مُوسِـمُ الهِجــرَةِ إلـى الطيّــب صَالِـح ..

أقرب إلى القلب :
(1)
قبيل مغيب الخميس، اليوم الثاني عشر من شهر أكتوبر عام 2017، جئنا إلى “شارع بليس” الشهير في قلب بيروت، أنا وصديقي الدكتور “عبد السلام سيد أحمد”، الممثل الاقليمي للمفوض السامي لحقوق الإنسان(الأمم المتحدة) في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمقيم في بيروت. دلفنا إلى المدخل الرئيسي لأعرق جامعة في الشرق الأوسط: الجامعة الأمريكية في بيروت. “د. عبد السلام سيد أحمد”، هو العضو النشط في لجنة الجالية السودانية، التي برمجت الاحتفالية الخاصة بخمسينية رواية “الطيب صالح” “موسم الهجرة إلى الشمال”.
مضينا معاً إلى الجامعة الأمريكية في بيروت. آثرنا أن نتخلّى عن السيارة لنمضي راجلين إلى قاعة الندوة، إذ الساعة هي ساعة ذروة مزعجة في طرقات بيروت، وقد يستغرق المشوار بالسيارة لما قد يزيد عن الساعة، فيما قطعنا المشوار على الأقدام، في أقل من عشرة دقائق. العراقة بادية في شموخ المباني المشيدة منذ أواسط سنوات القرن التاسع عشر، ولكنك لا تحتاج أن تسأل أين “الكوليج هول”: القاعة “ب-1″، التي ستقام فيها الاحتفالية بخمسينية رواية الروائي العظيم “الطيب صالح”: “موسم الهجرة إلى الشمال”. ذلك من حسن الترتيب ووضوح معالم هذا الصرح التعليمي العريق.. كان جمعٌ من المهتمين أوّلهم رئيس البعثة الدبلوماسية سفير السودان الأستاذ على الصادق، قد أمّوا تلك القاعة. جلستُ إلى منصّة الندوة، فرصدّتُ من الجالسين كثيرين من البيروتيين والسودانيين المقيمين، الذين عرفت على أيامي سفيراً في بيروت منذ سنوات قليلة. الثوب السوداني اللافت في صفّ الجالسين، كان للدكتورة آمنة بدري، نائب رئيس جامعة الأحفاد للبنات في السودان. من خلف مقعدها جلس صديقي الأديب الناقد ومدير “دار نلسن للنشر” الأستاذ سليمان بختي.
(2)
بدأت الندوة بكلماتٍ افتتاحية، ابتدرتها الدكتورة “داليا جبارة” المحاضرة بالجامعة الأمريكية ببيروت، وهي وجه سوداني مشرف في الوسط الأكاديمي في بيروت، ثم تلاها السيد عبدالله مالك رئيس لجنة الجالية السودانية في بيروت، بكلمة ترحيبية بالحضور المميّز الذي جذبته الإحتفائية برواية “الطيب صالح”، من السودانيين واللبنانيين، وبعض الجنسيات الأجنبية الأخرى. تولت الدكتورة “نوال الحوار” وهي إعلامية وأديبة شاعرة من سوريا الشقيقة، إدارة منصّة الندوة، وأوجزت في كلمات مهمّة، مسوغات الاحتفاء بعمل “الطيب صالح” الروائي المميز، من منطلق المحبّة والتقدير. كنا جميعنا ضيوفاً عليها في الأمسية السابقة، لترتيب اللمسات الأخيرة على الفعالية، سيدة كريمة مضيافة تشعّ كاريزما الشاعرية المرحة من ملامحها الجميلة..
