متى تصحو ضمائرهم

كمال الهدي

? يحزنني كثيراً حال بعض صحافيي بلدنا.
? كثيراً ما سألت نفسي: “متى يصحو الضمير الإنساني لدى هؤلاء”.
? فحين تقرأ لبعضهم مقالات مليئة بالتلاعب بالكلمات حول حالة اقتصادنا ومعيشة أهلنا الضنكة تتحسر على الحال الذي بلغته صحافتنا.
? فلا يعقل أن يناقشوا مشكلة الاقتصاد من زواياهم الخاصة متجاوزين عن عمد أصل المشكلة وأس البلاء.
? يشد بعضهم من أزر حكومة تقرر منع الناس عن أموالهم المودعة لدى البنوك.
? ويثني البعض الآخر منهم على قرارات حكومية مجحفة مثل منع الناس عن بيع الأراضي والعربات بالنقد.
? يدعون ويكذبون ويتظاهرون بأنهم على فهم راقِ للمسائل الاقتصادية.
? ويذهب جزء منهم لأبعد من ذلك، مشيرين إلى أن مثل هذا القرار تأخر كثيراً، وأن الحكومة كان يفترض أن تطبقه من زمن بعيد.
? لا أدري ما إذا كانوا ينطلقون في مثل هذه الكتابات من حقد وكره لإنسان بلدهم الذي يكابد ليل نهار، أم أنه النفاق، أم ماذا؟!
? إذ كيف يطالب صحافيُ يزعم أن قلمه حر ووطني بأن يبيع المواطن العادي ممتلكاته بالشيكات، في حين أن الحكومة نفسها لا تطبق أنظمة الدفع الإلكتروني.
? مساء الأمس حدثني أحد أقاربي بأنه عانى الأمرين عند ترخيص عربته.
? فقد كان المطلوب منه مبلغ 600 جنيه، ظن أنه يستطيع أن يدفعها ببطاقة البنك.
? لكنه تفاجأ بأن الجهة الحكومية المعنية بترخيص المركبات لا تستلم أموالها إلا نقداً.
? حاول معهم كثيراً، لكنهم أكدوا له أن كثرة النقاش لن تجدي وما لم يدفع الـ 600 جنيه عداً نقداً، لن يستطيعوا مساعدته.
? فتخيلوا ماذا فعل هذا المواطن المغلوب على أمره كسائر أهل السودان؟!
? توجه إلى صيدلية بالشركة التي يعمل بها لعلمه بأنها تتعامل مع موظفي الشركة بالبطاقة.
? وانتظر هناك لساعات، وكل ما دخل أحد زملائه من الشركة لشراء دواء من الصيدلية كان يدفع له ببطاقته ويستلم منه النقد.
? وبعد أن اكتمل مبلغ الـ 600 جنيه طار فرحاً إلى سلطات الترخيص وأنجز مهمته.
? فكيف بالله عليكم مع مثل هذا الوضع يتجرأ صحافي ليحدث الناس عن سلامة قرار منع بيع الأراضي والعربات بالنقد؟ !
? ألا يستحي هؤلاء من أنفسهم وهم يحاولون إيهام الناس بأن التطورات الإقتصادية الحاصلة في العالم تفرض علينا أن نتعامل إلكترونياً عند الدفع؟!
? معلوم أن كل بلدان العالم التي طبقت أنظمة الدفع الإلكتروني بدأت بالحكومات، إلا في سودان الأكاذيب والضلال والفساد.
? ليس منطقياً أن تطالب بعض المؤسسات الحكومية بأموالها نقداً، وفي ذات الوقت يكتب بعضنا مشيداً بمثل هذه القرارات التعسفية المجحفة التي تمنع الناس عن أموالهم وحقوقهم المشروعة.
? لكن هؤلاء النفر من أهل المهنة – التي يتفرض أن تصطف مع المواطنين لا أن تكون عليهم – لا يهمهم فيما يبدو سوى إرضاء أولياء النعمة.
? فمن يثري فجأة هكذا ويطل علينا مثل النبت الشيطاني، لا يمكن أن يشعر بذرة حياء أو وخزة ضمير.
? صار الكذب والنفاق جزءاً أصيلاً من حياة هذه الفئة من صحافيي هذا الزمن الأغبر، لدرجة يظنون معها أن دار الفناء التي نعيشها دائمة.
? ألا يتذكر هؤلاء ولو للحظة أن الموت قادم لا محالة؟!
? ألا يخافون من ذلك اليوم المشهود الذي سيلاقون فيه ربهم؟!
? ألا يحمل الواحد منهم بين ضلوعه قلباً ينبض وضميراً يصحو ولو لدقائق معدودة كل يوم لكي يشعروا بالكم الهائل من المآسي التي يعيشها أهلهم في هذا السودان؟!
? يحدثوننا عن إجراءات تعسفية، زاعمين انها ستساهم في حل المشكلة الاقتصادية المستفحلة..
? ويكثرون من التنظير حول الحلول والتفكير الخلاق لرئيس الوزاء الجديد..
? ويناشدون الحكومة بأن تغري المغتربين لكي يحولوا مدخراتهم عبر المؤسسات المصرفية الرسمية في البلد، حتى يزيد الدخل القومي.
? يتناولون مثل هذه الحلول التي تأتي على حساب مواطنين مغلوب على أمرهم، مع التغاضي المتعمد عن الأموال المنهوبة والمؤسسات الوطنية المباعة والثروات المعدنية التي يتم تهريبها ليل نهار.
? بدلاً من التنظير الفارغ والكذب الصريح كان عليهم أن يتناولوا أمر البنوك التي أفلست بفعل فاعل.
? حدثونا عن (مستر) فادي وقصة بنك الخرطوم.
? أكتبوا لنا عن الأسباب التي تمنع مطاراً يتوسط قارتنا السمراء من أن يكون معبراً لآلاف الطائرات وملايين المسافرين.
? بالأمس حدثني أحد الاقتصاديين ذوي الخبرة في المجال بأن مطار الخرطوم كان مهياً لأن يحقق 30% من الدخل القومي للبلد.
? فما الذي حوله إلى أسوأ مطار في المنطقة بدلاً من أن يكون وجهة جاذبة؟!
? تحلوا بالشجاعة اللازمة للكتابة حول الثروات غير المستغلة في البلد من قطن وصمغ عربي وخضروات وفاكهة.
? تكلموا عن أسباب تصدير الماشية الحية بدلاً من ذبحها محلياً وتحقيق الفوائد التي يجنيها بدلاً عنا من يستوردون ماشيتنا حية.
? أسمعونا أصواتكم حول الفساد الذي أفقر البلد وإنسانه.
? وإن لم تملكوا الشجاعة والجرأة لقول كلمة الحق، فليس أقل من أن ( تنقطونا بسكاتكم) لأن ما تكتبونه لا يمت للصحافة بصلة والله، بل هو….
كمال الهدي [email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..