهث والضغوط أن تعتل النفوس..
الصحافة