ثم بدأت الكلمات والأوراق العلمية الرسمية عن الرواية المحتفى بها. قدم الدكتور ماهر جرّار المحاضر في الأدب العربي والإسلامي بالجامعة الأمريكية في بيروت، ورقة بالغة العمق عن الرواية، مشيراً إلى أن الرواية وإن اعتبرت ضمن أدب ما بعد الكولونيالية، فهي أيضا وكعمل روائي، قد تجاوزت المرحلة “المحفوظية” (في إشارة ذكية إلى “نجيب محفوظ” كما هو واضح)، وقد تناولت التماس الرأسيّ بين الشمال والجنوب، وليس الأفقي بين الشرق والغرب، كما في الأعمال السابقة عند سهيل إدريس وتوفيق الحكيم ويحي حقي وغيرهم من أدباء العربية..
عند “ماهر”، أن رواية “موسم الهجرة”، هي العمل الروائي الذي لن تكفيك قراءته مرّة واحدة، بل عليك أن تعود إليه مراراً لتكتشف زوايا جديدة، خفيتْ عليك في قراءتك الأولى. إنها رواية مراوغة، كما في قوله.
(3)
حدثتنا أستاذة الدراسات الحضارية في الجامعة الأمريكية في بيروت، الأستاذة عايدة أرصقلي عن تجربة تدريسها لرواية “موسم الهجرة إلى الشمال”، وعن تميزها عن كافة الأعمال الأدبية التي ألقتها على طلابها في الجامعة. لعلّ ما يلفت حقاً، أن الجامعة الأمريكية في بيروت، هي من أوائل الجامعات التي أولت رواية الطيب صالح عناية واحتفاءا، وأجازت تدريسها ضمن مناهج الدراسات الحضارية لطلابها، وذلك منذ سنوات باكرة.
قدم الأستاذ “أبو سبيب الصادق”، الخبير ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ورئيس وحدة دعم إدارة البرامج الإقليمية-المكتب الإقليمي للدول العربية، ورقة رصينة محورها تساؤله الذكيّ إن كانت الرواية تحمل في طيّاتها إجابة على سؤال، أم هي سؤال ينتظر الإجابة. وطوّفَ “أبو سبيب” في متون الرواية بعمقٍ وبحذق. لم يغفل “أبو سبيب” عن شخصيات الرواية، مثل “حسنة بنت محمود” و”الراوي”، وشخصيات أخرى أعطت للقرية الوادعة في خاصرة النيل بعدها السحريّ الذي أضفى على عودة “مصطفى سعيد”، ألقا متجدّداً.
(4)
جاءت الأديبة الروائية اليمنية “هُدى العطّاس”، تحمل فرحاً عارماً برواية “الطيب صالح” البديعة: “موسم الهجرة إلى الشمال”. ولا إن أحسسنا بعمق جراح “اليمن السعيد”، فقد أطربتنا طرباً باذخاً بدخولها إلى أعماق الرواية، فادّعت الأديبة الرقيقة، في حديثها المرح، أنها الضرّة الإفتراضية لـزوجة “مصطفى سعيد”، أما “حُسنة” فليست إلا غريمة لها. أشاعت “بنت العطاس” بسجيتها الممراحة، جواً من الابتسام والارتياح. .
أمّا السفير جمال، فقد آثر أن يلبس قناع “الرّاوي”، صديق البطل “مصطفى سعيد”، فأخرج في ورقته سيف التحدّي، ناقماً على ناقد افتراضي من بين النقاد الافتراضيين الذين صالوا وجالوا وحللوا وخاضوا في سيرة “السعيد مصطفى”، بما هو حقٍّ وما هو باطل. تبّـاً على من ادّعى أن “مصطفى سعيد” هو “الطيب صالح”، إذ تلك فرية لا يشيعها إلا من أراد شرّاً بـالرّاحل “الطيب صالح”. ولعلّ بعض نقاد هنا وهناك، قد تناولوا العمل الروائي، متجاهلين ذلك الدور الذي لعبه “الراوي” في اضفاء التناقم على وقائع ما دار في تلك القرية في منحنى النيل، والتي صاغ فصولها بقلمه السحريّ الرّاحل “الطيب صالح”، قبل أن يشيع ذكر “الواقعية السحرية” وصفاً لأعمال أدبية، ممّا كتب الأمريكي اللاتيني “ماركيز” .
