في شأن التضييق والتطبيع

يوسف الجلال
اندهشت للانشراحة غير المبررة، التي ارتسمت على وجه الحكومة، لمجرد مكالمة حطّت على هاتف وزير الخارجية علي كرتي، من قبل نظيره الأميركي جون كيري.. اندهشت، وقتلتني الحيرة؛ لأن الانشراحة تكشف بجلاء، عن توق الحكومة غير المنكور، لمعانقة رضا اليانكي. بل إنها تعكس بوضوح، رغبة الحكومة غير المستترة، في احتساء كأس التطبيع. وهي من “فلقتنا” في أزمنة “التمكين” بأن “أميركا روسيا قد دنا عذابها”.
فرحت الحكومة للمحادثة ? وهذا من حقها ? وتأهبت لجني حصاد “مكالمة كيري”، وهذا من حقها أيضاً. لكن الحكومة نست – أو تناست – أنها لم تقم ببذر بذرة واحدة، تُسهم في نمو نبتة العلاقة بين الخرطوم وواشنطن. وعليه يبقى من العبث إطلاق الأمنيات، وإسراج خيول التشهي، لحصاد ما ليس مزروعاً أصلاً، وأنه ينبت – فقط – في مخيلة ومكامن العاطفة لدى صناع القرار الحكومي.
كان يتوجب على المؤتمر الوطني أن يقوم بإصلاح الحياة السياسية، وان يصنع مناخاً يحفّز على الديمقراطية، قبل أن تنشرح داوخله لمكاملة (كيري وكرتي)؛ لأن تلك واحدة من أبرز اشتراطات الإدارة الأميركية، لابتدار التطبيع مع حكومة الإنقاذ. هذا غير أن أمريكا ظلت ترهن تطور العلاقات مع السودان، بالكف عن دعم الجماعات المتطرفة والإرهابية، وأيضاً بإنهاء الأزمة في إقليم دارفور، وجنوب كردفان والنيل الأزرق. وهذه كلها شروط واجبة السداد، حتى تنعم الحكومة برضا اليانكي.
وما يحار له المرء أن “الخرطوم”، أفردت التراحيب لمكالمة السيناتور جون كيري، وجعلت منها نقطة انطلاق لانفراج “مزعوم” في علاقة البلدين. مع أن واقع الحال يشيء إلى أن شيئاً من هذا لن يحدث، ما لم تقم “الخرطوم” بسداد فاتورة التحول الديمقراطي وإرساء السلام، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات. وبناءً على ذلك، سيكون من العبث الرهان على حدوث اختراق في جبال القطيعة بين البلدين.
قد يقولُ قائلٌ من مناصري الحزب الحاكم، إن الحكومة ظلت تقدم القرابين للأسرة الدولية، وللإدارة الأميركية، في ما يلي الحرب على الإرهاب، دون أن تجني ثمار ذلك “التعاون”، وقد يظن – منهم ? ظانٌ، أن هذا “يفضح” نوايا أميركا ويكشف “زيف” وعودها. وبدورنا نقول إن هذا إدعاءً لا يقف على ساقين. فما جدوى أن تتعاون الحكومة مع الإدارة الأميركية، في الوقت الذي تحتكر فيه المشهد السياسي، وفي الوقت الذي تُفسد فيه الحياة السياسية..!، إذ لا يعقل أن تقوم الحكومة بطلب “التطبيع” مع أميركا بينما تقوم بـ”التضيق” على شعبها!.
ظني ? وأنا بذلك على يقين – أن الحكومة تفصلها، وستفصلها فراسخ عدة عن عبور مطب التطبيع مع أحفاد العام سام، على الرغم من “تعاون” الحكومة في الحرب العالمية على الإرهاب. لأن رُعاة وحُراس علاقات أمريكا الخارجية، ليسو معنيين بما يدور في الأضابير والأقبية السرية، وإنما تهمهم الممارسة في العلن. وعليه يتوجب على الحكومة أن تقوم بإجراء بروستريكا داخلية، يتخللها اعتراف بجرم الانقلاب، واعتذار صريح بالأخطاء التي نجمت عنه، لحصاد ثمار التطبيع. أو عليها أن تتحلى بجرأة وزير الخارجية علي كرتي، وأن تؤمن بقوله: “علينا ألا نرفع سقف التوقعات حول اتصال جون كيري”.
صحيفة (الصيحة)
والله. انا. مندهش. لى. دهشتك.
اتصال كيرى بغرض الحرب ضد داعش فقط …. لا غير