وهل تبقّى ثمن؟

أبريل الماضي، حينما رفع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الغطاء عن الصفقة الأمريكية لانفصال جنوب السودان، قامت الدنيا ولم تقعد.. لافروف تحدث بصراحة عقب مؤتمر صحفي شهير مشترك مع نظيره الأمريكي، مختصر حديثه أن الأمريكان طلبوا من الروس الضغط على الرئيس عمر البشير كي يجعل خيار انفصال جنوب السودان ممكناً?لافروف، عرج على قضية المحكمة الجنائية دون أن يشير صراحة إلى أن صفقة تمت بين الطرفين، وترك الباب مفتوحاً للتحليل والربط بين الانفصال والجنائية الدولية.
وزير خارجيتنا إبراهيم غندور، لم يترك ذلك الجدل الكثيف الذي أثارته تصريحات لافروف، تكرم مشكوراً بالرد والتوضيح، إذ أكّد حديث لافروف وأقر بأن انفصال الجنوب كان مؤامرة، والحكومة السودانية قبلت بها، أي أن الحكومة بصمت عليها بالعشرة، لكن غندور لم يتكرم بكشف المقابل. ثمن هذه (المؤامرة).
أمس، نقلت (العربي الجديد) تخوّف حزب المؤتمر الشعبي من (الثمن) الذي ينبغي دفعه مقابل رفع العقوبات الأمريكية على السودان، والتي تنتظر أكتوبر الوشيك للبت في أمرها، مع توقعات برفعها نهائياً..الشعبي الذي تزعمه علي الحاج عقب رحيل الترابي، يخشي فيما يبدو أن يكون (الثمن) المقبوض هو (تصفير) الإنقاذ، مثلا..وهو أشد حرصاً على بقائها..الشعبي ضرب مثلا بإطلاق سراح الأستاذ الجامعي مضوي إبراهيم معتبرا أن الحكومة لا تخضع إلا للضغوط الخارجية.
تخوّف المؤتمر الشعبي أشبه بشخص كان يغط في نوم عميق واستيقظ مذعوراً?(الثمن) الذي يتحدث عنه الشعبي دُفع مقدماً، ولا يزال الدفع مستمراً، ولسان الحال يقول (أعطيت ما استبقيت شيئا) لكن المقابل ماذا؟ وهل من الذكاء أن تمنح مقابلا لمن هو مستعد على الدوام أن يدفع الأثمان الباهظة بكرم فياض. لماذا أخسر طالما الطرف الآخر مستعد للخسارة أضعاف مضاعفة.
هل فات على الشعبي أن الرئيس البشير بنفسه أقر أمام حزبه منتصف عام 2014م، وفي مناسبة حزبية، قال البشير فيما معناه، إن الذين سعوا وعملوا لانفصال جنوب السودان، الآن حاقت بهم الندامة، ثم أشار إلى أنهم، أي الأمريكان، بدأوا يحدثوننا في السر عن أمل في عودة الجنوب والشمال دولة واحدة.
الثمن المدفوع على أي حال لن يكون أكبر مما دُفع في السابق، حينما جعل مشروع الشعبي الذي يحكم السودان قيام دولة في جنوبه أمرا ممكناً وبكل سلاسة، هل هناك ثمن أكبر من الذي دُفع؟ بل هل تبقى للإنقاذ ثمن لتدفعه؟
التيار