(5)
حين أزمعتُ السفر إلى بيروت، سألني لفيفٌ من أصدقائي الصحفيين والإعلاميين عن خبَري، فأعلنتُ أنّ السودانيين في بيروت، أعدّوا العدّة ودعوني للاحتفاء معهم، بمرور خمسين عاماً على صدور كتاب ٍهوَ من ضمن خمسين كتاباً، الأكثر تميّزاً في القرن العشرين، وقد ألفه عبقريّ الرواية العربية الراحل “الطيب صالح”: “موسم الهجرة إلى الشمال”. سعد أصدقائي بنبأ الاحتفالية، ولكن دهشتهم كانت أشدّ من سعدهم. قلت لهم دعتني الجالية للمناسبة لأشارك بورقة حول الرواية مع لفيفٍ من كُتاب وأدباء عرب في تلك الندوة التي تحمّست لها الجامعة الأمريكية في بيروت، وأسهمت في تنظيمها.. هي الجامعة التي ضمّنت الرواية في مناهج محاضرات الأدب العربي لطلابها.
تتذكر بيروت خمسينية الرواية الأشهر، تلك العاصمة التي احتفت برواية “الطيب صالح”، ونشرتها أول مرة، في مجلة “حوار” اللبنانية اللندنية، والتي كان رئيس تحريرها الأديب اللبناني الراحل “توفيق صايغ”، وأحد كبار مستشاريّ تلك المجلة، الدبلوماسي السوداني والأديب الراحل “جمال محمد أحمد، وقت أن كان سفيرا للسودان في لندن أواسط عقد الستينات من القرن الماضي. كلا الرجلين جَهِدا أن ترى رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” النور، فتلاقى السودان مع لبنان لتخرج تلك الرواية العبقرية إلى جمهور قراء العربية أول مرّة في سبتمبر من عام 1966. لا غرو أن تتذكر بيروت في يوم 12 أكتوبر 2017، تلك الرواية، في مناسبة خمسينيتها.
الأغرب في الأمر، ومن مصادفات القدر، أن ينهض المعدّون لجائزة “كتارا” للرواية العربية في دولة الامارات، فيعلنون في ذات التاريخ، أي يوم الثاني عشر من أكتوبر 2017، أن يكون يوماً ثابتاً كلّ عام، بل عيداً سنوياً للرواية العربية. أحيا الناس في بيروت وفي الخليج، ذكرى الرجل وروايته، وفاتَ على السودانيين الاحتفاء بالرواية في يوبيلها الذهبي.
أنا السعيد بأن مثلتكم هنالك..
فكلّ عام وأنتم وشخوص “موسم الهجرة” بخير..
++++++
[email][email protected][/email] بيروت- 12 أكتوبر 2017
شكرا يا سعادتك علي هذا التطواف الممراح لرجل عرفته شخصيا عن قرب يكفي ان اقول ترلال عبقري اصيل معجون بماء النيل وكفي !!!كيف نتذكر الطيب في خمسينية روايته فنحن في سبات عميق لشعب حي في جوهره قتلونا اولاد الايه …..نحن كما قال شاعرنا الشعبي (بعد ما وصلنا مالنا رجعنا جينا ) وما لنا لا نرجع وقد حكمنا رجال من الفضاء الفارغ حتي من هواء الله الساري …كيف نتذكر وقد ماتت الكولزيوم التي احتفلنا ذات مساء في السبعينات بفيلم زد وموسيقاره اليوناني ونحن شباب في مظاهره ابكت الرجل حيوتنا …كيف نتذكر وقد ارذلنا هذا الارذال الذي تري اطيب فيه فساده تصور!!!
فقط انوه كتارهي جائزة بقطر وليس الامارات وهي اعلي جائزة في الوطن العربي ايضا هذا العام احتفت بالطيب الذي اسس الاعلام في قطر وله حب دفين في قطر متبادل تصور في احتفال يحضره جاء الطيب صدفه فانتهي الخبر للامير فهب للقياه عند الباب وقاده الي كرسي في جواره تصور !!!
ِشــــكراً جميـــلاً أســـتاذ/ جمــال محمــد أبراهيم
مقال جميل و أنتم مشــرفين أينما حللتم و فــخر و أعزاز لكل ســوداني .. فرحتمونا في زمن الحزن و كنتم بلســم لطالما احتاجه السـودان بجسده المنهك من نظام التهميش و النكران …
أصبحت عــاجة بأن يكون عظما بلادي يحتفي بهم خارج التراب النيلي و إنجازاتهم لا وجود لها في بيت عزة . كل ما يدرس الأن هو شيء من ظلم و بعض غبن.
هذا حديث غاية في الجمال ، وكل حديث فيه سيرة الرجل الصالح الطيب هو جميل .. فقط أصحح للفاضل أستاذ جمال بأن فعاليات جائزة كتارا للرواية العربية ينظمها الحي الثقافي بدولة قطر وليس الإمارات ، ويقيمون هذه الأيام ( أعني الحي الثقافي ) معرضا باذخا عن الطيب صالح ( رحمه الله ) . وهنيئا لك أستاذنا تمثلينا هناك وذاك شرف لنا!!!
شكرا يا سعادتك علي هذا التطواف الممراح لرجل عرفته شخصيا عن قرب يكفي ان اقول ترلال عبقري اصيل معجون بماء النيل وكفي !!!كيف نتذكر الطيب في خمسينية روايته فنحن في سبات عميق لشعب حي في جوهره قتلونا اولاد الايه …..نحن كما قال شاعرنا الشعبي (بعد ما وصلنا مالنا رجعنا جينا ) وما لنا لا نرجع وقد حكمنا رجال من الفضاء الفارغ حتي من هواء الله الساري …كيف نتذكر وقد ماتت الكولزيوم التي احتفلنا ذات مساء في السبعينات بفيلم زد وموسيقاره اليوناني ونحن شباب في مظاهره ابكت الرجل حيوتنا …كيف نتذكر وقد ارذلنا هذا الارذال الذي تري اطيب فيه فساده تصور!!!
فقط انوه كتارهي جائزة بقطر وليس الامارات وهي اعلي جائزة في الوطن العربي ايضا هذا العام احتفت بالطيب الذي اسس الاعلام في قطر وله حب دفين في قطر متبادل تصور في احتفال يحضره جاء الطيب صدفه فانتهي الخبر للامير فهب للقياه عند الباب وقاده الي كرسي في جواره تصور !!!
ِشــــكراً جميـــلاً أســـتاذ/ جمــال محمــد أبراهيم
مقال جميل و أنتم مشــرفين أينما حللتم و فــخر و أعزاز لكل ســوداني .. فرحتمونا في زمن الحزن و كنتم بلســم لطالما احتاجه السـودان بجسده المنهك من نظام التهميش و النكران …
أصبحت عــاجة بأن يكون عظما بلادي يحتفي بهم خارج التراب النيلي و إنجازاتهم لا وجود لها في بيت عزة . كل ما يدرس الأن هو شيء من ظلم و بعض غبن.
هذا حديث غاية في الجمال ، وكل حديث فيه سيرة الرجل الصالح الطيب هو جميل .. فقط أصحح للفاضل أستاذ جمال بأن فعاليات جائزة كتارا للرواية العربية ينظمها الحي الثقافي بدولة قطر وليس الإمارات ، ويقيمون هذه الأيام ( أعني الحي الثقافي ) معرضا باذخا عن الطيب صالح ( رحمه الله ) . وهنيئا لك أستاذنا تمثلينا هناك وذاك شرف لنا!!!